المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • المكتبة
  • 1105

يستعرض هذا الكتاب "بين الإنذار والمفاجأة "ومن خلال خمسة فصول قصة الإخفاق في التقديرات العسكرية الإسرائيلية التي كانت تصدر عن جهازي الاستخبارات العسكري (أمان) والخارجي (الموساد).

تعود أهمية هذا الكتاب، الذي صدر في 2003، إلى أنه من إعداد شلومو غزيت، وهو رجل أمني وعسكري ويحمل رتبة عالية في الجيش الإسرائيلي (لواء)، الذي يكشف أسرارا لم تفصح عنها إسرائيل من قبل تتعلق بإخفاقات متعددة لأهم جهاز في أجهزتها الأمنية ألا وهو جهاز الاستخبارات بفرعيه العسكري والذي يطلق عليه "أمان" والخارجي المسمى "الموساد".

ولأن الاعتماد الأبرز في السياسات الإعلامية الإسرائيلية يكون دوما على فلسفة الحرب النفسية واستخدامها في المواجهة وخاصة ضد العرب المسلمين، يرى القارئ ولأول مرة اعترافا إسرائيليا جزئيا من رجل استخباراتي عسكري عمل في المؤسسة العسكرية قرابة الأربعين عاما يفند الخلل والأخطاء المتراكمة داخل ردهات هذه المؤسسة الاستخباراتية منذ عام 1973 حيث الإخفاق الأكبر المتمثل في هزيمة حرب أكتوبر/ تشرين الأول والتي كانت تمثل المفاجأة الكبرى وغير المتوقعة لإسرائيل.

كما تبرز أهمية هذا الكتاب من كونه صادرا عن أبرز مركز دراسات إستراتيجية في إسرائيل "مركز يافي"، هذا المركز الذي تشرف عليه لجنة من العسكريين والسياسيين والأكاديميين، حيث يحفل بدعم خاص ومباشر من الحكومة ورئيس وزرائها وله ميزانيته الخاصة والكبرى التي تتيح له العمل بكل أريحية ودون عقبات. لذلك فإن ما يصدر عن هذا المركز من دراسات هامة تؤخذ بعين الاعتبار من قبل حكومة إسرائيل وكذلك رؤساء أجهزتها الأمنية.

حرب أكتوبر والمباغتة العظمى
يبدأ الباحث دراسته انطلاقا من الإخفاق الأكبر الذي تعرضت له إسرائيل بسبب التقديرات الاستخبارية الفاشلة وغير الدقيقة في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، وتبني استنتاجات لجنة "يدين" التي شكلت للتحقيق في الهزيمة والمباغتة والتي طالبت بدورها بتعيين مستشار للاستخبارات بجانب رئيس الوزراء الإسرائيلي.

يرى شلومو غازيت أنه منذ حرب أكتوبر/ تشرين الأول التي يطلقون عليها "يوم الغفران" تبحث أسرة الاستخبارات وقادة إسرائيل وشعبه أيضا عن العلاج السحري الذي يحبط خطر الخطأ في التقدير الاستخباري بشكل عام وفي عدم إعطاء إنذار مبكر من مغبة هجوم عسكري بشكل خاص، مشيرا إلى أن ذلك يحتاج إلى تعددية في العمل الاستخباري وتبادل معلومات وتوسيع بناء قدرة البحث والتقدير الاستخباري سواء في وزارة الخارجية أو في الموساد.

وبالنسبة للتوصية بتعيين مستشار للاستخبارات فإن إسحق رابين عين واحدا عام 1974، ولكنه يؤكد أنه منذ عام 1978 لا يوجد من يتبوأ هذا المنصب، مؤكدا أن الاثنين اللذين تم تعيينهما ما بين عامي 1974 و1977 لم يحاولا تشكيل جهة تفحص التقديرات الاستخبارية.. ولهذا حاول أيضا وعقب حرب أكتوبر وزير الخارجية الإسرائيلي حينئذ يغئال آلون تعزيز قسم البحث في وزارته وجعله جهة مركزية ورائدة في عمله، لكنه أخفق في ذلك وخاصة بعد تسلم موشيه ديان عام 1977 منصب وزير الخارجية.

ولهذا يرى شلومو غازيت في كتابه الهام هذا أن الإخفاق الاستخباراتي بقي يلاحق كل المسؤولين بسبب إخفاقاتهم وقدراتهم الإدارية، مؤكدا أن حالة انعدام المتابعة والرقابة هي التي أدت إلى هذا الإخفاق المتواصل، إضافة إلى العفوية وعدم إصدار التقديرات الاستخباراتية الدقيقة المبنية على المعلومة الصحيحة وليس على الحدس والتنجيم.

الاستخبارات تفاجأت بالانتفاضة الأولى
يقول غازيت إنه في عام 1988 وعلى خلفية المفاجأة لاندلاع الانتفاضة الأولى، انكشف قصور استخباري جديد سببه غياب جهة استخبارية تحقق وتقدر في الميول السياسية والميدانية في أوساط الفلسطينيين بشكل عام وفي أوساط الفلسطينيين داخل الخط الأخضر بشكل خاص، وقد ألقيت المسؤولية في ذلك على جهاز الأمن العام (الشاباك).

هذه المفاجأة -الانتفاضة- أثارت انطلاقتها حفيظة العسكريين والسياسيين، وبدأ العديد من النواب في الكنيست الإسرائيلي يطالبون بكل وضوح بضرورة وجود طواقم متابعة للأمن القومي.

ويشير غازيت بذلك إلى النائب بني بيغن الذي بادر إلى تشريع في الكنيست يلزم رئيس الوزراء بأن يقيم إلى جانبه طاقما لمواضيع الأمن القومي. وكان من بين الذين استجابوا لهذا الطلب رئيس الوزراء الأسبق إسحق شامير الذي ألف طاقما أمنيا استخباريا في ديوانه، لكن لم يستمر طويلا، حيث أسس عام 1998 مجلس الأمن القومي مستشارا استخباريا كمنصب مستقل إلى جانب رئيس الوزراء أو كجزء من المجلس.

تطور الانتفاضة وفعالياتها وانتقالها من غزة إلى الضفة الغربية أكد بالضرورة أن جهاز الاستخبارات العسكري الإسرائيلي كان في سبات عميق كما يقول غازيت، مشيرا إلى أن السبب الرئيسي هو نفسه الذي حصل في حرب أكتوبر والمتمثل في هوجائية التقديرات الاستخبارية.

الموساد والإخفاق الخارجي
وتتجلى قصة الإخفاق الاستخباراتي في الممارسة الفاشلة لجهاز الموساد الذي أشرف على العديد من العمليات الأمنية العسكرية الخارجية حيث يعرضها على النحو الآتي:

- عام 81/1982 قبل الهجوم على لبنان والذي أطلق عليه "حرب سلامة الجليل" حاولت شعبة الاستخبارات دون نجاح منع تورط إسرائيل مع المسيحيين المارونيين في لبنان، وبهذا الشأن كما يقول غازيت لم تحظ بإسناد من محافل البحث في الموساد وفي وزارة الخارجية.
- لم تتوقع الاستخبارات الثورة في لبنان خلال عام 1982.
- أخفق الموساد والدوائر السياسية بإسرائيل في التوصل إلى أن المجلس الوطني الفلسطيني سيتبنى سياسة جديدة لحل النزاع سياسيا مع إسرائيل.
- حسب غازيت فإن الاستخبارات والموساد فوجئا بسقوط سور برلين وانهيار النظام السوفياتي وانحلال الاتحاد السوفياتي أيضا.
- أخطأ التقدير الاستخباري في التحقق من وقف إطلاق النار في الحرب العراقية الإيرانية عام 1988 وافتراضه أن بغداد ستحتاج إلى فترة طويلة من الانتعاش وإعادة التنظيم بعد ثمانية أعوام من الحرب المنهكة، مشيرا إلى أن احتلال العراق للكويت في أغسطس/ آب 1990 لطم هذا التقدير المتفائل على وجهه, ولهذا كان احتلال الكويت مفاجئا.
- تعرض إسرائيل لصواريخ سكود عام 1991 وعدم الرد العسكري، وعدم انطلاق تقديرات استخبارية حول الأمر، أدى إلى بروز أزمة في العلاقات مع واشنطن.
- الاستخبارات لم تكن شريكة سرا في مفاوضات أوسلو.
- عام 1996 أخطأت الاستخبارات في تقديرها حول حركة القوات السورية في هضبة الجولان.
- التفاجؤ بأحداث النفق في المسجد الأقصى في سبتمبر/ أيلول 1996.
- أخطأت الاستخبارات في تقديراتها المتشائمة بشأن الرد العسكري المتوقع لحزب الله في أعقاب الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني في مايو/ أيار 2000.
- أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 في الولايات المتحدة كانت مفاجأة أيضا لإسرائيل.
- فشل عملية اغتيال خالد مشعل، وبعض العمليات في أوروبا.

أسباب الإخفاق وأساليب الحل
ويرى غازيت أن هناك ثلاث مشاكل تنشأ وتؤدي إلى الفشل الاستخباراتي تتمثل في تدفق المادة الخام غير الدقيقة إلى القادة، إضافة إلى توزيع المادة الاستخبارية على محافل البحث وبعثرة معلوماتها وعدم الخروج بتقدير جيد، هذا بالإضافة إلى الترهل الإداري الذي يلعب دورا هاما في عملية الإخفاق.

ويؤكد أن عملية الإخفاق هذه انعكست سلبا على واقع إسرائيل كدولة وعلى علاقاتها الخارجية وسياساتها مع دول العالم, ولهذا فإن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الدولة التي ينبغي عليها إعادة النظر في العديد من سياساتها الأمنية والعسكرية والسياسية أيضا.

ويشير غازيت إلى أن سلسلة الخطوات التي اتخذت على مدى السنين في شعبة الاستخبارات (أمان) ووحدة المهمات الخاصة (الموساد) في جهاز الأمن العام (الشاباك) وكذلك في وزارة الخارجية، رمت أولا وقبل كل شيء إلى إلغاء الاحتكار الذي كان لشعبة الاستخبارات في الماضي. غير أنه في الواقع هناك احتمال صغير -وفي حالات شاذة فقط- لأن تظهر تقديرات متضاربة وينشأ جدال ومواجهة بين التقديرات. وكنتيجة لذلك قلت ثقة وإيمان القادة بالأساس الاستخباري الذي أقاموا عليه قراراتهم هناك.

كما يبين جوانب الخلل فيقول إن "القائد الذي يحصل بالتوازي على تقديرين وربما ثلاثة تقديرات متشابهة أو متماثلة سيجد صعوبة كبيرة في أن يشك بصحة هذه التقديرات.. من أين سيأتي بالجرأة كي يقول: كلكم مخطئون.

وهناك بالطبع أيضا خطر آخر: إذا ما وصلت إلى يد القائد تقديرات مختلفة ومتضاربة، فستكون في يده الإمكانية للاختيار والاستناد إلى التقدير الأقرب إلى آرائه ومفاهيمه".

وينهي غازيت دراسته بالقول إن "التقديرات الاستخبارية التي تقع أسيرة للترهل الذهني ستفضي إلى خلل وانعكاسات خطيرة على أصحابها وعلى الدولة في نفس الوقت". (المصدر: الجزيرة نت)

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات