المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • وثائق وتقارير
  • 1313

أصدرت جمعية "خط للعامل" تقريراً جديداً تَلقى ملحق "المشهد الإسرائيلي" نسخة منه، يُلقي الضوء على الأوضاع والمشكلات التي يُعاني منها العُّمال التايلنديون في إسرائيل، الذين يتراوح عددهم ما بين 15 ألفاً و 20 ألف عامل يشتغل معظمهم في فرع الزراعة. وفي ما يلي تلخيص لأهم ما احتوى عليه هذا التقرير، إلى جانب مقال آخر حول أداء الكنيست في هذا الشأن

 

بات موضوع تشغيل العمال الأجانب في إسرائيل، والذين يُقدَّر عددهم بنحو 80 ألف عامل قانوني بالإضافة إلى عشرات الالاف من العُّمال غير القانونيين (لا توجد إحصائية رسمية دقيقة لعددهم الإجمالي)، من الظواهر التي تصفها أوساط حقوقية إسرائيلية مهتمة خلال السنوات الأخيرة بأنها "وصمة عار" على جبين الدولة العبرية، على الرغم من إكثار وإسهاب وسائل الإعلام والصحف الإسرائيلية في تناول الشروط اللاإنسانية وظروف الإستغلال البشع في تشغيل هؤلاء العمال الأجانب الذين شكلت نسبتهم (في العام 2002) 8,7% من قوة العمل في إسرائيل (إحتلت إسرائيل المكان الرابع عالمياً في سعة إنتشار ظاهرة تشغيل العُّمال الأجانب).

 

وقد لعِبت جمعية "خط للعامل" ومقرها في تل أبيب، دوراً نشطاً في الدفاع عن حقوق هؤلاء العمال، وغالبيتهم من دول أوروبا الشرقية الفقيرة ودول شرق آسيا، وفي كشف أوجه الإستغلال المريع وظروف العمل والسكن والحياة اللاإنسانية التي يلاقونها في إسرائيل، من خلال إصدار وتعميم نشرات وتقارير منتظمة تسلط الضوء على أوضاعهم.

 

قبل أيام أصدرت الجمعية تقريراً جديداً تَلقى ملحق "المشهد الإسرائيلي" نسخة منه، يُلقي الضوء على الأوضاع والمشكلات التي يُعاني منها العمال التايلنديون في إسرائيل، الذين يتراوح عددهم ما بين 15 ألفاً و 20 ألف عامل يشتغل معظمهم في فرع الزراعة. وفي ما يلي تلخيص لأهم ما احتوى عليه هذا التقرير:

 

تتكشف في وسائل الإعلام في كل أسبوع خلال الأشهر الأخيرة مشاهد مريعة لعمال تايلنديين يأوون إلى أقفاص أوز وحاويات معدنية وأحياناً إلى مُغرٍ وجحور تحت الأرض. ويأتي بث هذه الصور المنصّبة على أماكن السكن المرتجلة البائسة مصحوباً بتقرير جاف يقول "جاء من شرطة الهجرة أن هؤلاء العُّمال غير شرعيين، وقد تمّ اعتقالهم تمهيداً لطردهم إلى بلدهم الأصلي"، وذلك دون تفحص أو تحري الأسباب التي دفعت هؤلاء العُّمال إلى القبول بشروط السكن الفظيعة هذه.

 

وتقول جمعية "خط للعامل" في تقريرها إن توجه العُّمال التايلنديين إلى الجمعية كان أمراً نادراً في السنوات السابقة وبالتالي كانت المعرفة شحيحة بشروط تشغيلهم وبالمشكلات الشائعة التي يعانون منها. ولكن في أعقاب نشاطات وزيارات ميدانية جرت في السنة الأخيرة بدأت الجمعية تتلقى شكاوى من العُّمال كشفت واقعاً قاسياً جداً من الاستغلال، من جهة، وعجزاً تاماً لدى العُّمال إزاء هذا الواقع، من جهة أخرى.

 

ويُشير التقرير إلى أن المشكلة المركزية لدى العمال التايلنديين ليست بالضرورة انعدام الوعي بالحقوق، وإنما الخشية من رب العمل وعدم القدرة على العمل من أجل تحسين وضعهم. إذ باستطاعة صاحب العمل في أية لحظة يشاء أن يُقرر بشكل تعسفي عدم الاستمرار في تشغيل عمالة الأجانب الذين لا يتوفر لهم أي بديل تشغيلي آخر، خاصة في فرع الزراعة الذي يعمل فيه معظم التايلنديون، والذي تنعدم فيه بصورة شبه تامة إمكانية انتقال العُّمال إلى مكان (أو رب عمل) بديل، خلافاً لفروع أخرى مثل البناء. في ظِل هذا الوضع، فإن العامل (التايلندي) الذي يُقرِر رب عمله "التخلي عنه" سيجد نفسه إما مُرَّحلاً إلى المطار (تمهيداً لطرده) خلافاً لإرادته، أو الاضطرار لـ"الهرب" والبحث عن مكان عمل دون ترخيص قانوني.

 

وتمضي جمعية "خط للعامل" في تقريرها مبينة أن العمال التايلنديين يضطرون، بسبب انعدام إمكانية "الانتقال"، للرضوخ للأمر الواقع والاستمرار في عملهم لدى مُشَّغلهم القانوني حتى في ظل المس الفظيع بحقوقهم، سواء بتشغيلهم مقابل أجر زهيد (متدنٍ) أو بتأخير دفع أجورهم لعدة أشهر، وإجبارهم على إبقاء جوازات سفرهم في حوزة أرباب العمل (وهي ظاهرة منتشرة جداً رغم الحظر القانوني على ذلك)، ومطالبتهم بالعمل لساعات إضافية تتعدى الحد المعقول، وتشغيلهم في أعمال رش المزروعات بمبيدات خطرة دون وسائل وقاية.

 

في الماضي كان العمال التايلنديون يُجلَبون للعمل في إسرائيل لفترة محدودة بسنتين فقط... حالياً، وبعد التغيير في قانون الدخول إلى إسرائيل والذي يسمح بمكوث متواصل فيها لمدة خمس سنوات، رفعت شركات القوى البشرية رسوم الوساطة (السمسرة) التي يتعين على العُّمال دفعها لهذه الشركات إلى 7,000 دولار (لكل عامل)، وتُرهَن سنة العمل الأولى لتسديد هذا الدَين (رسوم السمسرة)، علماً أن أي تأخير في دفع الأجور خلال هذه الفترة يؤدي إلى تضخيم الدين بفائدة عالية متزايدة ما يلحق ضرراً شديداً بالعُّمال. ورغم الرسوم الباهظة التي يدفعها العُّمال بدعوى تمديد فترة مكوثهم (العقد مدته سنتان بشكل عام) مع وعود بتمديد العقد مستقبلاً، إلاّ أن بعض شركات القوى البشرية تسعى عملياً بعد السنة الأولى باتجاه اعتقال العُّمال وطردهم من البلاد.

 

العمال التايلنديون في فرع الزراعة

واقع وأسباب...

 

وتوضح "خط للعامل" في تقريرها الأسباب والعوامل التي تقف وراء الوضع السالف موجزة ذلك في عاملين رئيسيين، الأول- انعدام القدرة على الإتصال: فالعمال التايلنديون يشتغلون في قرى زراعية، تقع في الغالب في مناطق الضواحي البعيدة عن المدن. هذا الابتعاد الجغرافي ترافقه مشكلة لغوية لدى هؤلاء العمال الذين لا يتحدثون العبرية، كما أن غالبيتهم لا تُجيد اللغة الإنجليزية، ولذلك فإنهم يواجهون صعوبة في التوجه إلى جهات خارجية (خارج نطاق مكان عملهم) طلباً للمساعدة. أما الجهة المعروفة لديهم التي يمكن أن يتوجهوا لها بشكاواهم- سفارة تايلند في إسرائيل- فهي في أغلب الأحوال عاجزة تماماً عن تقديم أية مساعدة. علاوة على كل ذلك فإن العمال لا يعرفون بصورة عامة الاسم الكامل لرب عملهم الذي يَرهن لديه جوازات سفرهم، والتي بدونها من الصعب جداً مساعدتهم... (أحياناً يُقترَح عليهم العودة إلى تايلند كـ"حّل" لمشكلتهم؟!).

 

العامل الثاني- انعدام إمكانية إيجاد مكان عمل بديل: يخشى العمال الذين يقاسون من ظروف عمل وسكن متردية تقديم شكاوى. فبالإضافة إلى حقيقة أن أية مواجهة مباشرة مع رب العمل ستعرضهم إلى خطر الفصل من العمل (وحتى اقتيادهم على غير إرادتهم إلى المطار وطردهم من البلاد)، فإن فقدان مكان العمل يجر أيضاً إلى فقدان هؤلاء العمال لوضعهم القانوني وبالتالي تعريضهم لخطر الاعتقال والطرد. وحتى في الحالات التي يتحقق فيها مفتشو وزارة الصناعة والتجارة والسياحة من صحة شكاوى العُّمال فإن الدولة تمتنع عن مساعدة هؤلاء العُّمال في تنظيم مكانتهم لدى رب عمل آخر مرخص له بتشغيل أجانب.

 

وزارة الداخلية وإجراء "السماء المغلقة"

وبحسب تقرير جمعية "خط للعامل" فإن وزارة الداخلية (المسؤولة عن إصدار تصاريح الدخول للعّمال الأجانب) تُسهم بدورها في زيادة تعقيد وسوء الوضع على هذا الصعيد. إذ يُطبّق عملياً في فرع الزراعة إجراء يُسمى "إجراء سماء مغلقة" والذي يلزم أي مزارع إسرائيلي يطلب إحضار عمّال جدد، التوجه أولاً إلى السجون (التي تحوي عمّالاً أجانب موقوفين أو محتجزين لمكوثهم غير القانوني) وفقط في حال لم يوضع تحت تصرف هذا المزراع عمّال معتقلون تُعطى له الإمكانية، بعد انتظار لمدة شهر، بإحضار عمّال من تايلند مباشرة. ومن ناحية عملية فإن "شرطة الهجرة" تُفضِّل على ما يبدو طرد العمال المحتجزين حسب "حصص" الطرد المحددة لهذه الشرطة، ومن هنا فإن العمال التايلنديين هم الذين يدفعون الثمن (في حالة العُّمال الذين قابلناهم، جميعهم من العُّمال "القانونيين" تماماً) حيث يمرون بعملية اعتقال مُذِّلة، يجهلون خلالها ما سيحل بمصيرهم الذي يؤول في الغالب إلى إعادتهم إلى بلدهم على الرغم من فترة مكوثهم القصيرة في البلاد.

 

وترفض وزارة الداخلية بشدة تحويل العمال الذين يتركون أرباب عملهم لظروف وأسباب محقة ومبررة إلى أرباب عمل يمتلكون تراخيص (تصاريح) غير مستغلة أو شاغرة، على الرغم من حقيقة توفر معلومات عن مثل هؤلاء المُشغِّلين (أرباب العمل) في حوزة الوزارة المذكورة (الداخلية) التي تعتبر الجهة الوحيدة التي تستطيع إجبار مُشغلين كهؤلاء على استيعاب عمّال يمكثون في إسرائيل بدلاً من استيراد عمّال من الخارج (مثلما يجري الأمر مع عمّال معتقلين بموجب إجراء "السماء المغلقة").

 

وتستنتج "خط للعامل" في هذا السياق أن وزارة الداخلية لا مصلحة لها، على ما يظهر، في تقليص استيراد العمالة الأجنبية، حماية كما يبدو "لصناعة رسوم الوساطة والسمسرة" المرافقة لذلك، في إشارة واضحة لـ "علاقات" و"رشاوى" فساد يتلقاها مسؤولون كبار في هذه الوزارة وغيرها. وساق تقرير "خط للعامل" مثالاً على ذلك قضية الوزير الليكودي غدعون عزرا، والتي كُشِف فيها عن أن عزرا (عندما كان في منصب نائب وزير) عمل من أجل استصدار تصاريح دخول لعّمال تايلنديين جُدد لحساب "صديق" له من أصحاب شركات القوى البشرية (...)

 

لا حل سِوى "الفرار"

ويستطرد التقرير مبيناً أنه في ضوء الديون التي تتراكم على العمال جراء دفع رسوم "السمسرة"، وكذلك بسبب سياسة الطرد، فإن الشرط الذي لا مفر من توفره كي يجرؤ العمال على المطالبة بحقوقهم أو التوجه بالشكوى هو وجود مكان عمل بديل، لكن هذا الشرط غير متوفر بالنسبة للعمال التايلنديين الذين يعملون في فرع الزراعة. من هنا يغدو الحل الوحيد أمام هؤلاء العمال، في ظل عدم وجود أي مخرج آخر، هو حزم أمتعتهم و"الهرب" بحثاً عن مكان عمل ومصدر رزق بديل. بصورة عامة يترك هؤلاء العمال وراءهم جواز السفر المرهون لدى صاحب العمل، إضافة إلى أن ترك مكان العمل (القانوني) في حد ذاته يُعّرِض العمال إلى خطر الاعتقال والطرد، لكن ذلك يُشكِّل في نظرهم، بصفة عامة، المخرج الوحيد المتاح. في هذه المرحلة يتم تشغيل هؤلاء العمال ("الفارين") بدون تأمين طبي ودون توفر سكن ملائم ولو بالحد الأدنى (يأوون إلى أحراش ومبان مهجورة وكهوف وما شابه)، وهناك من يضطر منهم للهرب إلى مناطق ومستوطنات تقع خارج الخط الأخضر (إلى مستوطنات غوش قطيف في قطاع غزة مثلاً)، وذلك تخوفاً من "شرطة الهجرة" وخطر الطرد.

 

تأخير دفع الأجور: غالبية شكاوى العُّمال التايلنديين التي تلقتها الجمعية تتعلق بتأخير دفع الأجور، الذي يستمر أحياناً لأشهر عديدة. غير أن هناك أصحاب عمل يؤخرون دفع أجور العمال بصورة منهجية كوسيلة لرهن وتكبيل العمال ومنعهم من "الهرب". وهناك من يتبع وسيلة أخرى للغرض ذاته وهي دفع مخصص معيشة متدنٍ للعمال، فيما يتم تحويل بقية مبلغ الأجر إلى تايلند دون أن تترك للعامل إمكانية اختيار الجزء أو المبلغ الذي يرغب بإبقائه من أجره في حوزته.

 

سمسرة واستغلال بشع

يتعين على العمال أن يدفعوا لشركات القوى البشرية التايلندية التي تعمل بالتعاون مع شركات قوى بشرية إسرائيلية رسوم سمسرة تتراوح بين أربعة آلاف وسبعة آلاف دولار أميركي. هذه الشركات لها مصلحة بجلب أكبر عدد من العمال إلى إسرائيل حتى أن قسماً منها يدفع مبالغ تتراوح بين 500 و1500 دولار عن كل عامل يتم جلبه إلى البلاد بواسطتها. مؤخراً رفعت شركات القوى البشرية تسعيرة رسوم السمسرة إلى سبعة آلاف دولار بذريعة أن تعديل قانون الدخول إلى إسرائيل يتيح الآن للعمال المكوث في البلاد لمدة تصل إلى خمس سنوات على التوالي. لكن ما يحصل فعلياً هو أن هذه الشركات وأرباب العمل يقومون بتسليم العمال للشرطة أو يقتادونهم قَسراً إلى مطار بن غوريون (اللد) بعد مرور سنتين فقط على مكوث العمال في البلاد، وذلك فقط بهدف جلب عمّال جدد مكانهم، وهذه الظاهرة إزدادت بشكل ملموس منذ بداية العام الجاري 2005، عقب إلغاء تجميد إصدار تصاريح جلب عمّال جدد في فرع الزراعة.

 

ظاهرة "بيع" العمال

تقول جمعية "خط للعامل" في تقريرها، إنها علمت بوجود هذه الظاهرة ("بيع" العمال التايلنديين..) من خلال أرباب عمل طلبوا مزيداً من الأيدي العاملة لكنهم حصلوا على عدد محدود من التصاريح. وبحسب ما رواه هؤلاء فإن ممثلي شركات القوى البشرية يشجعون أرباب عمل من المزارعين على خداع السلطات المختصة بطلب تصاريح لتشغيل عمّال في الزراعة رغم عدم توفر أماكن عمل شاغرة لديهم، وبهذه الطريقة يتلقى هؤلاء المزارعون حصتهم من رسوم السمسرة لقاء إحضار العمال (حوالي 1000 دولار عن كل عامل) ويقومون "ببيع" العمال فور وصولهم إلى البلاد. وهكذا تقوم شركة القوى البشرية بدورها بنقل (بيع) العمال من مُزارع إلى آخر لفترة قصيرة في كل مرة، وبطبيعة الحال دون تنظيم ذلك بموجب ترخيص قانوني. في بعض الحالات لا يتلقى العمال نهائياً أجرهم قبل نقلهم إلى مُشغِّل آخر، وفي نهاية المطاف يتم اعتقالهم في مداهمة بوليسية دون أن يقترفوا أي جرم. في إحدى الحالات التي تولت جمعية "خط للعامل" معالجتها قامت وزارة الداخلية بإطلاق سراح العمال من الاعتقال وإعادتهم إلى صاحب العمل الذي جلبهم إلى البلاد (والذي لم يعملوا لديه قط) لكن الأخير قام بعد نصف ساعة فقط بإعادة هؤلاء العمال إلى صاحب العمل (الذي "اشتراهم") الذي كانوا يعملون لديه عند إعتقالهم.

 

بالإضافة إلى ذلك، تُشير الجمعية في تقريرها، إلى أن "نظام التقييد" أو "الربط" المتبع (والذي تكون بموجبه فترة تأشيرة المكوث للعامل مربوطة- مرهونة- برب عمله) يعاظم من سلطة رب العمل ويخلق نوعاً من "الملكية الخاصة" للعامل لديه. وقد تولد انطباع من خلال أحاديث مع مُشغِّلين لعمال تايلنديين بأنهم يرون في العامل جزءاً من ممتلكاتهم الخاصة.

 

إعتقال في ظروف سيئة ومصير مجهول ...

ويتطرق تقرير "خط للعامل" إلى أوجه أخرى من المعانيات والمشكلات التي تعتري أوضاع العمال التايلنديين في إسرائيل، ويقول:

نظراً لأن إحتجاز جواز سفر العامل لدى رب العمل أضحى بمثابة عُرف مُتبع في فرع الزراعة فإن غالبية العمال لا يعرفون مطلقاً بأن تأشيرة مكوثهم لم تُنظم قانونياً، فأحياناً لا يعبأ رب العمل بتمديد تأشيرات المكوث في وزارة الداخلية وهو في الغالب يتعمد ذلك حتى يوفر على نفسه دفع الرسوم اللازمة عن تشغيل عمّال أجانب لديه. وفي الكثير من الأحيان تقوم شركات القوى البشرية بنقل العمال من مُشغِّل إلى آخر دون أن تنسق الأمر مع وزارة الداخلية. وهكذا فإن العمال لا يكتشفون، سوى بعد وقوع مداهمة شرطية (لأماكن عملهم أو سكناهم)، بأنهم يمكثون عملياً في البلاد بصفة غير قانونية مما يعرضهم بالتالي للاعتقال، وذلك على الرغم من حقيقة دفعهم لرسوم السمسرة المرتفعة من أجل العمل في إسرائيل قانونياً (؟!).

وتُضيف الجمعية في تقريرها: أثناء زيارة قمنا بها لسجن "رينسانس" (كان سابقاً فندق) عند المدخل الجنوبي للناصرة، التقينا بعمّال تايلنديين معتقلين هناك يتلخص كل جُرمهم في أن وزارة الصناعة والتجارة قلّصت عدد التصاريح لأرباب عملهم، ونتيجة لذلك اقتادتهم شركة القوى البشرية لتسلمهم إلى شرطة الهجرة، التي وعدتهم بإيجاد مُشغِّل جديد لهم، لكنهم مكثوا في السجن قرابة شهر في ظروف قاسية، إلى أن سويت مشكلتهم قانونياً.

وتتطرق الجمعية إلى ظروف إعتقال العمال التايلنديين في السجن المذكور مشيرة إلى ان ممثليها وخلال زيارتهم للسجن وجدوا هؤلاء العمال (المحتجزين) في حالة يأس وإحباط وعجز، تُفاقمها أكثر حقيقة أن أياً من أفراد طاقم السجن لا يتحدث لغتهم إضافة إلى جهلهم التام بما سيؤول إليه وضعهم (الطرد أو الإفراج). وبالإضافة إلى الظروف السيئة التي يُحتجز فيها العمال في سجن "رينسانس"، فقد لاحظ مندوبو الجمعية محاولة من جانب الشرطة للتكتم على شكاوى عمّال تايلنديين حول اعتداءات بالضرب تعرضوا لها في حالات عديدة في أماكن عملهم، وقد تبين أن الشرطة لم تقم حتى بتسجيل مثل هذه الشكاوى.

 

"اتفاق ضمني" على زيادة الإستغلال

وتُجمل جمعية "خط للعامل" في خلاصة تقريرها بالقول:

خَصصت الحكومة الإسرائيلية في السنة الأخيرة كوتة تصل إلى 26 ألف تأشيرة لعّمال أجانب في مجال الزراعة، استغل منها فعلياً نحو 24,800 تأشيرة (حسب المعطيات الرسمية التي قدمت إلى جلسة لجنة الكنيست لشؤون العمال الأجانب التي عقدت في شهر تشرين الأول من العام الماضي)، علماً أن الغالبية العظمى من العمال الذين أُحضِروا إلى إسرائيل للعمل في الزراعة هم من المستقدمين من تايلند. ويتلقى العمال قبل مجيئهم (وهم في تايلند) معلومات معينة عن العمل المرتقب في إسرائيل، لكن هذه المعلومات لا تنطوي عملياً على أية تهيئة حقيقية لما ينتظر هؤلاء العُّمال (من شروط عمل وأجور وظروف سكن وخلافه) بعد وصولهم إلى البلاد.

 

ويَختم التقرير: الخروقات والانتهاكات السائدة لشروط تشغيل وأجر العمال التايلنديين في الزراعة، والسهولة النسبية في انتهاك حقوقهم بما في ذلك بسبب سمات العمال أنفسهم، وتقاعس السلطات المختصة عن متابعة تطبيق حقوقهم... كل هذه الأمور تولد شكوكاً ومخاوف من وجود موافقة ضمنية (بمعنى "مؤامرة صمت") حيال هذا الوضع من جانب سائر الجهات الرسمية المكلفة بمراقبة ومنع المس بهؤلاء العمال وبحقوقهم.

وتُنهي الجمعية تقريرها جازمة:

"لا مفر من الاستنتاج بأن جلب العمال التايلنديين للعمل في فرع الزراعة، دون ضمان توفر حماية حقيقية لهم، ما هو إلاّ وسيلة إبتكرتها حكومة إسرائيل لدعم المزارعين الإسرائيليين"...

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات