لا شك في أن نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة كانت بمثابة خيار الطلقة الأخيرة للمجتمع الاسرائيلي، فقد علق الإسرائيليون آمالهم الكبيرة والنهائية على اليمين الصهيوني ممثلا بالليكود وباقي الأحزاب والكتل الدينية والعنصرية واليمينية المتطرفة، مع أن تلك القوى بمجملها وعلى رأسها الليكود بقيادة شارون والى جانبه وزير خارجيته الحالي نتياهو ووزير أمنه الجنرال موفاز، هي التي جعلت حياة الإسرائيليين جحيما لا يطاق
بقلم : نضال حمد
لا شك في أن نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة كانت بمثابة خيار الطلقة الأخيرة للمجتمع الاسرائيلي، فقد علق الإسرائيليون آمالهم الكبيرة والنهائية على اليمين الصهيوني ممثلا بالليكود وباقي الأحزاب والكتل الدينية والعنصرية واليمينية المتطرفة، مع أن تلك القوى بمجملها وعلى رأسها الليكود بقيادة شارون والى جانبه وزير خارجيته الحالي نتياهو ووزير أمنه الجنرال موفاز، هي التي جعلت حياة الإسرائيليين جحيما لا يطاق.
كانت التجربة مع هؤلاء سيئة للغاية إذا ما حسبناها كما يحسبها المواطن الإسرائيلي بحسابات الأعداد - أعداد العمليات والقتلى والجرحى والمرضى النفسانيين نتيجة استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. ففي عهد شارون سَجّل عدد القتلى الإسرائيليين رقماً خياليا ناهز الـ 500 قتيل إسرائيلي، وهو أعلى عدد من القتلى يسقط في إسرائيل خلال سنة واحدة.
كان العهد - الدموي إسرائيليا، والأخطر فلسطينيا - هو عهد شارون المطعم بحزب العمل الضعيف والهزيل، الذي مارس دور"العراب" السياسي في حكومة الوحدة الوطنية السابقة، خاصة عندما أتقن كل من بيريس وبن اليعازر دوريهما السياسي والحربي في تمرير الجرائم والخطط الاستيطانية الإسرائيلية التي اتسمت بالدموية، ومحاولة تسويغها عالميا بوساطة حزب العمل، بينما حزب الليكود لا يحظى بنفس المكانة أوروبيا. برر قادة حزب العمل محليا ودوليا مجازر اسرائيل في جنين ونابلس وغزة وكافة مناطق السلطة الفلسطينية، لأنهم كانوا شركاء في الجريمة وساهموا فيها مساهمة الند مع شارون، فكان هناك تسابق بين الطرفين على من يذبح ويقتل ويدمر أكثر - شارون أم بن اليعازر؟
جاءت نتائج الانتخابات الحالية لتضع النقاط على الحروف في عالم الصهيونية التي تحكم إسرائيل وتحتل فلسطين، فهذه الانتخابات جاءت لتؤكد التوجهات العسكريتارية للمجتمع الإسرائيلي، الذي، باختياره معسكر التوجهات المعادية لأي سلام غير سلام اليمين الصهيوني، يختار الحرب التي يعتقدون أنها توفر لهم السلام وتكسر شوكة الفلسطينيين وتجعلهم يتنازلون عن حقوقهم المشروعة والعادلة.
لكن هذا الفهم المقلوب للسلام ولكيفية نقله من واقع الكلام إلى حال التطبيق والعمل به، سوف يكون مردوده دمويا وعنيفا على المجتمع الإسرائيلي برمته، لأن الفلسطيني الذي خسر كل ما كان قد بناه سابقا، لم يخسر في الوقت نفسه وحدته بل استردها وأعاد الفصائل الفلسطينية المختلفة لتعمل معا بنهج المقاومة وتمضي على سكة الانتفاضة الشعبية التي رفعت شعارا واضحا ومميزا – "لا سلام مع الاستيطان والاحتلال". كما أن السلام الذي ظهر وكأنه مطلب إسرائيلي فقط، أصبح مطلبا فلسطينيا أيضا بعد أن حاولت إسرائيل احتكاره لها وحدها، وشاركتها في ذلك إدارة بوش التي تبنت كل ما هو إسرائيلي وعارضت كل ما يعطي الفلسطينيين ولو القليل من حقوقهم المسلوبة والمنهوبة.
بعد انتهاء الانتخابات ووضوح التوجهات والاختيارات الإسرائيلية، لم تعد هناك خيارات أمام حزب العمل، المهزوم الأول - مع "ميريتس الذي يجلس على يساره، بحيث خسر كل منها الكثير من قوته السابقة ومن مصداقيته عند الناخب اليهودي. خسر هؤلاء لأنهم لم يكونوا أحسن حالا من شارون والليكود، فمواقفهم كانت سيئة وغير واضحة فيما يخص السلام وعملية المفاوضات والحل النهائي. بل كانت في الكثير من المراحل متناسقة ومتلازمة مع موقف شارون واليمين العنصري المتدين، او كما قال شارون مرة معلقا على تصريحات بيريس: "انه على يميني.."
في أجواء كهذه ملائمة للتدين والعنصرية واليمين الاستعلائي المستكبر والدموي، يكون من الطبيعي أن يفقد حزب العمل الزعامة ليصبح القوة الثانية أو الثالثة في المجتمع الإسرائيلي بعدما تقدم وتساوى معه تقريبا في الأصوات حزب شينوي العلماني الذي يتزعمه لبيد، والمتوقع ان يتراجع سريعا عن مواقفه التي أعلنها قبل الانتخابات ليقبل بالتحالف مع الليكود والمتدينين في حكومة شارون الجديدة.
بالمقابل، أحسن فعلاً متسناع عندما رفض دخول حزب العمل الذي يرئسه اللعبة مع شارون لأن متسناع لا يريد أن يلعب دور الخادم أو النادل السياسي عند شارون كما كان بيريس وبن اليعازر في حكومة الوحدة الوطنية السابقة. ومتسناع يعلم جيدا بأن عمر برلمان وحكومة اليمين المتطرف بقيادة شارون لن يدوم طويلا وسوف تكون هناك انتخابات أخرى مبكرة لأن اليمين العنصري سوف يفشل في أحياء السلام وكذلك في قمع الفلسطينيين.
ويعلم متسناع أيضا بأن هذه الطلقة الأخيرة التي أطلقتها جموع مصوتي اليمين لن تحل مشاكلهم الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، لأن حلها الوحيد يكمن في استمرار عملية السلام بطريقة آمنة وهادئة ومعقولة، بعيدا عن العنجهية الاستعلائية الصهيونية التي لم تستطع كسر الانتفاضة الفلسطينية ولا ردع المقاومة ولا وقف العمليات.
أما شارون فهو يفضل حكومة مع حزب العمل الضعيف والمهزوز لأنه بوجود العمل يضمن موقفا جامعا وإجماعا وطنيا يعطيه حجم مناورة اكبر وأوسع ويضمن له خطوطا دولية ليست وعرة المسالك والدروب. فتعبيد تلك الدروب سيكون من مهمة حزب العمل.
اخيرا - لم يعد السلام مطلبا إسرائيليا بعد هذه الانتخابات التي جاءت بأنصار الحرب والقمع والترانسفير والعنصرية، بل أصبح مطلبا فلسطينيا عاجلا وسيصبح قريبا مطلبا عربيا واقليميا ودوليا ملحا يطالب العالم الحر والمتمدن والمتحضر بحماية الشعب الفلسطيني القابع في أرضه تحت نيران الاحتلال، وبحماية وصيانة حقوقه الوطنية التي تتعرض لحملة ابادة وسلب ونهب، بموافقة صامتة من إدارة الرئيس بوش. فلولا الضمانات والدعم والاسناد والحماية والوصاية الأمريكية على إسرائيل وشارون وتبني أفكاره وطرحها على المجتمع الدولي كحلول عادلة ومقبولة وسلمية، لما كان شارون ولا غيره تجرأ على محاربة السلام ونشر الموت والدمار في فلسطين والمنطقة.
لا يتم السلام بدون امن الفلسطينيين وإعطائهم حقوقهم، فلا أمن لإسرائيل بدون الأمن الفلسطيني المفقود، فعندما يأخذ الفلسطيني حقوقه وتستعاد أرضه وتستقل دولته وتزال مستوطنات الاحتلال عن أراضيه المصادرة، وتحل قضية اللاجئين الفلسطينيين والقدس، عندها يصبح أمن إسرائيل موجودا بشكل أقوى وأمتن وأفضل، لأن أمنها من امن وراحة الفلسطينيين والعرب.
لكن التوجهات الاسرائيلية التي جلبت بأصوات الناخبين يمين العنصرية الصهيونية الدينية للحكم وموقع القرار هي وحدها من يتحمل ما ستسفر عنه تلك الأفرازات والنتائج من مستجدات وويلات تنتظر الجميع.
(اوسلو)