المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ساعات قليلة قبل ادائه اليمين الدستورية في المجلس التشريعي الفلسطيني، أعلنت اسرائيل عن قطع الاتصالات ووقف المفاوضات مع الرئيس الفلسطيني المنتخب.

كيف يمكن قطع مفاوضات لم تبدأ بعد؟ هذا اختراع من انتاج صناعة بوق الدعاية الاسرائيلية الذي امتهن التمويه والتضليل. والحجة كالعادة هي ان الفلسطينيين يستمرون في تنفيذ العمليات. ولكن إسرائيل لا تقول ما الذي ستفعله هي من اجل التهدئة، سوى استعدادها لإجراء مفاوضات مع أبو مازن، اذا نفذ الاخير الشروط الاسرائيلية بشأن محاربة ما يسمى بالارهاب.

قام ابو مازن بمحاولات حثيثة للتوصل الى اعلان هدنة تتفق عليه كافة الفصائل الفلسطينية. وهذه المحاولات لا تبدأ من الصفر، بل تستند الى تجربة الهدنة السابقة في تموز 2003، والتي صمدت 51 يوماً، وإلى الحوارات الداخلية المستمرة في القاهرة وغيرها خلال العام المنصرم. وتجمع الفصائل الفلسطينية على ان الهدنة الحقيقية هي مصلحة وطنية ومصلحة لكل تنظيم على حدة.

وصلت الفصائل الفلسطينية الى نقطة النضوج للاتفاق على الهدنة، والاتفاق عليها بين التنظيمات ناجز عملياً. الذي يمنع الهدنة هو رفض اسرائيل الالتزام بوقف اطلاق النار. وقد قال ممثلو الفصائل الفلسطينية بحق انه من غير المعقول ان يلتزموا بوقف النار في حين تستمر اسرائيل بالقيام بعمليات الاغتيال والقتل والقصف والتدمير. هكذا كان في 2003، فقد التزم الطرف الفلسطيني بكافة فصائله بها في حين استمرت اسرائيل في القتل والاغتيال بل هي استغلت الهدنة واعتبرتها مناسبة للتصفيات السياسية.

لا يحظى الرفض الاسرائيلي لوقف اطلاق النار بالاهتمام اللازم في الرأي العام المحلي والعالمي. كل الضغوط العربية والعالمية موجهة ضد الفلسطينيين ولا احد يضغط على اسرائيل في هذا الاتجاه. والحقيقة اننا امام مشهد مقلوب تماما. الاحتلال هو مصدر العنف وسبب سفك الدماء ولكن المتهم هو الفلسطيني الذي يدافع عن ارضه ووطنه. أما العدوان الوحشي المستمر ضد الشعب الفلسطيني فهو عند الاميركان "دفاع مشروع عن النفس".

أعلن أريئيل شارون في اكثر مناسبة أن الهدنة هي شأن فلسطيني داخلي واسرائيل لم تطلبها وليست مستعدة للالتزام بأي شيء في مقابلها. وفي بعض الاحيان كان يقول بأنه إذا توقفت العمليات فإن اسرائيل ستنظر ببعض التسهيلات للفلسطينيين. ما يطلبه شارون ليس الهدنة بل الحرب الاهلية ضد المقاومة الفلسطينية وإذا لم تتجاوب القيادة الفلسطينية مع ذلك فهي تدخل، بنظر اسرائيل، خانة "اللا شريك" الجاهزة والمجربة.

اريئيل شارون لا يؤمن بالمفاوضات ولا يوليها أية اهمية سوى في مجال العلاقات العامة وتمرير الإملاءات. السياسة الشارونية الفعلية لا تراهن على مائدة التفاوض بل على الضغط العسكري والسياسي والاقتصادي والاعلامي. محاصرة القيادة الفلسطينية حتى تقبل بشروطه هي رهانه الاول، وإذا لم تستجب يفعل ما يشاء من جانب واحد.

لا يمكن الرهان على حزب العمل لاي تغيير في سياسة الحكومة الشارونية. فهذا الحزب اليوم هو شاروني أكثر من الليكود وليس لديه اي برنامج سياسي سوى دعم شارون وتأييده. وحين يؤيد هذا الحزب خطة "الانفصال من جانب واحد" فهو لا يضع اي شروط. وقد سبق وزراء العمل غيرهم في ارسال التهديدات الى القيادة الفلسطينية بشأن وقف ما يسمى بالارهاب.

وما يبقى ان شارون مستمر في مخططه وهو لم يحد عنه حتى الآن. ومن الأسس غير المكتوبة لهذا المخطط ترك ارض محروقة في قطاع غزة قبل اعادة نشر القوات الاسرائيلية حوله. ويعتقد شارون والقيادة العسكرية الاسرائيلية عموما بأن الانسحاب قد يفسر بكونه ضعفا في قوة الردع الاسرائيلية، لذا فإن اسرائيل ستعمل كل في وسعها لاثبات جبروتها وقوتها قبل الانسحاب. واسرائيل تثبت ذلك كالعادة بالقتل والتدمير والاغتيال. من هنا فإن اسرائيل غير معنية بوقف اطلاق النار وغير معنية بالهدنة. ان الموقف الاسرائيلي الرافض لأي وقف اطلاق النار هو اليوم العقبة الرئيسية امام الهدنة. وإزاء هذا الوضع فإن المطلوب عربيا وفلسطينيا التحرك لفضح هذا الموقف وازاحة الضغط عن الفلسطينيين الى اسرائيل، التي تمارس ارهاب دولة وتتنصل من مسؤوليتها باتهامها غيرها.

(*) رئيس كتلة "التجمع الوطني الديمقراطي" في الكنيست

المصطلحات المستخدمة:

اريئيل, الليكود, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات