المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يقبع في سجون اسرائيل منذ عديد السنوات العشرات من السجناء الامنيين الفلسطينيين من مواطني إسرائيل. وغالبيتهم الساحقة تمت ادانتهم في عمليات لم يقتل فيها أي شخص، وقلة قليلة هي المحكومة بقضايا قتل، وبعضهم ينفي مشاركته في العمليات منذ سنوات طوال.

وعلى الرغم من خضوع إسرائيل لسلسلة من المفاوضات حول تبادل الاسرى مع دول عربية ومع جهات فلسطينية، إلا ان قوائم السجناء الامنيين هؤلاء لم تكن تصل الى طاولة المفاوضات باصرار اسرائيلي، بادعاء انهم مواطنو إسرائيل. ويسري هذا الوضع ايضا على الاسرى الفلسطينيين مواطني القدس المحتلة، بادعاء انهم يحملون بطاقات هوية اسرائيلية، ولكن ربما تبقى قضيتهم أخف وطأة من زملائهم مواطني (الـ 48).

لكن إسرائيل التي تصر على ان هؤلاء السجناء هم مواطنوها، "ولا حق لأي جهة خارجية بطرح قضيتهم"، تعلن أنهم مواطنوها فقط حين يجري الحديث عن مفاوضات لاطلاق سراحهم، ولكن في داخل السجون فإن معاملتهم لا تختلف عن معاملة سائر الأسرى الفلسطينيين من الضفة والقطاع والأسرى العرب من الدول العربية.

ولا تطبق اسرائيل عليهم أيا من قوانين وانظمة سير حياة السجناء المدنيين والجنائيين لديها، بمعنى الحق بالعطلة وزيارة البيت كل فترة معينة، والالتقاء بأهاليهم مرّة اسبوعيا، والاتصال الهاتفي. ولكن الأخطر من ذلك انها ترفض ايضا منحهم "عفو الثلث"، وهو العفو الذي يمنح للسجناء الاسرائيليين ويتم فيه خصم ثلث المحكومية، بمن فيهم الإرهابيون اليهود الذي يحصلون على عفو اكثر بكثير، في اطار ما يسمى "حسن السلوك في السجون".

كما ان مؤسسة الرئاسة الاسرائيلية التي لها صلاحيات العفو تتشدد في التعامل مع هؤلاء السجناء تنفيذا لأوامر استخباراتية وسياسية عليا. عدا عن ذلك فإن السجن المؤبد في اسرائيل غير محدد، وتحديده هو من صلاحية مؤسسة رئاسة الدولة الاسرائيلية، ولهذا فإننا نرى ان السجن المؤبد في الحالات الجنائية يتراوح عادة ما بين 20 عاما الى 25 عاما، وهناك حالات أقل، وحالات نادرة جدا تصل الى 30 عاما.

أما حين يجري الحديث عن ارهابيين يهود، وهذا ما سنلحظه في هذه المعالجة، فإن السجن المؤبد قد يصل الى اقل من ست سنوات، كما في حالة الارهابي السفاح عامي بوبر الذي ارتكب مجزرة ريشون لتسيون، وحكم عليه بالسجن سبعة مؤبدات، جعل رئيس الدولة مجموعها 40 عاما فقط! وفي المقابل سنرى ان حكم مؤبد واحد على فلسطيني أصبح، بقدرة قادر، 40 عاما.

قائمة نموذجية لمحكوميات الارهابيين اليهود

* الارهابي دافيد بن شيمول، أطلق قذيفة على حافلة ركاب مليئة بالعرب، فقتل نتيجة لذلك شخص وأصيب العشرات، وقد حكم عليه بالسجن المؤبد. وبما أن الحكم المؤبد ليس محددا في اسرائيل وتحديده هو من صلاحية رئيس الدولة، فقد حدده في حينه بـ 17 عاما فقط، ولكن أطلق سراحه بعد 11 عاما من جريمته التي ارتكبها في سنوات الثمانين.

* الارهابي نحشون فولس، قتل في العام 1995 الفلسطينية عزيزة جابر حين كانت حاملا وفي طريقها للولادة، فحكم عليه بالسجن المؤبد ولكنه حصل على عفو رئاسي وخرج من السجن بعد خمس سنوات.

* الارهابي نير عفروني، قتل فلسطينيا واطلق سراحه بعد خمس سنوات.

* الارهابي هاري غيدمان، قتل مصلين اثنين في باحة المسجد الاقصى المبارك في العام 1982، فحكم عليه بالسجن المؤبد ولكن اطلق سراحه بعد 14 عاما.

* الاهاربيون داني آيزمان وميخائيل هيلل وغالي فاكس، قتلوا سائق التاكسي خميس توتنجي، وحكم عليهم بالسجن المؤبد، فأطلق سراح هيلل بعد ست سنوات، وأطلق سراح الاثنين الآخرين بعد اقل من 10 سنوات.

* الارهابيون "فتيان كهانا"، قتلوا في العام 1992 مسنا في سوق البلدة القديمة في القدس المحتلة، وحكم عليهم بالسجن ما بين ثماني الى 12 عاما، وبعد اربع سنوات حصلوا على عفو رئاسي واطلق سراحهم.

* الارهابي يورام شكولنيك، قتل بدم بادر في العام 1993 أسيرًا فلسطينيًا مقيد اليدين، وحكم عليه بالسجن المؤبد واطلق سراحه بعد سبع سنوات.

* الارهابي دانيال موريال، قتل في العام 1994 سائق الشاحنة حسن سلايمة، وحكم عليه بالسجن المؤبد، وتم تحديد الحكم عليه بحوالي 20 عاما، ومن المتوقع اطلاق سراحه قريبا.

* الارهابي عامي بوبر، نفذ في العام 1990 مجزرة ريشون لتسيون وقتل سبعة عمال فلسطينيين واصاب 14 آخرين، وحكم عليه بالسجن سبعة مؤبدات، ولكن رئاسة الدولة الاسرائيلية، حددت حكمه بالسجن لاربعين عاما، بدلا من 210 اعوام. وليس هذا فحسب، بل إن هذا الإرهابي الخطير يحظى بشروط "فندق"، فخلال هذه الفترة سمح له بالزواج وإنجاب أولاد وله خمسة ابناء، وهو يقضي جل ساعات اليوم خارج السجن في المعاهد الدينية، ويمضي يومي الجمعة والسبت في بيته، بالاضافة الى عطل الاعياد وعطل عادية من السجن. وبهذه الشروط يعني انه سيمضي على الاكثر ثلثي المدة، بمعنى 26 عاما، اي سيطلق سراحه بعد 10 اعوام، وقد يكون قبل هذا بكثير.

* حتى الارهابي يغئال عمير، الذي قتل رئيس الحكومة الاسرائيلية الاسبق يتسحاق رابين، لانه وقع اتفاقيات اوسلو، وحكم عليه بالسجن المؤبد، فإن شروط سجنه مخففة، ويحظى بزيارات عائلية حرّة واسبوعية، ومن دون اي حواجز بينه وبين زائريه كما هي الحال مع السجناء العرب.

السجناء الأمنيون العرب

وللمقارنة نعرض أمامكم هنا عددا من السجناء الامنيين من فلسطينيي 48، الذين لم ينفذوا عمليات او جرائم، اغلبها تخطيط او انتماء، وهؤلاء لا تشملهم أي صفقة أو مفاوضات حول تبادل اسرى.

* محمد منصور زيادة، من مدينة اللد، ابن 51 عاما متزوج واب لسبعة اولاد، حكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة القاء قنبلة على حافلة تقل جنودا، ولكن القنبلة لم تنفجر، ولم تحدث اي ضرر، وهو يقبع في السجون منذ 18 عاما، وترفض رئاسة الدولة تحديد مدة محكوميته، كما رفضت سلطات السجون ان يشارك في حفلات زفاف ابنائه.

* مخلص أحمد برغال، من مدينة اللد، وتهمته كتهمة محمد زيادة السابق ذكرها، وحكم عليه بالسجن المؤبد، وتحدد الحكم باربعين عاما، رفضوا اشراكه بجنازة والده ولا زيارة قبره.

* حافظ نمر قندس، حكم عليه بالسجن 28 عاما، بتهمة القاء قنبلة على مسؤول الوقف الاسلامي في مدينة يافا بعد ان اتضح ان المسؤول كان ينوي يبع المقبرة الاسلامية لشركة بناء، ولكن القنبلة لم تحدث اي انفجار، وهو يقبع في السجن منذ 21 عاما، وترفض لجنة الاعفاءات خصم ثلث المدة عنه.

* محمود ومحمد جبارين، من ام الفحم، حكم عليهما بالسجن المؤبد بتهمة قتل عميل فلسطيني، ويقبعان في السجن منذ 17 عاما وتحدد الحكم عليهما بثلاثين عاما، ولكن الملفت للنظر ان شركاءهما في العملية هم من الضفة الغربية المحتلة واطلق سراحهم ضمن صفقات اطلاق سراح الاسرى قبل سبع سنوات.

* سمير سرساوي وعلي عمرية، من قرية ابطن، محكومان بالمؤبد بتهمة القاء قنبلة وإحداث أضرار، يقبعان في السجن منذ 17 عاما، وتحدد حكمهما بأربعين عاما.

* وليد دقة ورشدي حمدان أبو مخ وإبراهيم نايف أبو مخ وإبراهيم عبد الرازق بيادسة، من مدينة باقة الغربية، محكومون بالسجن المؤبد بتهمة خطف وقتل جندي في العام 1984، ويقبعون في السجن منذ 21 عاما، وعلى الرغم من نفي وليد للتهمة طوال هذه الفترة، لم تحدّد الرئاسة الحكم عليهم.

* سامي يونس (ابن 76 عاما) محكوم بالسجن المؤبد بتهمة خطف وقتل جندي في العام 1981، ويقبع في السجن منذ 22 عاما وتحدد حكمه بالسجن 40 عاما، ومعه كريم يونس وماهر يونس ولكن حكم المؤبد عليهما لم يحدد.

* احمد أبو جابر، من كفر قاسم، حكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة خطف وقتل جندي في العام 1984، ويقبع في السجن منذ 19 عاما، ولم يحدد الحكم عليه.

* وصفي منصور ابن 70 عاما، من مدينة الطيرة، محكوم بالمؤبد بتهمة اصابة جندي نتيجة انفجار قنبلة وضعها في حافلة، وتحدد حكمه بثلاثين عاما، ويقبع في السجن منذ 18 عاما.

* بشير الخطيب، من مدينة الرملة، محكوم بالمؤبد، ويقبع في السجن منذ 17 عاما بتهمة قتل جندي، ولم يتحدد الحكم عليه.

ولكن ليس هذا فحسب فجميع هؤلاء السجناء لا يحظون بأي عطل من السجن، ويقبعون في ظروف قاسية جدا، كما ان الزيارات لهم تتم مرة كل اسبوعين ولمدة 45 دقيقة، ويحظر عليهم مصافحة او عناق اهاليهم، إذ انه بينهم وبين زائريهم حواجز زجاجية.

ظروف سجن مشددة

مما تقدم في القائمتين نرى ان هناك سجناء عربا تم اعتقالهم وادانتهم على قضايا، ومنها قتل فيها جندي اسرائيلي، او محاولة لتفجير، وهؤلاء يقبعون في السجون منذ اكثر من عشرين عاما، وخلال السنوات العشرين واكثر، تم سجن عدد من الارهابيين اليهود الذين ارتكبوا عمليات قتل وحشية ضد مدنيين، وحكم عليهم لسنوات طويلة وأطلق سراحهم، ومنهم من يقود الآن عصابات المستوطنين ومجموعات الارهابيين اليهود.

لقد اشارت سلسلة من الدراسات الجماعية والأبحاث الحقوقية إلى ظاهرة التمييز العنصري التي تتفشى في الجهاز القضائي في إسرائيل. وهناك دراسات تؤكد ان الاحكام التي تفرض على العرب هي ضعف، واحيانا أضعاف، الحكم الذي يفرض على اليهودي الذي ارتكب نفس المخالفة، بغض النظر عن كونها مخالفة مدنية او جنائية، فكيف ستكون الحال إذا كانت أمنية.

يعاني اهالي السجناء الامنيين العرب ومعهم بطبيعة الحال السجناء انفسهم، من ظروف سجن قاسية ووحشية، إذ يحظر على الاهالي ان يلمسوا ابناءهم، وفي زيارات السجن، وكما هي الحال مع الأسرى الفلسطينيين من الضفة والقطاع، هناك حاجز زجاجي بين الزائرين والسجناء، كما ان هذه الزيارة لا تتم إلا مرّة كل اسبوعين ولفترة 45 دقيقة.

ومما سبق نفهم ان هؤلاء السجناء محرومون حتى من زيارة بيوتهم في حالات إنسانية، مثل زواج الابناء والاشقاء، او لإلقاء نظرة الوداع على ابن العائلة من الدرجة الاولى الذي يتوفى، وغير هذا.

ومن المفترض أن تبحث اللجنة البرلمانية للشؤون القضائية والقانون، في الاسابيع القليلة القادمة، هذا الموضوع، بناء على طلب تقدم به النائب محمد بركة. ولكن من المستبعد جدا ان يكون بإمكان هذه اللجنة ان تحرك هذه القضية الحارقة.

المصطلحات المستخدمة:

ريشون لتسيون, رئيس الحكومة, اوسلو, اللد

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات