المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ازدياد الدعوات لإقامة حزب يجمع قوى اليمين المتطرف الإسرائيلي كافة * عضو الكنيست بنيامين ألون، رئيس كتلة "الوحدة الوطنية- المفدال" في الكنيست: تصويت اليمين لليكود هو "عمل غير عقلاني" فأولمرت وفساده يمثلان الليكود وشارون وخيانته (بسبب فك الارتباط) يمثلان الليكود. إن هيكل الفساد هو الليكود لكن الناس تنسى ذلك عشية الانتخابات

بدأت في السنوات الأخيرة تبرز ظاهرة الإدمان على المخدرات والكحول في أوساط المجتمع الديني- القومي اليهودي، الذي تتشكل غالبيته من سكان المستوطنات في الضفة الغربية.

وأكد تقرير موسع نشرته صحيفة هتسوفيه (3.8.2008)، لسان حال حزب المفدال اليميني المتطرف، أن معلمين وحاخامات أصبحوا يعترفون بانتشار ظاهرة الإدمان على المخدرات والكحول، وأن هذه "لم تعد ظاهرة هامشية". وقال هؤلاء المعلمون والحاخامات إنه على الرغم من عدم وجود معطيات وإحصائيات دقيقة "إلا أنه حان الوقت للتجند بشكل شامل لمعالجة هذه المشكلة بصورة جادة".


ونقلت هتسوفيه عن معلمة في إحدى المدارس، التي يتعلم فيها طلاب من التيار الديني- القومي، قولها إن "الجميع يعرف أنه توجد مشكلة مخدرات في المجتمع الديني اليهودي، وهي ليست مشكلة هامشية. وتمكنا من ضبط شبان يتعاطون المخدرات هنا في المدرسة. إنهم من أفضل أبنائنا. وأنا أعرف قصصا مشابهة تجري في أماكن أخرى". وأشار التقرير إلى أن معاينة المعطيات الجافة تدل على أن المعلمين والحاخامات محقون. رغم ذلك فإنه لا توجد معطيات جديدة حول عدد الذين يتعاطون المخدرات، كما لا توجد معطيات حول أنواع المخدرات التي يتعاطونها. وتدل معطيات سلطة محاربة المخدرات والكحول في إسرائيل على أن الوضع في المجتمع الديني - القومي "مقلق جدا"، وقالت العالمة الرئيسية في سلطة محاربة المخدرات والكحول، الدكتورة راحيل بار- هامبورغر، إن "الشبيبة المتدينة أخذت تقلص بسرعة الفجوة (في نسبة تعاطي المخدرات والكحول) بينها وبين الشبيبة العلمانية. والمعطيات التي في حوزتنا، والتي تتطرق إلى العام 2005، تعطي صورة سيئة حول الواقع السائد".

ويظهر من هذه المعطيات أن 5ر6% من طلاب المدارس في المجتمع الديني- القومي قالوا إنهم تعاطوا مرة واحدة على الأقل مواد غير قانونية، فيما هذه النسبة في المجتمع العلماني تصل إلى 9ر9%. وعندما تم التدقيق في حجم تعاطي المخدرات الخطرة مثل الهيروين والكوكايين والإكستازي تبين أن نسبة الشبيبة المتدينين الذين جربوا مرة واحدة على الأقل هذه المخدرات الخطرة أعلى من نسبة الشبيبة العلمانية وبلغت 4ر5% مقابل 7ر3%. ولفتت بار- هامبورغر إلى أنه عندما يتعاطى أبناء الشبيبة المتدينون المخدرات فإنهم يتجهون في الغالب إلى المخدرات الخطرة. وواضح للجهات التي تعالج الموضوع في المجتمع الديني أن هذه الآفة موجودة في جميع مؤسسات جهاز التعليم الديني، وبضمن ذلك في المعاهد الدينية- ييشيفاه- وأنه على ما يبدو فإن هذه المعطيات لا تعكس الواقع الحقيقي أيضا.


من جهة أخرى، قالت المسؤولة عن معالجة المجتمع الديني في مصلحة الخدمات النفسية والاستشارية التابعة لوزارة التربية والتعليم، إستي غروس، إنها قلقة للغاية من ظاهرة تناول أبناء الشبيبة المتدينين للكحول واستنشاق مواد مثل غاز الضحك والغاز العادي، أكثر مما هي قلقة من نسبة الذين يتعاطون المخدرات في هذا المجتمع. وأوضحت غروس أن "المعطيات التي بحوزتنا تشمل أيضا أبناء شبيبة مسيحيين ومسلمين، الذين يمكن بكل تأكيد شملهم في مجموعة تم طرح سؤالين عليها، في إطار استطلاع أجريناه تحت عنوان 'أبناء شبيبة متدينين'". وتابعت أنه "إذا قارنا المعطيات المتوفرة حاليا مع المعطيات بشأن العام 2001 فإنه بالإمكان أن نرى عدم تزايد ظاهرة تعاطي المخدرات الخطرة وربما حتى أن النسبة تراجعت، لكن من الجهة الأخرى يظهر ارتفاع في نسبة تناول المواد الخطرة والكحول. وفي هذا المجال يتفوق أبناء الشبيبة المتدينون على أترابهم العلمانيين". وتبين من استطلاع تم إجراؤه في العام 2005 أن نسبة أبناء الشبيبة المتدينين اليهود الذين اعترفوا بأنهم تناولوا الكحول مرة واحد على الأقل كانت 53% مقابل 49% في الوسط العلماني. وقال 24% من أبناء الشبيبة المتدينين إنهم تعاطوا مواد خطرة، مثل غاز الضحك، مرة واحدة على الأقل مقابل 15% لدى العلمانيين.

وأوضحت غروس أسباب تزايد تناول الكحول بأن "الإنسان (اليهودي) المتدين يتناول كثيرا الكحول في طقوس دينية، مثل تقديس يوم السبت والأعياد. وإذا أخذنا العادة السائدة في عيد البوريم (أي عيد المساخر اليهودي) وهي تناول الكحول حتى الثمالة مع معلميهم في المعاهد الدينية، فإن الكحول هنا يحظى بشرعية. ولا يتم اعتباره على أنه ينطوي على إشكالية خاصة. وهناك سمات ثقافية أيضا بخصوص موضوع تناول الكحول. فالطائفة الأثيوبية معتادة على شرب الكحول بصورة دائمة، وفي كل مرة تتجمع فيها العائلة، لأنهم هكذا اعتادوا في أثيوبيا. والكثيرون من أبناء هذه الطائفة يتعلمون في مؤسسات تعليمية دينية. إضافة إلى ذلك فإننا قلقون من أن 25% من طلاب المدارس الدينية قالوا إنهم ثملوا مرة واحدة على الأقل و20% قالوا إنهم شربوا الكحول مرة واحدة على الأقل خلال الشهر الأخير بأكثر من خمس كؤوس. وهذه معطيات لم تكن سائدة في الماضي".

وأشارت غروس أيضا إلى أن من بين أسباب تزايد ظاهرة تناول الكحول بين أبناء الشبيبة المتدينين، إخلاء المستوطنين من قطاع غزة في صيف العام 2005 وعدم توفير حلول لمشاكلهم. كذلك هناك حالة من الذعر بين أبناء الشبيبة المتدينين في جنوب إسرائيل جراء إطلاق صواريخ القسام من قطاع غزة. كما أن الرحلات إلى الشرق الأقصى وأميركا الجنوبية، التي أصبحت منتشرة بين الشبان المتدينين اليهود، هي أحد أسباب اتساع الظاهرة. وتشير المعطيات إلى أن 90% من الشبان الذين سافروا إلى هذه المناطق تعاطوا المخدرات وبمن في ذلك الشبان المتدينون.

وقالت غروس والحاخام أكشتاين، وكلاهما على اطلاع واسع على حجم انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات وتناول الكحول في المجتمع الديني، إن الضغوط المختلفة في هذا المجتمع تؤثر على أبناء الشبيبة الذين جربوا تعاطي المخدرات والكحول. وأضافت غروس أن "نمط الحياة في المجتمع الديني والأطر التعليمية الدينية يشكل نوعا من الضغط الذي قد يؤدي إلى الإدمان". وقال الحاخام أكشتاين "لقد عالجنا طلابا في معاهد دينية تعاطوا الحشيش ليحسنوا من مستوى دراستهم، وهم وجدوا أن هذا يساعدهم في الدراسة".

وقال أكشتاين إنه "رغم عدم وجود معطيات رسمية، لكن مما لا شك فيه أن هناك ارتفاعا في تعاطي أنواع عدة من المواد التي تدفع على الإدمان في أوساط أبناء الشبيبة المتدينة. فتجربتي والتوجهات الكثيرة إلينا تظهر مدى خطورة الضائقة. ومن أجل توضيح الصورة أكثر، فإن لدينا 36 سرير رفاه اجتماعي لأبناء الشبيبة (في إصلاحيات أو مؤسسات مغلقة) وهناك على الأقل 20 فتى ينتظرون دورهم لدخول هذه المؤسسات". وأشار أكشتاين إلى أنه "بين البالغين أيضا ازداد الطلب لتقديم مساعدات عما كان عليه الوضع في الماضي. ويصل إلينا طلاب معاهد دينية، فتية وبالغون، وهم شبان جيدون لم نكن نتخيل أنهم ينتمون إلى تصنيف المدمنين".

دعوات لإقامة حزب يجمع قوى اليمين المتطرف كافة

في هذه الأثناء بدأت أحزاب اليمين المتطرف الإسرائيلية تستعد لاحتمال تقديم موعد الانتخابات العامة، على إثر التحقيقات ضد رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، بشبهة ارتكابه مخالفات تنطوي على فساد سلطوي. وأعلن أولمرت قبل أسبوعين عن نيته الاستقالة من منصبه فور انتخاب رئيس جديد لحزب كديما الحاكم، ليفسح المجال أمامه لتشكيل حكومة بديلة. لكن تقديرات تسود الحلبة السياسية تفيد أنه لن يتم تشكيل حكومة بديلة وإنما سيتم تقديم موعد الانتخابات العامة. وفي هذا السياق، دعا عضو الكنيست بنيامين ألون، رئيس كتلة "الوحدة الوطنية- المفدال" في الكنيست، إلى توحيد أحزاب اليمين المتطرف لتخوض الانتخابات في قائمة واحدة. والمقصود بأحزاب اليمين المتطرف هي الأحزاب: المفدال، تكوما، موليدت (الذي يتزعمه ألون)، آحي وهتيكفا. كذلك دعا ألون أحزاب اليمين المتطرف إلى طرح "خطة سلام يمينية" بديلة مع الفلسطينيين.

ونقلت هتسوفيه عن ألون قوله، في مقابلة أجرتها معه ونشرتها في 10 آب الحالي، "إنني أقول لجمهورنا بصورة أكيدة، إنه في الدورة المقبلة للكنيست سيكون هناك مستوى أعلى من الوحدة، سيتم التعبير عنها بحزب واحد" يخوض الانتخابات. وأضاف مهاجما حزب الليكود ومنتقدا تصويت مؤيدي اليمين لهذا الحزب، أن "مصدر الخيانة الوطنية هو الليكود، ورغم ذلك فإن جمهورنا يصوت لهم. وهو لا يدرك الخطأ في ذلك".

ورغم الخلافات بين أحزاب اليمين المتطرف التي أدت إلى عدة انشقاقات، خصوصا في حزب المفدال، إلا أن ألون اعتبر أن "هذه الكتلة (الوحدة الوطنية) وعلى الرغم من أنها مكونة من عدة أحزاب، إلا أنها تعمل في جميع المجالات بشكل أفضل من أحزاب أخرى. والخلافات داخل حزبي كديما والليكود أكبر بما لا يقارن من الخلافات عندنا، وذلك على الرغم من أن التوتر أصبح متطرفا أكثر في الآونة الأخيرة، بسبب خروج حزب آحي في حملة انتخابية مستقلة. وبرأيي فإننا نعاني من دون وجه حق، وأنا أتهم جمهورنا بالتسبب بذلك، والصورة التي تم إلصاقها لنا، وكأننا نهتم فقط بأرض إسرائيل. إن المطلع على نشاطنا عن كثب يعلم إلى أي مدى نحن نبذل جهودا في قضايا التعليم والرفاه والتوراة. ولو أن الجمهور يعرف مستوى طرح القوانين الذي ينفذه أعضاؤنا في الكنيست والتشريعات الاجتماعية التي يقودها زبولون أورليف وتسفي هندل وأوري أريئيل لما تحدثوا عنا بهذا الشكل. ولذلك، فإنني شخصيا أعتقد أن كتلتنا البرلمانية أثبتت أن الخلافات بيننا مصطنعة وأن الوحدة قائمة فعلا". واعتبر ألون أن ما يمنع توحيد أحزاب اليمين والخلافات بينها هو أن "لكل حزب يوجد ديون، وأحد الأحزاب لا يريد تسديد ديون حزب آخر. فهنا توجد أجهزة حزبية. وينبغي أن نفهم أن الوحدة تعني إلغاء الأحزاب".

وانتقد ألون زملاءه في كتلة "الوحدة الوطنية- المفدال"، أعضاء الكنيست أرييه إلداد وايفي ايتام ويتسحاق ليفي. وقال إنهم "عملوا بصورة غير مسؤولة عندما أغرقوا وسائل الإعلام بخصوص مسألة الوحدة وأعطوا شعورا بأن الكتلة منقسمة على نفسها. ورغم أن نواياهم كانت جيدة إلا أنهم جعلوا الجمهور يشعر أن الوضع عندنا صعب للغاية. والوضع ليس كذلك. فنحن لا نتشاجر ولا نشد شعر بعضنا البعض، وإنما نعمل سوية طوال الوقت. وإلداد وايتام وليفي قاموا بخطوة غير جيدة. فقد كانوا على علم بوجود خطوات (لتوحيد أحزاب اليمين المتطرف) لكنهم رغم ذلك خرجوا في حملة انتخابية مستقلة. وبسببهم نشأت صورة أننا منقسمون. ولأسفي فإن هذا الكلام لن يغير شيئا من الواقع اليوم". وبحسب ألون فإن الخلافات داخل كتلة "الوحدة الوطنية- المفدال" يعود إلى "وجود رئيسي مفدال سابقين، هما ليفي وايتام، ورئيس مفدال يمارس مهامه، هو أورليف. وهؤلاء الثلاثة يخوضون خلافات سابقة كثيرة، شخصية وعامة، وهذا الأمر يؤثر". ورأى ألون أنه لا حاجة لوجود عدة أحزاب في اليمين المتطرف لأن الخلافات بينها صغيرة.

التصويت لليكود هو "عمل غير عقلاني"

وهاجم ألون حزب الليكود وجمهور اليمين المتطرف الذي يصوت لليكود. ورأى أن التصويت لليكود هو "عمل غير عقلاني" من جانب جمهور اليمين. وتساءل "لماذا يستحق الليكود تصاعدا في قوته من 12 عضو كنيست (في الكنيست الحالي) إلى 35 عضو كنيست (وفق ما تتنبأ استطلاعات الرأي)؟ لماذا يستحق الليكود هذه الجائزة؟ هل استقال بيبي (أي رئيس الليكود بنيامين نتنياهو) من الحكومة (برئاسة أريئيل شارون) في الوقت المناسب من أجل وقف الطرد، والآن يتفاخر بأنه لم يكن شريكا في خطة فك الارتباط (من قطاع غزة)؟ كذلك فإن (عضوي الكنيست من الليكود) يوفال شطاينيتس وميخائيل ايتان كانا يؤيدان فك الارتباط. وهل تريدني أن أتطرق إلى كيفية تعامل أعضاء الليكود مع قضايا الدين والدولة؟ جمهورنا يتساهل مع الليكود ويعاملنا بقسوة أكبر، وأنا لا أتباكى هنا". وأضاف ألون أن "نتنياهو لا يخفي، طوال الوقت، حقيقة أنه لا يريد المتدينين معه (في الليكود). إنه يريد أن يكون في وسط ويسار الخارطة السياسية. وهو يعلم أن المتدينين سينضمون إليه لاحقا. إضافة إلى ذلك فإن نتنياهو يعلم أن جزءا كبيرا من جمهور المتدينين سيصوت لليكود في جميع الأحوال. وهكذا فإنه يربح في جميع الحالات".

وتابع ألون قائلا إن "مصدر الخيانة الوطنية هو الليكود، لكن الناس لا تقوم بمحاسبة الذات. فأولمرت (رئيس الحكومة إيهود أولمرت) وفساده يمثلان الليكود. شارون وخيانته (بسبب فك الارتباط) يمثلان الليكود. هيكل الفساد هو الليكود لكن الناس تنسى ذلك عشية الانتخابات". وانتقد ألون طريقة الانتخابات في إسرائيل وقال إنها "ليست جيدة". وأوضح أن "وجود حزب لكل قضية ولكل جمهور يخلق إشكالية. طريقة الانتخابات في الولايات المتحدة أفضل. هناك توجد كتلة جمهورية وكتلة ديمقراطية، أو كتلة ليبرالية وكتلة محافظة. هذا مبنى صحيح. لكن دولة إسرائيل هي دولة قبائل وقطاعات لأسفي، ولذلك يوجد فيها حزب لكل موضوع. ولا توجد دولة شبيهة بها في العالم".

خطة سياسية بديلة يعرضها اليمين

من جهة أخرى يعمل ألون على طرح ما يسمى بـ"المبادرة الإسرائيلية"، التي يصفها بأنها خطة سياسية يطرحها اليمين كبديل لخطة السلام التي تطرحها أحزاب الوسط واليسار. وتحدث ألون عن خطته قائلا "لقد حاولت بناء خطة سلام بمعنى أن تكون بديلا إيجابيا. واليوم، عندما تتم دعوتي للظهور في مقابل يوسي بيلين أمام صحافيين من البلاد والخارج، فإني أعرض المبادرة الإسرائيلية التي تقف في مواجهة مبادرة جنيف التي وضعها بيلين. والمستمعون يقارنون بين البديلين. نحن ما زلنا متخلفين وراء اليسار، لكن رغم ذلك فإني أرى أن أفكارنا تتغلغل".

وأعطى ألون مثالا حول تغلغل الأفكار التي يطرحها لحل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني: "لقد سمعت خلال اجتماع للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، بحضور عدد من سفراء الاتحاد الأوروبي، عضوة الكنيست عميرا دوتان من كديما تشرح لجميع السفراء الأوروبيين أنها أقامت سوية معي جسما ضاغطا لإغلاق مخيمات اللاجئين (الفلسطينيين) وحل قضية اللاجئين بروح المبادرة الإسرائيلية، لأنها تتماثل مع هذه المبادرة. وفي موازاة ذلك قال بيلين خلال الاجتماع نفسه لأربعة وعشرين سفيرا أوروبيا إن على كل دولة أن تقول كم عدد اللاجئين الذين هي على استعداد لاستيعابهم في أوروبا. وهم (أي السفراء) فركوا أعينهم ولم يصدقوا أن بيلين يقول مثل هذه الأمور. هذا كان نتيجة أحاديثي مع بيلين. هذا لا يعني أنه تبنى أقوالي، وإنما أن الأمور آخذة بالتغلغل عميقًا".

واعترف ألون بأن العملية السياسية القاضية بإقامة دولتين ما زالت الخطة المفضلة على حكومة إسرائيل. ويرى ألون أن هذه الخطة تنطوي على "منظور خاطئ". وأضاف أنه "رغم ذلك، فإنه في كل ندوة ومحفل أشارك فيه، يبدأون بالإدراك أن دولة فلسطينية هي كذب ووهم. وبحسب المبادرة الإسرائيلية، فإنه ينبغي على دولة إسرائيل والفلسطينيين التطلع إلى سلام برؤية إقليمية. السلام الذي صنعناه مع مصر والأردن أثبت نفسه رغم كل نواقصه. ولذلك فإنه بموجب المبادرة علينا أن نطالب مصر والأردن بأن تكونا شريكتين لنا في حل المسألة الفلسطينية. أي أنه إذا كان يحمل المواطنون العرب في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] بين السنوات1967- 1988 جواز سفر أردنيا فإنه لا يوجد سبب لعدم إعادته لهم. والأردن يخشى توجه إسرائيل نحو قيام دولة فلسطينية وهو لا يريد أن يكون خائنا، لكن في حال أدركت إسرائيل أنها أخطأت في هذه العملية وتوقفت عن جر (الرئيس الأميركي جورج) بوش نحو رؤيا الدولتين، فإن إسرائيل والأردن ستحلان القضية بمساعدة الأوروبيين والأميركيين. وأنا أضع تفاصيل في مبادرتي حول كيفية إبقاء الأمن بأيدي إسرائيل. لكن المواطنين في يهودا والسامرة سيبقون مواطني الأردن. وكل هذا لا يعني أني سأعطيهم أراضي".

ومضى ألون قائلا إن "المركب الثاني في المبادرة هو موضوع اللاجئين. فقد فضلت إسرائيل على مدار السنين التهرب من قضية اللاجئين وتسببت لذلك بحدوث كارثة. الأمم المتحدة أقامت وكالة خاصة، أونروا، والتي تخلد المشكلة منذ 60 عاما. وهذا المكان الوحيد في العالم الذي فيه عدد اللاجئين لا ينخفض كل عام وإنما يتزايد وينتفخ. وهذا المكان الوحيد في العالم الذي بموجب تعريف الأمم المتحدة، اللاجئ فيه ليس ذلك الذي يتم اقتلاعه من بلاده، وإنما ابنه أيضا وحفيده وابن حفيده، حتى أربعة أجيال. والمواطن الذي يقرأ أقوالي الآن لا يعرف أن الوضع على هذا النحو، لأن دولة إسرائيل لم تتحدث عن ذلك أبدا. الإعلام الإسرائيلي فضل السكوت، حتى اليوم. وأنا ما زلت أواجه وزارة الخارجية التي تزعجني عندما يعمل أعضاء كونغرس أميركيون على تمرير قانون يلغي الأونروا. وأنا أدعي أنه لن يكون هناك سلام إذا لم نعمل على إغلاق مخيمات اللاجئين. فإغلاقها سيغير ديمغرافية المنطقة. فلو أن دولة إسرائيل عرفت بمجرد انتهاء حرب التحرير (حرب العام 1948) كيف تتعامل مع قضية اللاجئين لما قامت اليوم دولة فلسطينية. فعندما كانت هذه قضية إنسانية كان بإمكانك التعامل مع البشر. لكن إسرائيل اختارت تجاهل القضية الإنسانية للاجئين. واليوم عدد اللاجئين يتزايد وتحولت القضية إلى أسطورة".

وتابع ألون "85% من سكان قطاع غزة مسجلون في أونروا كلاجئين. وفقط 15% من سكان القطاع لديهم بيت وبستان خاص بهم وهؤلاء لا يلقون الحجارة علي. إنك تعيش في مكان يحرض فيه الأب والجد الأبناء من الجيل الرابع ويقولان لهم "انتقموا، وأعيدوا لنا بيتنا في يافا". ويعطيان الابن والحفيد مفتاح البيت في يافا وحيفا، وفي واقع كهذا لا يوجد احتمال لتحقيق سلام. بإمكانك المصافحة في كامب ديفيد وواشنطن مثلما تريد، لكن الكذب سيطفو وسيكون هناك من يشعل الأرض في كل مرة. والحديث يدور عن صراع صعب للغاية والناس لا تدرك أهميته".

وانتقد ألون عدم قيام زملائه في قيادة معسكر اليمين المتطرف بطرح مثل هذه الأفكار. وقال إنه "اعتدنا على أن نكون مثل حزب مباي (الذي أسس إسرائيل وأصبح اليوم حزب العمل)، يهتمون فقط بالاستيطان وبفرض وقائع على الأرض. لا نكترث بالرأي العام الدولي. هذا توجه غير صحيح، وحتى أنه سيء. وعندما تكبر على هذا النحو، فإنك ترى، في ظل قرارات سياسية دولية وضغوط من جانب الرأي العام الدولي، أن كل المستوطنات التي فرضتها كحقيقة على الأرض في غوش قطيف (الكتلة الاستيطانية في قطاع غزة) قد تم اقتلاعها بتوقيع واحد. بإمكانك خلق وقائع كثيرة على الأرض وكل شيء سيتم اقتلاعه. لماذا؟ لأنك متعجرف. بإمكانك أن تغضب وتقول إنه لا يهمني ما يقوله الأغيار (أي غير اليهود)، لكن عليك أن تدرك أنه يجب التعامل مع القانون الدولي والرأي العام الدولي والخروج بخطة سياسية وأن تكون حذقا وأن تعرف كيف تتعامل مع وزارة خارجية وقنصلية وسفارة. ينبغي على جمهورنا أن يصبح بالغا أكثر ويدرك أنه فيما عدا التربية والاستيطان في أرض إسرائيل، ونحن نبذل في هذا المجال كل طاقاتنا، فإن حقل الإعلام والدبلوماسية، الذي يبدو الآن حقلا وهميا، هو من الناحية الفعلية واقعي جدا ومهم. هذا هو العصر اليوم. بإمكانك أن تكون عصبيا للغاية، لكن هذا لن يساعدك بشيء. عليك أن تفهم العصر الذي تعيش فيه".

من جهة أخرى يعمل ألون بشكل مكثف على توثيق العلاقات مع "المسيحيين الجدد" وحتى أنه يرأس لوبي في الكنيست يدعو لتعميق العلاقات معهم. واعترف ألون أن هدفه من وراء ذلك هو "تحقيق إنجازات دولية. وأنا مقتنع أن أرض إسرائيل المذكورة في التوراة يمكنها أن تكون مفهومة لعدد كبير جدا من المسيحيين في العالم. وبإمكان ملايين المسيحيين في العالم مساعدتك في صراعك العادل ضد العرب، بأن الله وعد اليهود بالأرض. وينبغي عليك ترجمة ذلك إلى صياغات دبلوماسية واستخدام رهبان وزعماء مسيحيين بواسطة ممثليهم في البرلمانات في جميع أنحاء العالم. يوجد ملايين كهؤلاء في العالم. لكن هذا لا يجوز أن يتم على حساب اللامبالاة والاستهتار بالحركة التبشيرية المسيحية. وشعب إسرائيل بقي موجودا رغم وجود أعداء حاولوا القضاء عليه جسديا وأيضا وجود أعداء حاولوا دفعه للانصهار (في المجتمعات غير اليهودية). وحربنا ضد الزواج المختلط والانصهار والاستسلام وتغيير الديانة، ليست أقل جدية من الإبادة الجسدية. وهناك أعضاء من أحزاب اليمين واليسار في اللوبي وحتى ران كوهين من حزب ميرتس. وهناك أعضاء من حزبي كديما والعمل. ويعرفون جميعهم أنه لا توجد مساومات. وقد وافقوا على خطي".

"المبادرة الإسرائيلية"

يذكر أن ألون عرض "المبادرة الإسرائيلية"، في تشرين الأول 2007، باعتبارها "خطة إسرائيلية للسلام وتأهيل اللاجئين الفلسطينيين".

وتقف في مركز هذه "المبادرة" الدعوة إلى الابتعاد عن الحلول السياسية بذريعة البحث عن حلول إنسانية، وتبعًا لذلك فقد ورد فيها تحت عنوان "حل إنساني لقضية اللاجئين" ما يلي:

"من الضروري أن يكون حل قضية اللاجئين مكوّنًا جوهريًا في أي تسوية. يجب على إسرائيل عمل كل ما في وسعها لحل قضية لاجئي 1948 نهائيًا ومطالبة المجتمع الدولي بالمشاركة في ذلك. ويتوجب بدء الحل بتفكيك "أونروا"، التي تخلد قضية اللاجئين والمواصلة ببلورة خطة تعويض سخية لكل اللاجئين الفلسطينيين الذين سيتم تمكينهم من التحوّل إلى مواطنين في دول مستعدة لاستيعاب المهاجرين والبدء بحياة جديدة. تجدر الإشارة إلى أن هذه هي رغبة أغلبية اللاجئين الفلسطينيين، كما يظهر من استطلاعات موثوق بها للرأي العام أجريت في الفترة الأخيرة وسط الفلسطينيين. ويحول الواقع الجديد في الشرق الأوسط حل قضية اللاجئين إلى مصلحة العالم العربي أيضاً.

"كجزء من عملية تأهيل اللاجئين وتعويضهم، سيتم تفكيك مخيمات اللاجئين بشكل مرحلي وسيرفع التهديد والعار والخزي الناجم عن وجودها. هكذا، على سبيل المثال، سيكون هناك مشروع تأهيل سخي يمكن مليونًا من اللاجئين المكتظين في "طنجرة الضغط الغزاوية" من أن يصبحوا هدية نفيسة للمجتمع الفلسطيني والعالم أجمع".

وجوابًا على السؤال "من سيدفع؟" قالت "المبادرة الإسرائيلية":

"تنفق مليارات الدولار سنوياً على الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. هذه المبالغ عبارة عن دولارات أميركية تخصص لسباق التسلح الإقليمي، وهي مبالغ طائلة تحوّل من أوروبا للحسابات البنكية التابعة للسلطة الفلسطينية. وهذه مبالغ هائلة من المال الإسرائيلي الذي ينفق على إقامة الجدار وتنفيذ الانفصال و"تقوية" أبو مازن.

"تتمكن الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل، إلى جانب دول النفط العربية، من أن تموّل مباشرة التأهيل الكامل والسخي لكل لاجئي العام 1948- تأهيل يمكنهم من الاستيعاب في دول مختلفة يسرها استيعاب المهاجرين الذين يصلون إليها مع أموال تمكنهم من العيش الكريم ومع أساس لبداية جديدة ومليئة بالأمل".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات