المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تعريف:

فيما يلي نصّ أول مقابلة أدلى بها مؤخرًا الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي (أمان)، الجنرال في الاحتياط أهارون زئيفي- فركش، وذلك بعد تسريحه من الجيش في شهر تشرين الثاني الماضي. وقد نشرت في موقع "أوميديا" الإسرائيلي على الشبكة. وفيها يعرض رؤيته لأوضاع إسرائيل الإستراتيجية في السياقين الإقليمي والدولي، بعد حرب لبنان الثانية وفي ضوء مستجدات النزاع مع الفلسطينيين.

  • سؤال: كيف تحلل صورة الوضع الإستراتيجي لإسرائيل؟

    • زئيفي- فركش: يجب النظر إلى الوضع الاستخباراتي من خلال عدة أبعاد تعتبر الآن في غاية الأهمية والتأثير على صورة الوضع الإستراتيجي. ففي العالم العربي تتبلور في السنوات الأخيرة، عقب تدخل الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، منظومتان رئيستان. المنظومة الشيعية التي تضم إيران والشيعة في العراق والعلويين في سوريا و"حزب الله" في لبنان. في المقابل تقف المنظومة السنية المعتدلة التي تضم السعودية ومصر والأردن وجزءًا من دول الخليج. هاتان المنظومتان تستعدان لصراع بينهما، وهناك مؤشر على ذلك يتمثل في النية المعلنة من جانب عدة دول سنية وفي مقدمتها مصر، لولوج ميدان التطوير الذري والذي سيفضي في نهاية المطاف إلى قنبلة ذرية سنيَّة في الشرق الأوسط. وقد شخصت المنظومتان (السنية والشيعية) بؤر التوتر والإشكالات في المنطقة والتي تشكل فرصة أو تهديداً من وجهة النظر المختلفة، وهي: العراق، لبنان والسلطة الفلسطينية. في البؤر الثلاث تعتبر الدولة كمؤسسة، ضعيفة جداً، بينما تراكم المنظمات الإرهابية فيها المزيد من القوة والنفوذ على حساب الدولة التي تقف عاجزة عن فرض سلطتها وهيبتها.

التواجد العسكري في العراق (المقصود التواجد العسكري للولايات المتحدة وحلفائها- المترجم) يستهدف مساعدة المنظومة السنية المعتدلة. في السلطة الفلسطينية فازت حركة "حماس" في الانتخابات ولكنه لا يوجد حسم بين القوى المختلفة. في لبنان أضاعت إسرائيل الفرصة بكونها لم تحرز انتصاراً حاسماً على "حزب الله"، كان بإمكانه مساعدة رئيس الحكومة (فؤاد) السنيورة. المنظومة السنية المعتدلة تسعى إلى إزاحة الموضوع الفلسطيني عن الأجندة انطلاقاً من إدراكها أن هذا الموضوع يعقد الوضع. هناك محاولات من جانب السعودية، تجري بالتنسيق مع مصر والأردن، لاجتذاب إسرائيل إلى المحور المعتدل في مواجهة المحور الشيعي.

في البؤر الثلاث نشبت أنواع من الحروب الأهلية، شيعية- سنية في العراق، النظام الجديد ضد النظام القديم في لبنان، و"حماس" ضد "فتح"، ويمكن القول أيضاً الضفة الغربية ضد قطاع غزة. يمكن أن نضيف إلى ذلك الأزمة التي تمر بها منظمة "القاعدة" والتي تتعرض اليوم للملاحقة والمطاردة ولم تتمكن خلال العامين الأخيرين من تنفيذ أية عملية كبيرة. و"القاعدة" كحركة سنية لها وزن كبير جداً في المنطقة، وهي تبحث عن نقاط ضعف الأنظمة المعتدلة، ولذلك حولت التركيز باتجاه مركز الثقل. فقد تحولت كل من سوريا ومصر ولبنان والأردن إلى مركز لنشاطات "القاعدة"، وبات لها تأثير حتى في مناطق السلطة الفلسطينية، فمنظمة "لجان المقاومة الشعبية" (في قطاع غزة) مرتبطة بتنظيم "القاعدة". ويحدث كل ذلك في الوقت الذي لم تمتلك فيه إيران بعد قدرة ذرية. تتزعم إيران الخط الراديكالي، وهي تسعى إلى إلحاق لبنان بهذا المحور وكذلك (الرئيس) بشار الأسد. كل هذه هي جوانب مهمة لفهم صورة الوضع. الطريقة التي يعالج بواسطتها المجتمع الدولي التجربة النووية التي أجرتها كوريا الشمالية ستكون مؤشراً بالنسبة لإيران. لكن الرد الدولي الضعيف حتى الآن يشجع طهران على المضي قدماً في برنامجها النووي.

  • في أي طريق يتجه لبنان في أعقاب الحرب؟

    • حرب لبنان الثانية لم تحقق حسماً واضحاً بما فيه الكفاية. لقد سجلت إسرائيل إنجازاً لافتاً في ضرب ترسانة الصواريخ الإستراتيجية البعيدة المدى، والتي تم القضاء على غالبيتها، كذلك ضرب نحو 60% من ترسانة الصواريخ المتوسطة المدى بالإضافة إلى الكثير من القيادات. فضلاً عن ذلك فقد انتشرت قوات من الجيش اللبناني في جنوب الدولة إلى جانب قوات "اليونيفيل"، وهذا ما يجعل "حزب الله" يواجه صعوبة في تعزيز قوته. لا يجوز تحليل نتائج الحرب من وجهة نظر سلبية فقط، فهناك إنجازات أيضاً. "حزب الله" يدرك أنه يحتاج لبضعة أشهر حتى يتمكن من التقاط أنفاسه. المنظمة (حزب الله) لا تبادر إلى عمليات ضد إسرائيل لكنها سترد إذا هوجمت، وهي تهدف إلى إتاحة المجال أمام إعادة بناء وتعزيز قوتها العسكرية وكذلك نفوذها في أوساط الجمهور.

في أعقاب الحرب اشتد الصراع بين المحورين المركزيين في لبنان. محور النظام الجديد الذي يمثله رئيس الوزراء فؤاد السنيورة وسعد الحريري ووليد جنبلاط، ويسعى هذا المحور، المدعوم من الغرب، إلى نزع سلاح "حزب الله" ونقل لبنان إلى منظومة الدول (العربية) المعتدلة. في المقابل هناك المحور الراديكالي الممثل بميشيل عون الذي تحالف مع محور الشر (سوريا وإيران) لضمان تعيينه رئيساً مقبلاً للبنان. ويساند "حزب الله" والشيعة في لبنان هذا المحور.

الصراع خلال الأشهر القريبة سيتمحور حول مسألة حكومة الوحدة الوطنية. "حزب الله" يطالب بضم ثلاثة وزراء آخرين للحكومة كي يفقد رئيس الحكومة أغلبية الثلثين التي يتمتع بها، وهو ما يَحدُّ بالتالي من قدرة السنيورة على اتخاذ القرارات. وفي حال لم ينجحوا ("حزب الله" وحلفاؤه في قوى المعارضة) في مسعاهم، فسيحاولون العمل على حل الحكومة، ولن يترددوا في السير حتى النهاية في هذا الطريق، بما في ذلك اللجوء إلى تصفية السنيورة. هناك إمكانية في أن ينجح "حزب الله" حتى ربيع العام القادم في إعادة بناء قوته والعمل على إحداث انقلاب في لبنان أو شل وتعطيل الحكومة اللبنانية.

  • هل يوجد استعداد حقيقي لدى سوريه للشروع بمفاوضات مع إسرائيل؟

    • من خلال معرفتي الجيدة بـ (الرئيس السوري) بشار الأسد أستطيع القول إنه لا يقف من الناحية الأيديولوجية ضمن محور الشر. الأسد يسير في اتجاهين متناقضين: فهو ينادي، من جهة، بالسلام بغية إقناع إسرائيل بالجلوس إلى مائدة المفاوضات، لكنه يقدِّر، من جهة أخرى، أن الولايات المتحدة وإسرائيل لن تغيرا مواقفهما. بشار الأسد يتصرف وكأنه موجود في محور الشر، فهو يؤيد "الإرهاب الفلسطيني" ويساعد "حزب الله" ويفكر في شن عمليات "إرهابية" في هضبة الجولان ويمكِّن نشطاء منظمة "القاعدة" من الانتقال والمرور بحرية من سوريا إلى العراق. لقد شخصت سوريا نقاط الضعف في الحرب الأخيرة (على لبنان). إذا حصل تصعيد في لبنان فمن المحتمل أن يكون هناك رد سوري، لكنني لا أعتقد أن سوريا في وارد شن حرب شاملة ضد إسرائيل. هناك احتمالية عالية لحدوث تصعيد في لبنان في العام المقبل (2007) على غرار ما حصل في العام 2006. جاهزية الجيش السوري عالية ويبدو أن سوريا لن تقف على الحياد أو في موقف المتفرج. في الحرب الأخيرة وقف "حزب الله" وحيداً في المواجهة ضد إسرائيل، وقد وجهت انتقادات لاذعة ضد الأنظمة العربية التي لم تحرك ساكناً لمساعدته في الحرب.

  • وفي الساحة الفلسطينية... هل هناك إمكانية لتحقيق استقرار؟

    • هل نجحت العزلة الدولية في تغيير سياسة "حماس"؟ الجواب كلا. الإرهاب لم يتوقف على الرغم من الوضع الاقتصادي الصعب. "حماس" لم ترضخ ولم توقف المقاومة. الأيديولوجية مهمة لـ "حماس" أكثر من برغماتية السلطة أو الحكم. من الزاوية الإسرائيلية يجدر التأكيد أن الجيش الإسرائيلي، وفور توقف إطلاق الصواريخ في اتجاه المدن الإسرائيلية، لن يُطلق رصاصة واحدة في قطاع غزة. هذه رسالة مهمة يجب التوكيد عليها مراراً وتكراراً. السبب الوحيد للنشاط العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة هو فقط إطلاق صواريخ القسّام، والذي يفرض على إسرائيل حماية سكان جنوب البلاد. المنظمات "الإرهابية" الفلسطينية لا تراعي ضائقة السكان الفلسطينيين، وتواصل "الإرهاب" ولذلك اضطر الجيش الإسرائيلي للعمل في بيت حانون. لست متفائلاً من الوضع في الجانب الفلسطيني. هناك حل سياسي يلوح في الأفق (للأزمة في السلطة الفلسطينية) يتمثل في إقامة حكومة وحدة وطنية، ولكن حتى إذا تم ذلك فإن التغيير سيكون تكتيكياً فقط في مواقف "حماس"، وبالتالي سيستمر الصراع كما يبدو بين "فتح" و"حماس" على حساب الفلسطينيين.

  • كيف يمكن، إن كان ذلك متاحاً، كبح جماح التهديد الإيراني؟

    • إيران لا تطوِّر صواريخ بعيدة المدى ضد إسرائيل فقط. الهدف هو أوروبا والولايات المتحدة. إيران تريد أن تتحوّل إلى قوة عالمية عظمى، وهي تحاول توطيد نفوذها في الخليج الفارسي (الخليج العربي) والشرق الأوسط وآسيا الوسطى، في الدول التي توجد فيها طوائف شيعية كبيرة، وعلى الرغم من أنها تمضي بشكل حثيث في برنامجها النووي، مستمدة التشجيع من عجز الغرب عن كبح جماح كوريا الشمالية، إلا أنها (أي إيران) لم تمتلك بعد قدرة نووية. بالإمكان كبح إيران، وعلى العالم أن يتحد ويتكاتف في عملية ضدها. يتعين على الولايات المتحدة والصين وروسيا ودول أخرى ذات نفوذ وتأثير، مثل كندا والبرازيل، توجيه رسالة واضحة وحازمة لحكام إيران: لن نسمح لكم بامتلاك قدرة نووية! مثل هذه الرسالة لم توجه حتى الآن بسبب الخلافات بين الدول فيما يتعلق بإيران. يجب ممارسة حملة ضغوط سياسية واقتصادية. فعلى الرغم من أن إيران تُعد مُصدِّرة نفط كبرى إلا أنه يمكن إلحاق الضرر بها في مجال الطاقة، إذ أنها لا تمتلك صناعة بتروكيماوية متطورة كما أنها تضطر لتكرير 40% من استهلاكها النفطي خارج إيران.

في حال عدم نجاح كل هذه الخطوات، ينبغي عندئذٍ العمل من أجل بناء ائتلاف وفرض عقوبات عسكرية وهذا يحتاج إلى تحالف قوي. لست متفائلاً في تبلور مثل هذا التحالف بالفعل. وتحت المظلة الذرية ستزداد قدرة الردع الإيرانية وستزداد قوة المنظومة الراديكالية المتحالفة، الأمر الذي سَيَحْفُزُ ويَحثُ سباق التسلح النووي في المنطقة برمتها.

  • هل تتوقع قيام جبهة شرقية في مواجهة إسرائيل؟

    • الولايات المتحدة الأميركية في طريقها لمغادرة العراق دون تحقيق انتصار، ومثل هذه الخطوة من شأنها أن تقوي التحالف الراديكالي. مع ذلك فإنني أستبعد ظهور أو قيام جبهة شرقية تقليدية ضد إسرائيل، ذلك لأن الجيش العراقي ما زال في مراحل البناء وهو منكب بشكل أساسي على محاربة الإرهاب. في مواجهة سوريا ولبنان الجيش الإسرائيلي قادر على مجابهة التحدي وأنا لا أنصح سوريا بأن تحاول اختبار قوة الجيش الإسرائيلي. في الحرب ضد "حزب الله" لم يستخدم الجيش الإسرائيلي كامل قوته وقدراته. في صيف العام 2007 باستطاعتنا أن نكون في وضعٍ مختلف إذا استخلص الجيش الإسرائيلي العبر من الحرب. لو كان الجيش الإسرائيلي قد شن هجومه البري منذ البداية لكان بالإمكان الحد من حجم إطلاق صواريخ الكاتيوشا بصورة ملموسة، ولكانت منظمة "حزب الله" قد تلقت ضربة موجعة أكثر. من الوجهة الاستخباراتية سجل قسم الاستخبارات العسكرية إنجازاً مهماً حينما قدَّر وحذَّر بشكل واضح من تصعيد خطير في صيف العام 2006. الآن يوجد تقدير في هيئة الأركان العامة يشير إلى تزايد التهديدات العسكرية، وأعتقد أن هذا التقدير سيشكل حافزاً للجيش الإسرائيلي نحو استخلاص العبر والاستعداد لكل طارئ في المستقبل.

  • هل يتعين على إسرائيل الموافقة على عرض "الهدنة" الذي تقدمت به "حماس"؟

    • حركة "حماس" عرضت "الهدنة" من موقف ضعف، والساحة الفلسطينية لا تخضع لسيطرة جهة مركزية. فحتى إذا وافقت "حماس" على وقف لإطلاق النار فسوف تكون هناك عناصر أخرى تواصل أعمال "الإرهاب"، مثل الذراع العسكرية لحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" أو "لجان المقاومة الشعبية". المطلوب هو فقط توقف الفلسطينيين عن إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل وحينئذٍ سيسود وقف لإطلاق النار. إسرائيل تعمل عسكرياً في قطاع غزة لأن الفلسطينيين غير مستعدين للاعتراف بها ويواصلون مهاجمتها. ينبغي للغرب أن يفهم ذلك.

في فترة التسويات مع الفلسطينيين ازدادت الأصوات التي تحدثت في العالم العربي عن إسرائيل كحقيقة قائمة. في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد حرب لبنان الثانية، تعزز الاتجاه الراديكالي الممثل بإيران وسوريا و"حزب الله" وحركة "حماس"، هذا الاتجاه الذي يقول بإمكانية القضاء على إسرائيل. "الهدنة" المقترحة تعبر عن عدم استعداد للتعايش مع إسرائيل. رسالتنا لـ "حماس" يجب أن تكون واضحة: لن نعترف بكم إذا لم تعترفوا بنا.

  • هل هناك حل تكنولوجي لتهديد الصواريخ؟

    • كلفة تطوير سلاح مضاد للصواريخ باهظة جداً. وإذا ما وجد مثل هذا الحل فهو يتطلب استثمارات كبيرة. من ناحية استخباراتية لا يمكن توفير معلومات استخباراتية دقيقة عن أهداف تتعلق بكل ترسانة صواريخ موجودة في حوزة العدو، ولا سيما في ضوء حقيقة أن قسماً من شبكة أو ترسانة الصواريخ هذه متحرك. وفي مواجهة التهديدات الذرية، فإن الصواريخ البعيدة المدى وغيرها من الصواريخ التي تواجه إسرائيل تحديها في ظل اعتبارات وقيود تمويلية، تتطلب تحديد أولويات. أي أن الاستثمار في مواجهة تهديد الصواريخ البالستية والسلاح الذري يحظى بالأولوية العليا. لغاية الآن لم يجر تطوير منظومة مضادة للقذائف الصاروخية تعتبر معادلة التكلفة والفائدة فيها مجدية.

  • كيف يمكن ليهود الشتات مساعدة إسرائيل؟

    • أنا مؤمن بالتكافل المتبادل بين "شعب إسرائيل" و"توراة إسرائيل" و"أرض إسرائيل". إسرائيل هي المكان الوحيد الذي يمكن أن تتجسد فيه الجذور والتاريخ وبناء المستقبل. الاستيطان في "أرض إسرائيل" هو فرض وواجب مهم. وكمولود في المهجر فإنني أدرك وأعرف الصعوبات التي يواجهها اليهود في الهجرة إلى البلاد، كما يرددون في الصلوات، ولكن حتى في ظل هذا الوضع يمكن مد يد العون والمساعدة بواسطة التبرع وزيارة البلاد وإقامة صلة قوية أكثر بين يهود الشتات وإسرائيل. باستطاعة كل شخص أن يسهم بطريقته في تعزيز وحدة الشعب اليهودي حتى تتمكن الدولة من الاستمرار في التقدم والازدهار.

[ترجمة "مدار"]

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات