المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ليس من شأن الأنباء المتواترة عن "شعور المفاجأة" الذي بات يمسك بتلابيب أقطاب الحكم في إسرائيل، حيال "الأداء المتميّز" للرئيس الفلسطيني المنتخب أخيرًا محمود عباس (أبو مازن)، أن تقلّل من لدغة الأزمة التي تضيق أشدّ فأشدّ حول خناق حكومة أريئيل شارون بطبعتها الجديدة، منذ العاشر من كانون الثاني الجاري، التي تضم "العمل" و"يهدوت هتوراه"، فضلا عن "الليكود".

فلقد ولدت هذه الحكومة وسط إجماع في صفوف الساسة والمعلقين الصحافيين الإسرائيليين على أنها حكومة غير مستقرة البتة. وفي هذه الأثناء فإن متاعب شارون المترتبة أساسًا على عدم الإستقرار هذا غير مستبعدة وإن بدت مؤجلة، في حين تجري محاولات محمومة، من جانب شارون شخصيًا، لضم حزب "شاس" الديني المتشدّد بنوابه الأحد عشر إلى هذه الحكومة. وهي محاولات لا يمكن التكهن بما ستسفر عنه من نتائج في الوقت الراهن، ولم يرشح شيء عن وجهة سيرها حتى الآن. وعليه فإن التقدير السائد هو أن استقرار الحكومة، بل واستمرارها في الحكم، منوط فقط بانضمام "شاس" إليها. وفي حالة إخفاق هذه المحاولات واتضاح انتفاء النية لدى "شاس"، مرة واحدة وأخيرة، للإنضمام إلى ركب الحكومة فإن تقديم موعد الإنتخابات البرلمانية الإسرائيلية سيمسي إحتمالا أكثر ترجيحًا من أي وقت مضى.

ويعزّز هذا التقدير، أكثر شيء، طبيعة تركيبة الحكومة الجديدة، من جهة واحدة بقدر ما تعزّزه التطورات الحاصلة داخل صفوف حزب "الليكود" نفسه والمتراكمة منذ إطلاق ما يعرف باسم "خطة الإنفصال" أو "خطة فك الارتباط"، من جهة أخرى.

حتى الآن شفّ هذان الأمران، فيما هو مرتبط بعمل الحكومة، عما يلي من "وقائع جافّة":

* أعلن رئيس الحكومة أريئيل شارون أن التصويت على بيان توسيع الحكومة الإسرائيلية، في العاشر من الجاري، سيتحول إلى تصويت على الثقة به وبالحكومة. وقد أراد من وراء ذلك دفع معارضيه في "الليكود" إلى تحمل مخاطر سقوط حكومة "الليكود" وخطايا التوجه إلى انتخابات جديدة مبكرة. غير أن المعارضين لخطة الإنفصال في "الليكود"، والذين يبلغ عددهم ثلاثة عشر نائبا ويسعون من غير لأي لجذب النائب الرابع عشر إلى معسكرهم بما يؤهلهم للإنشقاق عن الحزب الأم وفق أحكام القانون، قرروا أنهم سيصوتون في كل الأحوال ضد انضمام حزب "العمل". وقال زعيمهم عوزي لانداو إنهم بذلك يعلنون التزامهم بنتيجة قرار مؤتمر "الليكود" الذي حظر على شارون ضم حزب "العمل"، وهو قرار أعقب الاستفتاء في صفوف منتسبي "الليكود" الذي رفض خطة الإنفصال، جملة وتفصيلا.

* صحيح أن هناك حاليًا ائتلافا حكوميًا يضم كتل "الليكود" و"العمل" و"يهدوت هتوراه". لكن هذا الإئتلاف لا يحوي عمليا أكثر من خمسين عضو كنيست، إذ إضافة إلى متمردي "الليكود" هناك عضوان من "الليكود" وعضوان من "يهدوت هتوراه" سيمتنعان من الآن فصاعدا عن التصويت في كل ما يتصل بالقضايا الأساسية للحكومة. يضاف إلى ذلك أن حركة "يهدوت هتوراه" انضمت بشكل مشروط للحكومة ولمدة ثلاثة شهور فقط من تاريخه، تريد من خلالها اختبار نوايا شارون، وما إذا كان سيطبق بنود الاتفاق مع هذه الكتلة، وبشكل خاص في موضوعين مركزيين: الأول تحويل الميزانيات الضخمة من خزينة الدولة للمؤسسات الدينية والتعليمية التابعة لحزبي "ديغل هتوراه" و"اغودات يسرائيل"، اللذين يشكلان كتلة "يهدوت هتوراه" الأصولية الأشكنازية. والبند الثاني هو الإبقاء على استقلالية جهاز التعليم التابع لهذين الحزبين وعدم إخضاعه لجهاز التعليم الحكومي، بموجب "خطة دوفرات" للتغييرات الجذرية في جهاز التعليم الإسرائيلي، المفترض أن يبدأ تنفيذها في مطلع العام المدرسي المقبل.

كما أن شبكة الأمان التي توفرها كتلة "ياحد- ميرتس" اليسارية هي "شبكة محدودة الضمان". يعني كل ذلك أن الحكومة الجديدة هي حكومة أقلية. وهذه الحكومة، التي ستضطر في الأيام القريبة لمواجهة الاستحقاق الأول لها عبر إقرار الميزانية العامة في القراءتين الثانية والثالثة، بعد أن نجحت بإقرارها في القراءة الأولى غير المصيرية، قد لا تمتلك القوة الكافية لإقرار وتمرير خطة الإنفصال. وهذا ما دفع عددا من الساسة والمعلقين الإسرائيليين للحديث عن اقتراب تقديم موعد الانتخابات العامة كأمر شبه حتمي، إذ لا يعقل لحكومة تعاني هذا القدر من التشرذم ومن ضعف قاعدتها البرلمانية والحزبية أن تبقى "صامدة" في موقع صنع القرار المصيري لفترة طويلة.

* نجاح شارون في تمرير هذه الحكومة بأصوات "ياحد- ميرتس" وبفضل امتناع النائبين العربيين من "القائمة العربية الموحدة" عن التصويت وفرّ أقوى الذخائر ضده في "الليكود"، إذا لم نشأ الحديث عما وفره لدى اليمين الإسرائيلي بشكل عام. فقد اضطر عدد من وزراء "الليكود" للإقرار بأنه يصعب وصف الحكومة الحالية بأنها حكومة ليكودية رغم أنها تغذّ السير بقيادة كهذه. وهذا يعني أنه يتعذر ضمان الاستقرار لهذه الحكومة أو ضمان مكانة شارون في "الليكود". وقد أشار أحد المعلقين الثقاة (يوسي فيرتر من "هآرتس") إلى أنه حتى شارون ذاته "استوعب" صعوبة هذه الوضعية الجديدة، الناشئة غداة التصويت في الكنيست على إقرار حكومته الجديدة. فقد أدلى الوزير في حكومته، يسرائيل كاتس، بمقابلات لجميع محطات الإذاعة الإسرائيلية أعلن في سياقها أن حكومة تستند إلى أصوات اليسار والعرب هي "حكومة غير شرعية". وهدّد كاتس، باعتباره أحد الساسة الأقوياء في "الليكود"، بدعوة مؤسسات الحزب ذات الصلاحية إلى الإنعقاد واتخاذ قرار بتبكير موعد الإنتخابات. من ناحية أخرى، موازية ومكملة، أعلن وزير آخر هو داني نافيه أنه بدأ بجمع تواقيع أعضاء اللجنة المركزية لحزب "الليكود" على عرائض تدعو إلى إجراء استفتاء عام على خطة الانفصال.

وأضاف هذا المعلق: "أصاخ شارون السمع إلى التصريحات العلنية، غير أنه في الآن نفسه شخّص أيضًا السيناريوهات الخفيّة، خلف الكواليس، التي تؤشر إلى قيام صلة بين المتمردين وبين وزراء كبار في حكومته التزموا جانب الصمت في ذلك الأسبوع (الذي أقر فيه توسيع الحكومة). وهو يقدّر أنه كلما اقترب يوم التصويت في الحكومة على تنفيذ المراحل الأربع لخطة الانفصال، ستتصاعد الأصوات داخل الليكود الداعية إلى إجراء استفتاء عام من أجل التخلص من تبعية الحكومة شديدة الوطأة لليسار والعرب، وهي أصوات قوية كما دلّ على ذلك استطلاع أخير لصحيفة هآرتس نشر يوم 14/1/2005". وبالتالي في قدرة إنضمام "شاس" إلى الحكومة أن يسعف في التخلص من مثل هذه التبعية وفي إزاحة فكرة الاستفتاء العام جانبًا.

(يتضح من نتائج الاستطلاع في "هآرتس" أنّ فكرة الاستفتاء الشعبي حول خطة الإنفصال بدأت بالتغلغل بين أوساط اليمين الإسرائيلي خصوصًا: فـ 38.3 بالمئة يدعمون استمرار التحضيرات لفك الارتباط، وتصل نسبة من يرغبون في إجراء استفتاء عام قبل تنفيذ فك الارتباط إلى 37.5 بالمئة، فيما يفضل 17 بالمئة فقط إجراء انتخابات مبكرة.

وفي "الليكود" يظهر دعم الاستفتاء الشعبي واضحًا وجليًا: 49 بالمئة يدعمون إجراء استفتاء في مقابل 29 بالمئة يؤيدون الاستمرار في الاستعدادات لفك الارتباط.

وتُعدّ هذه النتائج بمثابة ورطة لشارون، فكلما اقترب موعد فك الارتباط فإنّ وزراءه "سيركبون على موجة" الاستفتاء وبالتالي سيضعونه في موقف محرج أمام الرأي العام وأمام مصوتيه وحزبه!).

في ضوء ذلك كله تظل الأنظار مشدودة إلى فحوى الجواب على السؤال المتعلق بوجهة "شاس" المقبلة.

وفي واقع الأمر فقد تفاوتت تقديرات المعلقين الإسرائيليين في الشؤون الحزبية بشأن فرص التحاق حركة "شاس" الدينية الشرقية بالائتلاف الحكومي، حتى بعد الاجتماع الذي عقده رئيس الحكومة اريئيل شارون مع الزعيم السياسي للحركة النائب ايلي يشاي يوم 12/1/2005 ، واتفق في ختامه على عقد اجتماع ثانٍ، لكن ليس قبل أن يطرح شارون مطالب "شاس" الاقتصادية على وزير المالية بنيامين نتنياهو للنظر فيها.

وعلى رغم أن عناوين الصحف الإسرائيلية توالي بث الانطباع بأن هذه الحركة الدينية تتجه نحو الالتحاق بالحكومة، توقع معلقون عثرات جدية قد تحول دون ذلك، في مقدمتها معارضة متوقعة من جانب نتنياهو لخرق إطار الموازنة العامة وتعديلها لمدّ مؤسسات الحركة الاجتماعية والدينية بأكثر من مئتي مليون دولار يقول إنها ليست متوفرة، وقد يتطلب توفيرها المساس بموازنة وزارة الدفاع. هذا فضلاً عن إعلان يشاي أن الزعيم الروحي للحركة، الحاخام عوفاديا يوسيف، لا يعتزم التراجع عن فتواه التي تعارض خطة "فك الارتباط" الأحادي الجانب عن قطاع غزة.

وسارع أقطاب حزب "العمل" إلى الإعلان عن معارضتهم انضمام "شاس" في حال لم تلتزم مسبقاً بدعم خطة "فك الارتباط"، مذكّرين بأن الاتفاق الائتلافي مع شارون تضمن بنداً واضحاً بهذا الصدد. لكن يشاي أعلن أنه في حال انضمت الحركة إلى التوليفة الحكومية فإنه سيشترط ذلك بمنح وزرائها "حرية التصويت في كل ما يتعلق بخطة الإنفصال". وربما ينطوي تصريح يشاي كذلك على متاعب مؤجلة أخرى تتحين بشارون الفرص حتى في حال نجاحه بضم "شاس" إلى ائتلاف حكومته، بحيث يظلّ يتراءى كريشة في مهبّ الريح.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات