من المتوقع أن يواصل شارون تصدير أزماته من خلال الحديث عن "مخاطر" الأزمة العراقية، ولربما افتعال أزمات على الجبهتين الفلسطينية واللبنانية، لأشغال المواطنين الإسرائيليين بكيفية الحفاظ على أمنهم بدلا من الانشغال بفشل شارون وبالتالي بالتخطيط لمعاقبته في صناديق الاقتراع.
وديع أبونصار
يسود الاعتقاد لدى الكثيرين بأن العملية التي نفذها فلسطينيان ليلة الجمعة الماضية في مستوطنة عوتنيئيل بجوار مدينة الخليل جاءت ردا على مقتل تسعة فلسطينيين بنيران الجيش الإسرائيلي، خلال يوم من العمليات المكثفة، التي كانت القوات الإسرائيلية قد نفذتها ضد أهداف فلسطينية يوم الأربعاء الماضي. وكانت هذه العمليات قد جاءت بعد فترة من الهدوء النسبي في وتيرة وحجم العمليات التي أقدم على تنفيذها فلسطينيون ضد أهداف إسرائيلية خلال الأسبوعين الماضيين. كما رأت بعض الشخصيات الفلسطينية بأن رئيس الحكومة الإسرائيلي، أرئيل شارون، أوعز لقواته بتنفيذ هذه العمليات ليس فقط بسبب ما يدعيه من رغبة في محاربة ما يسميه بالإرهاب الفلسطيني، بل بالأساس هربا من أزماته الداخلية المتراكمة.
كما أن تصريحات أرئيل شارون الأخيرة التي ادعى فيها أن العراق هرّب كميات من الأسلحة إلى سوريا أو من عبر سوريا إلى حزب الله اللبناني تأتي في سياق متصل، ربطه الكثيرون بأزمات شارون الداخلية. حيث استبعد هؤلاء بأن تستند هذه التصريحات إلى معلومات دقيقة بحجة أن العراق وسوريا لا ترتبطان بعلاقات أمنية وثيقة، بالرغم من التحسن النسبي الذي طرأ على هذه العلاقات، منذ وفاة الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد قبل نحو عامين. كما ادعى هؤلاء بأن سوريا لن تخاطر في هذه المرحلة بعلاقاتها مع الولايات المتحدة من أجل السماح بإمداد حزب الله بالسلاح العراقي. أضف إلى ذلك بأن الملمين بـ "ملف حزب الله" يدعون أن هذه الحركة لديها علاقات أمنية وثيقة بالأساس مع جهات مسؤولة في إيران تغنيها عن الأسلحة العراقية.
على أي حال، وبغض النظر عن صحة أقوال شارون أو أقوال المشككين فيها، فإنه ما من شك بأن تصريحاته بصدد "المخاطر التي قد تلحق إسرائيل" جراء الأزمة العراقية تنم عن رغبته بالهروب من مشاكله الداخلية، التي يمكن تلخيصها بقضيتين أساسيتين: فضائح الرشوة في الانتخابات الداخلية لحزبه، أي "الليكود"، وفشله بإنجاز أي من الوعود التي قطعها على نفسه في الحملة الانتخابية لرئاسة الحكومة في أوائل العام 2001، بالأساس تلك المتعلقة بالاستقرار الأمني والاقتصادي.
فبعد وقت يسير من انشغال وسائل الإعلام الإسرائيلية عن قضية الرشوة في الليكود، بدأ مكتب شارون يتحدث عن اقتراب موعد توجيه الضربة العسكرية الأمريكية للعراق وعن التأثيرات المحتملة لهذه الضربة على الأمن الإسرائيلي، بما يعني أن إسرائيل قد تتعرض لبعض الضربات من الصواريخ العراقية أو من قبل طيارين عراقيين انتحاريين، متناسين المعلومات التي كانت قد نشرت قبل أيام معدودة وتحدثت عن أن إسرائيل محمية بشكل كبير من الصواريخ العرقية، إما من خلال منصات صواريخ "الحيتس" الإسرائيلية وإما بصواريخ "الباتريوت" الأمريكية المضادة للصواريخ، كما تناسوا أن الطائرات العراقية التي تريد الوصول إلى إسرائيل عليها قطع مسافات شاسعة نسبيا من شأنها منح سلاح الجو الإسرائيلي فرصة كافية لإسقاطها قبل أن تصل إلى إسرائيل.
إن شارون لا يخشى فقط بأن يؤدي النشر المتواصل في وسائل الإعلام عن الفضائح داخل "الليكود" إلى تراجع عدد المقاعد التي سيحصل عليها هذا الحزب في الانتخابات العامة للكنيست السادسة عشرة، المقررة ليوم الثامن والعشرين من شهر كانون ثاني المقبل، بل يخشى بالأساس أن يؤدي التحقيق في هذه الفضائح إلى صبغ "الليكود" بصور سلبية وكأنه حزب يشمل خلايا من الإجرام المنظم (المافيا) وإلى الوصول إلى أقرب المقربين منه، وبضمنهم نجله عومري، الذي يعد من أنشط الأشخاص الميدانيين في الحزب.
من جهة أخرى، فإن شارون مدرك أنه فشل في إنجاز أي مكسب حقيقي لإسرائيل منذ توليه مقاليد الحكم فيها في شباط من العام 2001. فهو فشل في جلب الأمن المنشود للإسرائيليين، كما أن فترة حكمه شهدت المزيد من التراجع والتدهور في وضع الاقتصاد الإسرائيلي، الأمر الذي أدى إلى إقرار تقليصات كبيرة في ميزانية الدولة للعام المقبل، والتي من المرجح أن تضاف إليها تقليصات أخرى في حال تعرضت إسرائيل لتأثيرات مباشرة جراء العمليات الأمريكية المتوقعة في العراق.
لذلك، فإنه من المتوقع أن يواصل شارون تصدير أزماته من خلال الحديث عن "مخاطر" الأزمة العراقية، ولربما افتعال أزمات على الجبهتين الفلسطينية واللبنانية، لأشغال المواطنين الإسرائيليين بكيفية الحفاظ على أمنهم بدلا من الانشغال بفشل شارون وبالتالي بالتخطيط لمعاقبته في صناديق الاقتراع.