المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات وأراء عربية
  • 1013

"..إذا كان العرب والفلسطينيون يستطيعون تنظيم قوتهم وإبداء الإشارات الصحيحة فقد يتمكنون من تغيير لغة الخطاب السياسي الإسرائيلي الداخلي لمصلحتهم. في الوقت نفسه يستطيعون الفوز بالدعم المطلوب في الغرب وهو ما قد يساعد في كبح الإسرائيليين عن متابعة ضربات اكثر ثقلا وتدميرا على الشعب الفلسطيني المنكوب.."

 

جيمس زغبي
علامة أخرى على اتساع الصدع لصالح اليمين في السياسات الإسرائيلية هي تلك التقارير التي سربت إلى الصحف الأسبوع الفائت والتي تشير إلى أن زعيم حزب العمل عمرام متسناع طرح خريطة لانسحاب إسرائيلي من جانب واحد من الضفة الغربية وغزة.

بقي أقل من شهر ويذهب الناخبون الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع في ثالث انتخابات برلمانية في أربع سنوات، وهذا في حد ذاته علامة على الانقسامات وعدم الاستقرار الذي يميز السياسات الاسرائيلية وهو وضع يتسم بالخطورة ما يجعل تحقيق السلام صعب المنال.

ثمة طريقتان متميزتان تشخصان نقاط الاختلاف داخل السياسة الإسرائيلية. من ناحية يوجد انشقاق عميق بين المعسكر المؤيد للسلام والمعسكر المناوئ له ـ واللذان يشار إليهما باليسار واليمين الإسرائيليين. وهذا الانقسام يتنامي منذ توقيع اتفاقات اوسلو، وازداد سوءا بعد عامين من العنف المكثف. على سبيل المثال قبل عقدين من الزمان كانت عناصر هامشية، كأتباع مائير كاهانا، يدعون لطرد العرب من إسرائيل والأراضي المحتلة. واليوم أصبح ممثلو هذه الأيديولوجية المتطرفة والعنصرية وزراء في حكومة ارييل شارون جنبا إلى جنب مع من اتهمتهم زوجة رابين بالتحريض على العنف الذي أدى في النهاية إلى اغتيال زوجها إسحق رابين.

إن القصة التاريخية المسلم بها التي تحدد أيديولوجية الجناح اليميني هي أن إسرئيل لا تجد شريكا للسلام وأن ايهود باراك الذي كان يمثل ذروة عملية اوسلو قدم عرضا سخيا لعرفات ولكن عرفات رفضه ولجأ الى العنف مهددا بقاء دولة اسرائيل. والدرس الذي سعى شارون للخروج به من هذه التجربة هو ضرورة إنهاء تجربة اوسلو وتدمير السلطة الفلسطينية. وهكذا، وحتى الآن تؤيد أغلبية الإسرائيليين توجه رئيس الوزراء الليكودي.

وإذا كان الجناح اليميني قد كبر حجمه فإن قوى السلام تقلص حجمها ولم تعد قوة مسيطرة في إسرائيل. وحتى خلال حكم إسحق رابين كانت الشقة متقاربة بين المعسكرين وهو ما وجد رابين وشيمعون بيريس بعده انه من الصعب للغاية الدفع بشكل اكثر نشاطا باتجاه اتفاق سلام نهائي. على أية حال يواجه حزب العمل الذي كان مهيمنا ذات يوم احتمال انحساره إلى نحو نصف قوته السابقة.

علامة أخرى على اتساع الصدع لصالح اليمين في السياسات الإسرائيلية هي تلك التقارير التي سربت إلى الصحف الأسبوع الفائت والتي تشير إلى أن زعيم حزب العمل عمرام متسناع طرح خريطة لانسحاب إسرائيلي من جانب واحد من الضفة الغربية وغزة. وتسلم هذه الخريطة للفلسطينيين أقل كثيرا مما عرضه باراك في كامب ديفيد. وحيث أن متسناع يعتبر في نظر البعض الأمل الكبير للسلام فإن حقيقة إدراكه انه لا يستطيع أن يذهب اكثر من ذلك العرض البائس ينبئ بالكثير عن الصدع الحالي في السياسات الإسرائيلية.

ثمة نقطة اختلاف أخرى تحدد السياسات الإسرائيلية المعاصرة وهي الانقسام العرقي المجتمعي. ذلك أن 20% من سكان اسرائيل هم من العرب إضافة إلى 20% آخرين مهاجرين روس جدد فضلا عن 20% آخرين من اليهود المتدينين المتطرفين. ولا تكاد هذه المجموعات الثلاث تتقاسم أرضية مشتركة , وفي حالات عديدة لا تتحدث نفس اللغة وكل هذا بطبيعة الحال يجعل من الصعب جدا بناء نظام سياسي مستقر.

والسؤال هو ماذا يتوجب على العرب عمله في مواجهة هذا الوضع الفوضوي؟ أولا وقبل كل شيء من الضروري إدراك أن هذا الوضع قد يزداد سوءا. فمع صعود نجم المحافظين الجدد والمحافظين الدينيين في السياسات الاميركية وهيمنة حزب الليكود على السياسات الإسرائيلية ثمة مخاطر حقيقية بإمكانية وقوع كارثة ثالثة بالفلسطينيين.

وأذكر انه قرب نهاية حكم ادارة كلينتون ذهب بعض العرب إلى القول بأن الانتخابات الأميركية أو الإسرائيلية لا تفرق كثيرا وأن الوضع لن يصبح اسوأ. لقد كانوا على خطأ في ذلك الوقت وإذا كانوا يعتقدون الشئ نفسه الآن فقد يشهدون نتائج اكثر فظاعة في المستقبل.

لقد قلت قبل عام أن العنف ينبغي أن يتوقف وهو ما أراه اكثر ضرورة اليوم. فخطة اسرائيل تتضح كل يوم وهي تقوم على استغلال الغضب والخوف الناجم عن العمليات الانتحارية كي تدمر تماما السلطة الفلسطينية والتأكيد على الاحتلال الكامل وتوسيع مراكزها الاستعمارية في الضفة الغربية وغزة. وتهدف الوتيرة المتسارعة للاغتيالات والأعمال الاستفزازية الأخرى إلى الإسراع بهذا الهدف. وعندما يرد الفلسطينيون على ذلك بالعنف فهذا لا يخدم سوى إضفاء شرعية اكثر على هذه الخطة ببناء دعم أقوى لجهود شارون في اسرائيل والولايات المتحدة.

وفي البيئة الفسطينية السياسية الحالية فإن ممارسة ضبط النفس والتوصل إلى اتفاقات بين فتح والفصائل الفلسطينية الأخرى في القاهرة يتطلب جهدا ضخما. ويمكن دعم هذه الجهود من جانب دول عربية كبرى وذلك عن طريق الاضطلاع بحملة نشيطة للترويج لقرار القمة العربية المؤيد للسلام ببيروت. ورغم صعوبة تحقيق هذه الجهود إلا أن أثرها معا ربما يؤتي بعض الثمار الإيجابية للفلسطينيين.

وعلى الرغم من هيمنة كتلة الجناح اليميني في إسرائيل على الأوضاع إلا انه أصيب بضعف بسبب انكشاف فضائح الفساد وتزوير الانتخابات في الفترة الأخيرة. وإذا كان حزب العمل في حالة ضعف فإن حزب ميريتس اليساري نما إلى حد ما ويستطيع أن يوفر العمود الفقري المطلوب لكتلة السلام. وقد أوضح استطلاع رأي أخير للمجتمع الإسرائيلي نتائج متعارضة ولكنها لافتة. فالغالبية الكاسحة يريدون سلاما يقوم على دولتين سياديتين ولكن لا تزال أغلبية قوية غير مطمئنة ولا تعتقد أن السلام ممكن ومن ثم من المفيد اتخاذ خطوات لتعزيز التزام العرب بالسلام في هذا الشأن.

إن الألم والغضب الفلسطيني أمر حقيقي ومشروع ومن ثم فإن اتخاذ مثل هذه الخطوات نحو السلام سيكون أمرا صعبا للغاية لا سيما مع مواصلة إسرائيل استفزازاتها الوحشية. لكن لهذا السبب بالذات تحرص إسرائيل على ما تفعله لسد الطريق على أي تحرك عربي للسلام ولمواصلة دائرة العنف التي يستغلونها لمصلحتهم.

على انه إذا كان العرب والفلسطينيون يستطيعون تنظيم قوتهم وإبداء الإشارات الصحيحة فقد يتمكنون من تغيير لغة الخطاب السياسي الإسرائيلي الداخلي لمصلحتهم. في الوقت نفسه يستطيعون الفوز بالدعم المطلوب في الغرب وهو ما قد يساعد في كبح الإسرائيليين عن متابعة ضربات اكثر ثقلا وتدميرا على الشعب الفلسطيني المنكوب. ولعل الخطاب الأخير لأبي مازن في غزة كان صحيحا في الاساس. فالمسار الحالي الذي انتهجته الانتفاضة الثانية لم يأخذ بيد الفلسطينيين باتجاه تحقيق طموحاتهم الوطنية. وعلى عكس آراء الذين جادلوا قبل عامين بأن الوضع لا يمكن أن يكون أسوأ ـ وقد كان ـ وربما يصبح اكثر سوءا. وليس هناك ما يضمن أن يفضي الإجراء التصحيحي المتخذ حاليا إلى نتائج إيجابية في الحال. لكن المؤكد انه في مقابل الكوارث البادية في الأفق فإن المسار الوحيد المسئول هو بذل جهد حقيقي لتحويل الديناميكية الحالية. وأحد سبل عمل ذلك هو محاولة تحويل مسار الانتفاضة بدعم عربي إلى تحد شجاع للسلام عشية الانتخابات الاسرائيلية.

رئيس المعهد العربي الأميركي

www.aaiusa.org

المصطلحات المستخدمة:

اوسلو, تدمر, باراك, دولة اسرائيل, الليكود

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات