تقول "التجربة التاريخية" انه كلما حضرت الولايات المتحدة الاميركية مباشرة الى المنطقة العربية كلما شهدنا نوعا من التهميش للدور الاسرائيلي. ولربما، سعيا وراء الدقة، ينبغي القول انه كلما كان للولايات المتحدة الاميركية مشروع "عربي" سواء حضرت مباشرة ام لم تحضر في تاريخنا الحديث - وهي لا تاريخ فعالا لديها عندنا الا في تاريخنا الحديث - كلما ظهرت هامشية الدور الاسرائيلي..
من الطبيعي جدا بالنسبة للعرب ان يحضر "العارض" الاسرائيلي في كل رؤاهم وهواجسهم حيال ذواتهم والعالم باعتبارها "قضيتهم المركزية" مهما اختلفوا حولها او التقوا عليها، ومهما كان الفارق او الفوارق بين خطاباتهم وسياساتهم حيالها. وغالبا، بل دائما ما ترتفع نسبة "العارض" على ضفاف الهواجس العربية في فترات تفاقم الاحساس بالتأزم في المنطقة مثلما يحدث حاليا حول العراق.
فالآن، تعلو الخطابات في المنطقة التي تبني الجذر الفجائعي للاوضاع العربية على التوسيع المطلق لمقولة التبني الاميركي الكامل للموقف الاسرائيلي او على "التلاحم" بين الادارة الاميركية وقيادة أرييل شارون التي عادت نسبة مهمة من المجتمع الاسرائيلي لتجدد تفويضها. وانطلاقا من هذا الاطلاق في توصيف العلاقة الاميركية - الاسرائيلية تمتلئ الصحافة العربية بتوقعات المشاركة الاسرائيلية المباشرة في الحرب على العراق، او - وهذا رائج اكثر - بتوقعات الاستغلال الاسرائيلي للهجوم الاميركي لشن هجوم عسكري مواز على لبنان او سوريا.
ربما بين الحين والآخر ينبغي التدقيق بهذه التوقعات، بل بهذه النظريات المفترض ان تزداد حضورا بعد الانتخابات الاسرائيلية الاخيرة.
الواقع ان هذا التدقيق يصبح حاجة ماسة بالضبط بسبب نتائج الانتخابات الاسرائيلية.
تقول "التجربة التاريخية" (كما يحب المثقفون الغربيون ان يقولوا او يكتبوا) انه كلما حضرت الولايات المتحدة الاميركية مباشرة الى المنطقة العربية كلما شهدنا نوعا من التهميش للدور الاسرائيلي. ولربما، سعيا وراء الدقة، ينبغي القول انه كلما كان للولايات المتحدة الاميركية مشروع "عربي" سواء حضرت مباشرة ام لم تحضر في تاريخنا الحديث - وهي لا تاريخ فعالا لديها عندنا الا في تاريخنا الحديث - كلما ظهرت هامشية الدور الاسرائيلي.
في الخمسينات كانت واشنطن تدعم تيار "القومية العربية" في المنطقة بقيادة الزعامة المصرية الجديدة آنذاك جمال عبد الناصر، فقامت بسبب هذا "المشروع" بتحجيم الدور الاسرائيلي، بل أكثر من ذلك أحبطت سياسيا انتصارا عسكريا اسرائيليا (بريطانياً فرنسياً) وأرغمت العدو الاسرائيلي على الانسحاب للمرة الاولى من سيناء... مما أوجد الظرف الكافي لنجاح قرار عبد الناصر بتأميم قنال السويس. (عندما تخلت عن المشروع الناصري سمحت طبعا لاسرائيل بضربه عام 1967). أزمة الكويت العام 1990 - 1991 اصبحت نموذجا "كلاسيكيا" على التهميش الاميركي للدور الاسرائيلي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. فهي لم تكتف بمنع أي "تهور" اسرائيلي يقوض سياستها الخليجية في الدفاع عن سيادة الكويت ودول مجلس التعاون، بل أرغمت الطبقة السياسية الاسرائيلية، أي القوى الفاعلة فيها، على الدخول في تسوية سياسية مع الفلسطينيين انتجت أول عودة معترف بها ومكرسة في القانون الدولي لحركة التحرر الوطني الفلسطيني الى داخل فلسطين واطلاق نواة كيان فلسطيني. نتائج عودة، هي بالضبط ما يواصل أرييل شارون مشروعه بالانقلاب عليها منذ عامين ونيّف.
الآن تدخل الولايات المتحدة في مشروع عربي ومسلم أكبر... وأخطر. انها - بعد 11 ايلول او قبل 11 ايلول تخطيطا وبعده تنفيذا - تطرح مشروع اعادة تركيب البنية السياسية للمنطقة العربية، المشروع الذي يرمي، انطلاقا من العراق، الى حركة تغيير في انظمة - او بعض أنظمة - المنطقة.
أمام "تورط" اميركي "بنيوي" الى هذا الحد في المنطقة، ينبغي توقع هامشية أكبر للدور الاسرائيلي على المستوى العربي، محيطا ومنطقة. ولهذا فان المعادلة مرشحة لأن تتجدد - معادلة 1956 ثم 1990 - 1991 - بقدر من التهميش للدور الاسرائيلي على المستوى العربي بقوة اكبر لأن المشروع الاميركي نفسه اصبح أكبر، اي أكثر داخلية في الاوضاع العربية.
التدقيق المقابل هنا يدفع الى تلافي القول بأنه لا تفويض اميركيا لشارون. ولكن المسألة هي في أية حدود:
انها حدود اعادة تحسين الموقع الامني - السياسي لاسرائيل في الصراع مع الفلسطينيين... وليس أوسع. اي انه تفويض "منزلي" مقابل تهميش اقليمي وعربي، خصوصا مع وجود دول عربية حريصة على عدم اعطاء اي ذريعة حدودية خطرة تسمح لهيجان اليمين الاسرائيلي ان يشاغب على الضبط الاميركي خارج خارطة الصراع مع الفلسطينيين.
لكن حتى على مستوى الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي، ورغم الرعاية الاميركية (المنجزة والراسخة والاكثر من استراتيجية) لاسرائيل كولاية اميركية، ليس أقل، أي ما يعرف بحماية أمن ورخاء اسرائيل، فان ثمة تناقضا موضوعيا بين المشروع الشاروني الامني لحل الصراع مع الفلسطينيين وبين المشروع الاميركي السياسي بالنتيجة. صحيح ان الادارة الاميركية الحالية (ككل ادارة اميركية) تضبط أكثر من سابقاتها اي ترجمة لهذا التناقض لصالح رؤية أمنية للعالم بعد 11 ايلول، الا ان ايغال واشنطن في مشروعها العربي للتغيير - عبر العراق الآن - سيفرض عاجلا ام آجلا عودة تأجج هذا التناقض مع اسرائيل... حول الحل الفلسطيني، الذي اختصره بأربع كلمات جورج دبليو بوش في "خطاب الاتحاد":
"اسرائيل آمنة وفلسطين ديموقراطية"
جملة... في خطاب عربي... لا تحضر فيه فلسطين بخفوت فقط، بل ايضا اسرائيل... الولاية الاميركية.
(جهاد الزين - النهار اللبنانية - الاول من شباط)