المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ماذا يريد الفلسطينيون في إسرائيل ، ما هي آفاق نضالهم ، هل يقتصر نضالهم فقط على النضال من أجل المساواة وتحسين ظروف معيشتهم داخل الدولة اليهودية، هل هم "عرب إسرائيل" أم عرب 48 أم عرب الداخل أو عرب البقية الباقية في وطنها بعد الترحيل النكبوي في العام 1948، ما هي تأثيرات واقعهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي على التمسك بهويتهم العربية الفلسطينية،

وما علاقة الانتماء للشعب الفلسطيني والأمة العربية بتأييدهم لإقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران، أم أنهم يطمحون ويناضلون من أجل دولة ثنائية القومية في فلسطين التاريخية، كيف يربط الفلسطينيون داخل الدولة العبرية بين المساواة في الحقوق وبين السلام بين الفلسطينيين والحركة الصهيونية، أين هم من الدولة الفلسطينية أو من السلطة الفلسطينية المتمخضة عن اتفاقيات أوسلو، أين هم من حق العودة خاصة وأن جزءًا لا بأس به منهم لاجئ في وطنه بمعنى هجر من قراه المهدومة، ما رأيهم في خطة الانفصال الشارونية وماذا يتوقعون في المرحلة المقبلة؟ .

هذه الأسئلة يمكن الإجابة عليها واستطلاع آراء العرب الفلسطينيين داخل الدولة العبرية. كذلك باستطاعتنا استعراض آراء ومواقف القوى الفاعلة في أوساطهم. والأبحاث التي تتناول هواجسهم وهمومهم كثيرة، حتى أن مراكز الأبحاث الإسرائيلية الأكاديمية والمخابراتية تهتم بين الحين والآخر بالإعلان والإفصاح عن نتائج أبحاثها واستطلاعاتها عبر الصحافة الإسرائيلية وغالبا ما تأتي بعنوان استخباراتي وتحذيري " تقدير حالة" أو "الحالة الراهنة" .

ومن آخر الأبحاث الساخنة في إسرائيل، والذي نشرته صحيفة "هآرتس" في أواسط حزيران/ يونيو 2005، بحث جديد للبروفسور سامي سموحة من جامعة حيفا حول "مؤشر العلاقات بين اليهود والعرب في إسرائيل في العام 2004". يقول سموحة في بحثه "ثمة شعور بالاغتراب لكن هناك رضوخ وقبول بما يجري". ويضيف الباحث أن "حوالي 70% من العرب يرون في اليهود المذنبين الأساسيين في الصراع" في حين تخشى الغالبية اليهودية من الولادات المرتفعة وتغيير الوضع الديمغرافي وتتخوف من اندلاع تمرد شعبي أو عصيان مدني ومن النضال لتغيير طابع الدولة اليهودي ومن دعمهم لأخوتهم الفلسطينيين في الضفة الغربية، أما الغالبية من العرب فقد أيدت دولة ثنائية القومية، كما أن غالبيتهم المطلقة معنية بقيادة تمثيلية عليا.

وأجاب 80% من اليهود أن "المواطن العربي الذي يعرّف نفسه كعربي فلسطيني لا يمكنه الإخلاص للدولة العبرية" .

يشار هنا وفي هذه العجالة إلى أن الباحث يهتم بأن ينشر مؤشرا حول اغتراب عرب الداخل واندماجهم في الدولة العبرية وتعاملهم مع الدولة وسبل "توازن التعايش" وأين وصلت عملية التسييس وما تأثيرات التطرف عليهم.

وقد تجد بعض التناقضات في البحث، مثل أن هناك 70% من العرب يعتبرون أن لإسرائيل الحق في الوجود كدولة يهودية وديمقراطية! في المقابل أجاب 72% من العرب أن الدولة الصهيونية هي دولة عنصرية. ويضيف أن العرب يميزون بشكل حاد بين اليهودية والصهيونية. لكن الباحث لم يتطرق إلى مسألة التناقض بين يهودية الدولة وديمقراطيتها، الأمر الذي أوقعه في بعض التناقضات، وهذا يتناقض كليا مع كونهم يؤيدون دولة ثنائية القومية..

ثمة علاقة بين نتائج هذا البحث الإسرائيلي الأخير، وإن اختلفنا معه ومع أسباب وأبعاد نشره، وبين هواجس الفلسطينيين داخل إسرائيل وتصوراتهم بشأن "الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس" التي باتت حلما عربيا في هذه الأيام الصعبة التي يعيشها العالم العربي .

هناك حالة من الاغتراب وعدم الثقة من التحركات السياسية وخاصة المفاوضات وطرق إدارة الصراع، كما أنهم لا يثقون بنوايا شارون وحكومته بحكم التجربة كمواطنين من الدرجة الثانية داخل الدولة اليهودية .

وعندما نستند إلى بحث إسرائيلي يتعلق بموضوعات مثل الاغتراب من الدولة واعتراف العرب بطابعها اليهودي الديمقراطي نستطيع أن نفهم سلوكهم السياسي وتصوراتهم من الدولة الفلسطينية. كما أن الأجواء السياسية الدولية لها تأثيراتها على المواطنين العرب واغترابهم وقبولهم ورضوخهم جراء التعب من المشهد السياسي العام.

ففي بحث آخر للبروفسور سموحة في العام 2000 أجراه في تشرين الأول/ أكتوبر بعد اندلاع الانتفاضة على عينة من الفلسطينيين داخل إسرائيل أشارت نتائجه إلى "تراجع ظاهرة الأسرلة التي انتشرت بعد أوسلو وازدياد الوعي القومي والديني بفضل خطاب التيارين القومي والإسلامي" .

ولو نظرنا إلى البحثين يمكن أن نلاحظ علاقة المزاج السياسي وتأثيرات التحركات السياسية الدولية والمنطقية والداخلية على المواطن العادي. ففي فترة الانتفاضة يتعمق الانتماء الوطني والقومي وفي فترة الهزائم يغترب ويحبط المواطن العادي. وأعتقد أن هذا المثال ينطبق ليس فقط على الأقلية العربية الفلسطينية في الداخل إنما على كل المواطنين العرب.

من دون شك ازداد الوعي القومي بفضل خطاب التيار القومي تحديدا حيث تم تغيير في الرؤية الإسرائيلية لعرب 48 والمطالبة بدولة المواطنين أي إلغاء الطابع اليهودي للدولة العبرية، وتحوّل هذا الخطاب إلى خطة مواجهة مع الحركة الصهيونية، ومع تسارع الأحداث واحتلال العراق وفرض الهيمنة الإسرائيلية ازداد الاغتراب ولوحظت الردة السياسية حتى في أوساط المواطنين العرب إلا أن الهجمة الأخيرة أبقت في داخلهم المرارة الحادة، الأمر الذي يؤكد الانتماء للأمة العربية .

وصل تعداد المواطنين العرب إلى مليون وربع المليون وتعمل في أوساطهم ثلاثة تيارات، التيار القومي الديمقراطي والتيار الإسلامي بشقيه المتشدد والبراغماتي والتيار الشيوعي الجبهوي. وبرغم الخلافات الأيديولوجية والبرنامجية إلا أنها تتفق فيما بينها بشأن الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وحق العودة وتفكيك المستوطنات. إذًا هناك تعددية تيارات لكننا في المقابل نرى إجماعًا حول قضية بات الشعب الفلسطيني يجمع عليها .

لكن هذا لا يعني أن الصورة وردية بهذا الشكل، فهناك بعض العناصر العربية الإسرائيلية المرتبطة تاريخيا ومصلحيا بالمؤسسة الإسرائيلية وحزبي الليكود والعمل، لذلك ترى من يحاول تسويق برامج استسلامية ورضوخ وقبول سياسة الأمر الواقع عبر الإعلام والصحف .

المواطنون العرب وخطة الانفصال الشارونية

يتوخى المواطنون العرب كجزء لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني تنظيم البيت الفلسطيني وتعميق الوحدة الوطنية بين الفصائل الفلسطينية الفاعلة لبناء قيادة جماعية قادرة على قيادة النضال بعد الاتفاق على إستراتيجية واحدة. ويعرف المواطنون العرب التمييز بين دور السلطة الفلسطينية في إدارة الحياة الفلسطينية وبين ضرورة الوحدة والقيادة الجماعية هناك. ورغم "الجدار" الذي فصل بين الفلسطينيين في الداخل والضفة الغربية ما زال الأهل يتابعون أخبارهم أولا بأول، ولسنا هنا في حاجة لذكر الدور الذي لعبوه أيام الانتفاضة الأولى والثانية من مظاهرات التضامن وحملات الإغاثة..

وتتعدد الآراء بين المواطنين العرب في الداخل بشأن خطة فك الارتباط فمنهم من يعتبرها إنجازا وانسحابا من قطاع غزة ومنهم من يعتبرها خطة "فك واربط"، بمعنى الانفصال عن غزة وضم مستوطنات ومناطق من الضفة الغربية لإسرائيل.

ويجمع المراقبون والقيادات الوطنية في الداخل على أن خطة فك الارتباط ستنفذ حتى لو أدى ذلك إلى صدام مع المستوطنين، وأنه ستجري محاولات وفق تفاهمات شارون - بوش، لتحويل القضية الفلسطينية إلى قضية دولة، وكل القضايا الأخرى تحول إلى قضايا هامشية. فالمهمة الأساسية المقبلة التي سنشهدها عدم إزعاج شارون في تنفيذ خطة فك الارتباط وتثبيت الكتل الاستيطانية الأساسية في الضفة الغربية بما في ذلك صدامه مع المستوطنين وإظهاره كرجل سلام في العالم، وعلى الفلسطينيين أن "ينجحوا" في الامتحان المقبل بعد تنفيذ خطة فك الارتباط في إدارة شؤون قطاع غزة أمنياً ليثبتوا نواياهم بعقد اتفاق مع إسرائيل، وعندها يكون من الممكن إسرائيلياً فتح النقاش حول الحل الدائم، وحينئذ ومع إصرار الفلسطينيين على التمسك بالثوابت الفلسطينية والتعنت الإسرائيلي ستتعثر المفاوضات وستطرح فكرة القبول بدولة فلسطينية على 40% من مساحة الضفة الغربية، بحيث تتجدد المفاوضات بعد 15 عاماً لتكون في المستقبل بين دولتين، وهذا يعني زوال قضايا التحرر الوطني، وحق العودة والقدس والمستوطنات والانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران.

إذا شارون هو آخر القادة الصهاينة من الجيل المؤسس "الزنابير"، كما يسميه الباحث الإسرائيلي باروخ كيمرلينغ. فهو سياسي وعسكري ومتابع للأحداث ويعرف ماذا يدور من حوله برغم من أن عمره يزيد عن ثلاثة أرباع قرن. لا يوجد بينه وبين المستوطنين الذين يهددون بعرقلة تنفيذ خطة الفصل أي اتفاق مسبق ليظهر في المشهد الإسرائيلي انه رجل السلام ومحقق "الانسحاب" من غزة وان كانت قيادة الجيش الإسرائيلي تدعو قادتهم للحوار على أمل تنفيذ الخطة من دون مشاغبات مع أن شارون معني بالفوضى الشكلية. هناك فرق بين اتفاق مسبق بينهما وكونه معنيًا بإثارة الشغب ليحقق مكاسب من وراء ذلك وليبين للعالم أن تنفيذ الخطة لم يكن بالأمر الهين .

فقد استطاع شارون بعد سقوط باراك أن يقسم الشارع الإسرائيلي إلى قسمين: القسم الأول الذي يؤيد خطة الفصل والثاني التي يعارضها وبذلك لا ذكر اليوم لأي دور لليسار الإسرائيلي.

ويتمتع شارون بتأييد كبير داخل حزبه "الليكود"، ويتم عادة نعت هؤلاء المؤيدين بـ"معسكر شارون" الذين يدعمون كل خطة يطرحها من دون الالتفات ما إذا كانت تتفق مع مبادئ الحزب أم لا. من جهة ثانية، يعتبر شارون مؤسس مشروع الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. زيادة على ذلك، فإن شارون لم يدعم أبدا اتفاقًا سياسيًا بين إسرائيل وأي من الدول العربية: عارض اتفاق "كامب ديفيد" مع مصر كما عارض "اتفاق أوسلو".

أما بخصوص "تخوفات" المواطنين العرب من المستقبل ومن هاجس القنبلة الديمغرافية فقد طلب شارون مؤخرا من مساعديه فحص إمكانية ضم مناطق عربية داخل الخط الأخضر لمناطق السلطة الفلسطينية وماهية الوضعية القانونية في هذه الحالة للمواطنين العرب داخل الدولة العبرية. ويذكر في هذا الصدد انه سرعان ما تحول تصريح شارون إلى فقاعة إعلامية يتناولها الفلسطينيون داخل بيوتهم وفي الشارع والإعلام المحلي والعربي حول السؤال الذي تعوّد باحثون إسرائيليون أن يضعوه في استمارات البحث حول "السلوك السياسي للمواطنين العرب في إسرائيل": أين تفضل أن تسكن؟ في الدولة الفلسطينية العتيدة التي ستقام في المناطق التي احتلتها إسرائيل عام 1967 أم البقاء في إسرائيل. . . . أذكر أن هذا السؤال طالما وضع في استمارات الأكاديمية الإسرائيلية منذ حوالي الثلاثة عقود عندما تابعت بقلق مسألة تعميق الهوية الوطنية والقومية في أوساط المواطنين خاصة بعد صعود نجم منظمة التحرير الفلسطينية. وإزاء هذا التصريح العنصري راح العرب يتحدثون حول مشروع "تبادل المناطق والسكان" بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك أن هناك اتفاقًا مع السلطة الفلسطينية منذ كامب ديفيد حول هذا الموضوع وأن في جعبة شارون خطة لترحيل العرب. وبدأ النقاش بين الناس العاديين حول العيش في سلطة لا تنعم في الديمقراطية أم البقاء تحت رحمة إسرائيل، نقاش تحول إلى اختيار السيء من الأسوأ .

ولا أخفي عليكم أن بعض القوى السياسية الفاعلة في أوساط العرب في الداخل قد استعجلت في ردها على تصريح شارون وتعاملت معه بالقول: نحن نعرف أن شارون أصلا لن يتنازل عن مناطق 1967 ليمنح السلطة الفلسطينية أراضي احتلت في العام 1948 ، ونعرف في الوقت نفسه أنه طالما راود شارون كيفية التخلص من العرب، وأن المجتمع الإسرائيلي بأغلبيته يفضل دولة يهودية خالصة وخالية من العرب كما يشير البحث الجديد للباحث سامي سموحة، حتى أن المؤرخ الإسرائيلي "الجديد" بيني موريس صاحب كتاب "تصحيح خطأ" والذي كشف فيه عن مخططات الترحيل ارتد وصرح مؤخرا بأن خطأ الدولة اليهودية يكمن في عدم التخلص من العرب وأنه لا يسقط الأمر من الحسابات في المستقبل عندما يكون هناك تهديد عملي وفعلي .

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات