المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

سلطت أزمة الثقة بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، المتعلقة بصادرات الأسلحة الإسرائيلية إلى الصين، وضمنها صفقة الطائرة من دون طيار وأزمة التجسس في البنتاغون لصالح إسرائيل، الأضواء على علاقات التعاون العسكري بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وعلى تجارة السلاح في العالم، التي تثير الكثير من علامات الاستفهام والاستغراب، لما تحتويه من مفارقات.

فإسرائيل، مثلا، تخصّص حوالي عشرة مليارات من الدولارات لنفقات الدفاع وللإمعان في تطوير ترسانتها الحربية، من موازنة حكومية قدرها 60 مليار دولار (بنسبة 16 بالمئة من الموازنة و10 بالمئة من الناتج السنوي المحلي). وإسرائيل هذه تحتكر امتلاك السلاح النووي في الشرق الأوسط ، مع امتلاك 200 قنبلة نووية مع صواريخ الإطلاق. وهي تحظى على علاقات تعاون مع الولايات المتحدة في المجال العسكري، إن بالنسبة لتبادل الخبرات ومعلومات البحوث أو بالنسبة للتطوير المشترك لبعض السلع العسكرية، كما بالنسبة لإمدادها بأحدث ما في ترسانة الولايات المتحدة من أسلحة، لضمان تفوقها النوعي العسكري على الدول العربية المحيطة، هذا فضلا عن تلقيها تمويل قدره 2 مليار دولار سنويا لتعزيز قدراتها العسكرية والأمنية من الولايات المتحدة.

وتناهز صادرات إسرائيل العسكرية 2ـ 3 مليارات دولار سنويا، وهو رقم يمثل عشر التصدير العالمي من السلع الحربية (من مجموع قدره 30 مليار دولار) وتحتل إسرائيل بذلك موقعا مرموقا بين أكبر خمس دول مصدرة للسلاح، إلى جانب الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا. وهي تصدر أسلحة ومعدات عسكرية مختلفة إلى الصين والهند وتركيا والعديد من الدول في أفريقيا وأسيا وأميركا اللاتينية، وأوروبا الشرقية، هذا عدا عن علاقات التعاون العسكري التي تربطها بالدول الأوروبية وبالولايات المتحدة ذاتها.

المفارقة أن إسرائيل هذه تدعو الولايات المتحدة الأميركية، وغيرها من الدول الكبرى، إلى مراقبة التسلح في المنطقة، وإجبار الدول العربية على التوقيع على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل، بينما ترفض هي التوقيع على مثل هذه الاتفاقيات، مثلما ترفض إخضاع ترسانتها العسكرية لأية رقابة دولية، متعمّدة في ذلك استخدام ما يسمى إستراتيجية "الغموض النووي"، مدعية أنها جزء من إستراتيجية "الردع" التي تنتهجها، في مواجهة العالم العربي. واللافت أن إسرائيل لا تطالب بتجريد الدول المجاورة لها من أسلحتها، أو الحد من قدراتها، فقط، مثلما تفعل باتجاه سورية، مثلا، وإنما هي تطالب بأن يشمل ذلك حتى الدول البعيدة عنها، مثل ليبيا أو إيران أو حتى كوريا الشمالية. كما أنها تراقب عن كثب مبيعات السلاح الأميركية لمصر أو للمملكة العربية السعودية، وتثير مخاوف كبيرة حول مستوى تسلّح هاتين الدولتين.

الأهم من ذلك أن إسرائيل، التي تدّعي بأنها مجرد دولة صغيرة مستهدفة في وجودها ومحاطة ببيئة معادية، تتمتّع بامتيازات نوعية في مجال التسلح والدفاع، قياسا للدول العربية فهي تمتلك أقوى الأسلحة وأحدثها؛ وهي التي تهدّد استقرار البلدان العربية؛ وتحظى بدعم وحماية العالم الغربي وخصوصا الولايات المتحدة، التي تهيمن على النظام العالمي؛ ولأنه ثمة فجوة نوعية بينها وبين العالم العربي، في مجال التسلح والعلوم والتكنولوجيا والبحث العلمي ووسائل الاتصالات والإدارة.

ولعل هذه الجردة للسياسة الإسرائيلية، في مجال العسكرة، تفسّر نتائج استطلاعات الرأي التي اعتبر فيها أكثر من 60 بالمئة من الأوروبيين ونصف الأميركيين بأن إسرائيل أكثر دولة تشكل تهديدا للأمن الدولي.

ومعنى ذلك أن مخاوف إسرائيل التي تبرّر فيها "حقّها" في احتكار التسلح النووي والتفوق العسكري، في المنطقة، بدعوى أنها دولة صغيرة تدافع عن وجودها، ليست إلا ادعاءات للمراوغة على الرأي العام العالمي ومحاولة منها لتغطية نزعتها العسكرية والعدوانية في المنطقة العربية.

أما من جهة الولايات المتحدة الأميركية، فهذه الدولة تعتبر من أهم مصادر التسلح في العالم، بل إنها أول مزوّد للأسلحة فيه، منذ سنوات عديدة، بحسب تقرير نشره مؤخرا اتحاد العلماء الأميركيين.

فالولايات المتحدة أمّنت في العام 2001 حوالي 49 بالمئة من مبيعات الأسلحة في العالم، مقابل 47,6 في المئة في العام 1998 (حلت بريطانيا في المرتبة الثانية 18,7 في المئة، وبعدها فرنسا 12,4 في المئة، ثم روسيا 6,6 في المئة). وبحسب التقرير فإن حجم سوق الأسلحة المباعة في العالم في العام 2002 بلغ 29,2 مليار دولار، وقد بلغت حصة البلدان النامية من هذه المبيعات 62,2 في المئة، وبلغت عائدات الولايات المتحدة من هذه المبيعات حوالي 13.3 مليار دولار.

أيضا فإن موازنة الإنفاق على الدفاع والتسلح، في الولايات المتحدة، هي الأكبر في العالم، إذ بلغت في العام 2004 حوالي 420 مليار دولار، وهي تشكل 45 ـ 48 بالمئة من مخصصات الإنفاق على الدفاع في العالم التي تبلغ 840 مليار دولار. كذلك بالنسبة لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، فإن الولايات المتحدة هي الأولى في عدد الرؤوس النووية مع 15 ألف رأس وحوالي 700 غواصة نووية ومع 500 قاذفة إستراتيجية، وهي ما زالت منخرطة في برنامج حرب النجوم، وترصد مبالغ طائلة على البحث العلمي في مجال تكنولوجيا التسلح. وأخيرا وكما هو معروف فإن الإدارة الأميركية الحالية تراجعت عن اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة الباليستية التي كانت وقعتها مع الاتحاد السوفييتي (السابق). وفوق كل ما تقدم فإن الولايات المتحدة تنتهج سياسة مساعدات تقوم على نشر التسلح في العالم، إذ أنها تقدم جزءا كبيرا من مساعداتها للدول النامية على شكل أسلحة؛ بدلا من التركيز على المساعدات التقنية والاقتصادية.

المشكلة أن الولايات المتحدة، وفق فلسفة المحافظين الجدد، باتت تغطي هذه السياسات الحربية بدعوى أن الدول الديمقراطية يحق لها ما لا يحق لغيرها، من امتلاك أسلحة وتوزيعها بمعاييرها. وأن الدول الديمقراطية القوية معنية بنشر رسالتها، وفرضها على الآخرين ولو بالوسائل القسرية والعسكرية؛ باعتبار ذلك يساعد على الحفاظ على الاستقرار والسلام في العالم!

فهل حقا تبيح قيم الديمقراطية لدولة ما تحرمه على غيرها؟ ألا يعتبر ذلك تهديدا للسلام العالمي ولمبادئ الديمقراطية والمساواة والعدالة والاعتماد المتبادل؟

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات