المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

فصل من تقرير إستراتيجي جديد نشره "معهد القدس للدراسات الإسرائيلية" حول "مفهوم إدارة النزاع مع الفلسطينيين" في السياسة الإسرائيلية خلال السنوات الأخيرة 2000- 2004 (الترجمة العربية الكاملة للتقرير صدرت أخيرًا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، ضمن سلسلة "أوراق إسرائيلية")

يتطلب القيام بتقييم شامل ودقيق لميزان الربح والخسارة الناجم عن مفهوم إسرائيل في إدارة النزاع خلال سنوات المواجهة العنيفة الأربع، منذ نهاية أيلول 2000، منظورًا مستمرًا. لكن على رغم انعدام منظور كاف فإن هناك حاجة إلى هذا النقاش، خصوصًا في ضوء قرار رئيس الحكومة تبني سياسة إدارة جديدة تشمل إقامة جدار الفصل والانفصال. ويمكن، في مدى معين، أن نرى ذلك بمثابة تدشين فصل جديد في سياسة إدارة النزاع من قبل إسرائيل، بل وربما تدشين بنية إدارة جديد. لكن يبدو أن هذه البنية تستند، في صلبها، إلى منطلقات أساسية يحوم الشك حول سريان مفعول قسم منها على الأقل.

مفهوم النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني في نظر المستوى السياسي، على ما فيه من منطلقات أساسية مركزية، هو العامل المركزي الذي يوجّه مفهوم إدارة النزاع. وخلال فترة قصيرة نسبيًا (1993 – 2001) تغير المفهوم السياسي بصورة جذرية مرتين.

التغيير البنيوي- الدراماتيكي الأول، الذي أتاح عملية أوسلو، استند إلى منطلق أساسي مفاده أنه ليس فقط يمكن تسوية النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني بالتدريج وعلى أساس دولتين للشعبين، وإنما ثمة أيضًا مصلحة حيوية لإسرائيل في هذا الأمر. غير أن فشل عملية أوسلو والعنف الفلسطيني المدبّر أدّيا، تدريجيًا، إلى تغيير بنيوي ثان (بعد انتخابات شباط 2001) يستند إلى منطلق أساسي مختلف: ما من احتمال في المرحلة الحالية لتسوية النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني بسبب غياب شريك فلسطيني لهذا الأمر، وعليه فإن الخيار الوحيد المفتوح أمام إسرائيل هو إدارة النزاع بشكل أحادي الجانب، من أجل التأدية إلى إنهاء سريع للعنف الفلسطيني عبر سلب أية إنجازات عسكرية وسياسية من الفلسطينيين.

التغييرات في مستوى العنف الفلسطيني، وبصورة رئيسية العمليات الانتحارية، أصبحت العنصر المركزي في الرؤية الإسرائيلية حيال المواجهة مع الفلسطينيين، وأثرت على المفاهيم السياسية، الإستراتيجية- العسكرية والعملياتية. طالما جرى فهم العنف الفلسطيني بأنه انتفاضة شعبية أو وسيلة مساومة في العملية السياسية، فإنه لم يؤطر كتهديد إستراتيجي حقيقي على إسرائيل، ولذا فإن المواجهة انحصرت في احتواء هذا العنف وتقليصه كي لا يخّرب العملية السياسية. غير أن سياسة الاحتواء لم يتم تنفيذها من قبل المستوى العسكري بروح توجيهات المستوى السياسي. وكانت النتيجة تصعيدًا غير مرغوب في المواجهة.

بعد الانتخابات في إسرائيل، في شباط 2001، مع إيقاف العملية السياسية ومع التصعيد الذي طرأ على المواجهة، جرى فهم العنف بأنه موجّه من قبل السلطة الفلسطينية وبأنه خطر إستراتيجي يتهدّد وجود دولة إسرائيل وأمنها. ووفقًا لذلك ففي المرحلة الأولى من المواجهة تمحورت الأهداف الإسرائيلية حول تقليل العنف وسلب أي إنجاز عسكري وسياسي من الفلسطينيين، عبر الأمل بالتوصل إلى تسوية سياسية. في المرحلة اللاحقة كان الهدف وقف العنف بواسطة الحسم العسكري للمواجهة، من منطلق الإقرار بأن الفلسطينيين ليسوا شريكًا للسلام ولا احتمال ملموسًا لتجديد العملية السياسية، إذ أن عرفات معني بإبادة إسرائيل.

من ناحية إسرائيل أحرزت إدارة النزاع العنيف مع الفلسطينيين حتى الآن نجاحًا سياسيًا- عسكريًا جزئيًا فقط. يجدر التذكر بأن المواجهة العسكرية فرضت على إسرائيل عندما كانت حكومتها مستعدة للوصول إلى تسوية سياسية مع الفلسطينيين، طبقًا لشروطها هي، على أساس دولتين للشعبين. وحتى الآن أفلحت إسرائيل في منع الفلسطينيين من تحقيق أهدافهم : إحراز إقامة دولة فلسطينية حسب شروط الفلسطينيين المفضلة، توسيع رقعة النزاع إلى نزاع إقليمي عام من خلال ضم لاعبين عرب إضافيين إلى دائرة العنف الفعلي، وأيضًا تدويل النزاع بواسطة استدعاء قوات دولية إلى المنطقة. مع ذلك لم تفلح إسرائيل في تقليص دافعية حملة السلاح لمداومة المواجهة وفي منع حزب الله وإيران من تمويل الإرهاب ونقل سلاح وذخيرة ومعلومات في ميدان الأعمال التخريبية إلى المناطق.

الفلسطينيون من جهتهم يؤمنون بأنه رغم الفجوات الكبيرة في غير صالحهم القائمة في ميزان القوى فقد أفلحوا في منع إسرائيل من تحقيق أهدافها في المواجهة، بواسطة ممارسة تفوقها، أي بواسطة فرض شروطها على الاتفاق. فضلاً عن ذلك فإن خطة الانفصال يتم تفسيرها كاعتراف إسرائيلي بالفشل وكانتصار لهم. يبدو أنه نشأ عمليًا ما يشبه "التعادل الإستراتيجي" بين الطرفين: الطرفان غارقان في طريق مسدود مؤلم ومتبادل، دون قدرة على تطوير معادلة لإنهاء المواجهة العنيفة وتجديد عملية سياسية ما. هذه الوضعية تضطر إسرائيل للاتجاه إلى إستراتيجية انفصال أحادي الجانب لا تنطوي بالضرورة على أمل حقيقي بتغيير النزاع العنيف.

منحت أحداث 11 أيلول 2001 إسرائيل شرعية دولية، وبالأساس أميركية، لكي "تصعد درجة" في أنماط الرد العسكري على الإرهاب (بما في ذلك احتلال مدن الضفة من جديد وفرض الحصار المستمر على عرفات). وقبلت إدارة بوش الموقف الإسرائيلي الذي يرفض عرفات كشريك شرعي لعملية سياسية وطرحت برنامج الإصلاحات (حزيران 2002) للسلطة الفلسطينية شرطًا لتجديد العملية السياسية. مع ذلك فان "خارطة الطريق" جذّرت مبادرة بوش، وهي أقل راحة لإسرائيل، ومن شأنها أن تشكل، في المستقبل أيضًا، إطارًا سياسيًا دوليًا لتسوية النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني.

ورغم الثمن الدموي الباهظ والتكلفة الاقتصادية البالغة حوالي 50 مليار شيكل، لم ينكسر المجتمع الإسرائيلي وأفلح في الحفاظ على مستوى تكافل عال نسبيًا. وذلك من منطلق الإقرار والاقتناع في أوساط معظم الإسرائيليين بأن السلطة الفلسطينية ليست شريكة في المفاوضات، وهي المسؤولة الوحيدة عن تفجر العنف وتصعيده. مع ذلك فإن ثمن المواجهة هو غير محتمل حقًا، ولم يسجّل حتى الآن نجاح في ضمان أمن مواطني إسرائيل. فضلاً عن ذلك فإنه خلال سنوات المواجهة الأربع تعمق الفقر بنطاق كبير وازدادت الفجوات الاجتماعية بوتائر مقلقة.

تجدر الإشارة إلى أنه تبلورت في المجتمع الإسرائيلي بمرور الوقت أقلية ليست صغيرة أعربت عن انتقادها لسياسة حكومة شارون. هذه الأقلية تؤيد تجديد المفاوضات مع الفلسطينيين وقد نمت من صفوفها مبادرات مختلفة لتحقيق هذا الخيار بالاشتراك مع عناصر جماهيرية وقيادية من التيار المركزي الفلسطيني (مثل مبادرة "الإحصاء القومي" ومبادرة جنيف). إضافة لذلك تطورت ردود احتجاجية مختلفة، بما فيها حتى رفض الخدمة العسكرية في المناطق، وذلك أيضًا في أوساط النخب العسكرية مثل الطيارين ووحدة "سييرت متكال" المختارة.

التغيير البنيوي الثاني الذي تنكر لإمكانية تسوية النزاع وإمكانية عملية سياسية في غياب شريك فلسطيني، أو طالما بقي عرفات هو الشريك الفلسطيني الموعود، جعل خيار عنف النزاع الخيار الوحيد. وهكذا تم رفض إمكانية تفحص خيارات إدارة أخرى، مثل تسويات مرحلية أو تسويات سياسية أخرى هي أدنى من تسوية النزاع. فضلاً عن ذلك فان التمحور حول عرفات وشخصيته كأساس رئيسي في النزاع، شوّش الفهم حيال جذور الأزمة وخلق انطباعًا كما لو أن إزاحته ستزيل كل العقبات. وأدى هذا التمحور أيضًا إلى التغاضي جزئيًا عن السياقات السياسية والاجتماعية التي تطورت فيها المواجهة، وكذلك أدى إلى التغاضي عن مخاطر غياب أفق سياسي وعن أبعاد المسّ المتواصل بالبنى التحتية للسلطة ومنظومة أمنها. وقد قوّض تدمير السلطة الفلسطينية إمكانية وجود شريك للتسوية.

إسرائيل أفلحت حقًا في أن تقلص إلى درجة كبيرة نطاق العنف الفلسطيني، وبشكل رئيسي العمليات الانتحارية، وأدى ذلك إلى انخفاض كبير في عدد القتلى. ويعتبر هذا إنجازًا تكتيكيًا هامًا جدًَا، غير أن هذه الوضعية لا تتيح بالضرورة "حياة محتملة" للمجتمع الإسرائيلي. مع ذلك فإن إسرائيل لم تفلح في حسم المواجهة مع الفلسطينيين من ناحية عسكرية، بحيث يوضع حد للعنف الفلسطيني. فضلاً عن ذلك فإنه على رغم الأثمان الباهظة التي يدفعها الفلسطينيون في الخسائر البشرية والاقتصادية فقد ظلوا يرفضون "الاستسلام". لم تفلح إسرائيل في "كيّ وعي" الفلسطينيين بأن العنف لا يخدم أهدافهم، بل يمسّ مسًّا شديدًا بدفعها إلى الأمام. إضافة إلى ذلك تصاعد لديهم الشعور بأنه "ليس لديهم ما يخسرونه"، كذلك تعاظمت الدافعية للاستمرار في العنف- وهي دافعية تحث فلسطينيين كثيرين على التجنّد إلى دائرة العنف. لقد فشلت إسرائيل، إذًا، في إقناع الفلسطينيين بأن استمرار العنف يمسّ بهم ويمنع عنهم أية إمكانية لتحسين أوضاعهم، وبأن قيادتهم برئاسة عرفات تنأى بهم عن أي احتمال لتحقيق آمالهم السياسية.

يبدو أن صانعي القرار الإسرائيلي (سواء في الميدان السياسي أو في الميدان العسكري) لم يتمكنوا من أن يقيّموا بصورة صحيحة قدرة الصمود المستمرة للفلسطينيين في المواجهة العنيفة. وأسباب ذلك كامنة، ضمن أشياء أخرى، في انعدام معرفة وفهم كافيين لمواجهة "نزاع منخفض التكثيف" مقابل شعب يطالب بالاستقلال، من جهة وعدم خلق أفق سياسي من شأنه أن يؤدي إلى وقف العنف أو اعتداله الجذري، من جهة أخرى. وعلى ما يبدو فإن المنطلقات الأساسية السياسية والإستراتيجية- العسكرية بشأن إمكانية إحراز حسم عسكري أو انتصار سياسي لم تكن واقعية.

رغم أن المصلحة الرئيسية للمستوى السياسي في إسرائيل في بداية المواجهة تمثلت في احتوائها والحيلولة دون انتشارها، فقد تم إحراز نتيجة معاكسة. وذلك، من جملة أسباب أخرى، بسبب الرد العملياتي الأكثر حدّة وكثافة في المراحل الأولى من المواجهة، التي نجمت بصورة رئيسية عن انفجار شعبي واضح (عدد الضحايا المدنية في الطرف الفلسطيني كان مرتفعًا على وجه الخصوص وأدى إلى اتساع دائرة المساهمين في المواجهة). أبعد من ذلك يظهر أن احتواء مواجهة يخوضها شعب منتفض غير ممكن دون أن يكون مرفقًا بأمل سياسي.

سياسة اليد الحديدية ومكابس الضغط، التي جرى إتباعها حيال السكان وأجهزة الأمن الفلسطينية، التي لم يشارك معظمها في بداية المواجهة، أسفرت عن أبعاد سلبية. وأدت مشاعر النقمة والغضب والانتقام إلى تعزيز أواصر التعاون بين المنظمات الإرهابية، وبينها وبين عناصر من منظومة الأمن الفلسطينية، الذين انضموا إلى المواجهة نتيجة لمسّ الجيش الإسرائيلي بهم. ونتيجة لذلك تطورت ظاهرة العمليات الانتحارية إلى نطاق غير مسبوق، عبر تغلغلها إلى المنظمات غير الدينية: فتح والجبهات (يبدو أن نقطة التحول كانت تصفية رائد الكرمي في كانون الثاني 2002)، وعبر حصولها على شرعية اجتماعية واسعة. كانت النتيجة أن "المواجهة المحدودة" خرجت عن إطار سيطرة الطرفين وأصبحت مواجهة ذات أهداف عامة. انضاف إلى كل ذلك أيضًا الانتقاد الحاد والمتصاعد في الساحة الدولية، الذي أدى إلى اشتداد الضغط الدولي على إسرائيل وإلى عزلها. وإلى حد كبير بقيت إسرائيل مع التأييد الأميركي فقط كتأييد جوهري وحيد.

عدم الثقة المطلقة بعرفات والسلطة الفلسطينية صعّبت كثيرًا احتمالات تشخيص فرص أمنية وسياسية كان من شأنها أن تدفع تهدئة المواجهة إلى الأمام. بذل الطرف الفلسطيني عدة محاولات استهدفت التأدية إلى تقليص المواجهة، خصوصًا بعد عمليات 11 أيلول 2001 في الولايات المتحدة. لكن هذه المحاولات لم تحظ بالاعتراف في إسرائيل بأنها تغيير جذري، وتم تفسيرها بأنها إجراءات وهمية تكتيكية. ونتيجة لذلك لم تنشأ ديناميكية إيجابية لتشجيع محاولات التهدئة وتوطيدها بواسطة إجراءات من جانب إسرائيل.

ربما كان من الممكن تشجيع إجراء متيسر من الإصلاحات في السلطة الفلسطينية وبدء حوار لإضعاف المواجهة بواسطة لفتات طيبة. كذلك ربما كان من الممكن انتهاز الاحتمالات الايجابية الكامنة في مبادرة السلام العربية (آذار 2002)، التي تبناها الفلسطينيون وطرحوها بصورة رسمية على الأميركيين باعتبارها موقفهم المخوّل. هذه المبادرة هامة أساسًا بفضل حل مشكلة اللاجئين الذي تشتمل عليه. وكانت دلالة هذه المبادرة أن العرب والفلسطينيين معنيون بإيجاد وضع جديد: الصعود إلى سكة حل عملي للنزاع، عبر استمرار إدارته فقط.

المنطلق الأساسي الجديد، الذي اعتبر الطرف الفلسطيني طبقًا له غير معني باتفاق سياسي على أساس دولتين للشعبين واعتبرت الحرب معه وجودية، أدى إلى إدارة النزاع بوسائل عنيفة، تستند إلى إستراتيجيات "العين بالعين" والإملاء بواسطة التهديد، العقاب والردع، دون أية محاولة حتى لاستعمال إستراتيجيات "العصا والجزرة". يجوز أن هذا الشكل من إدارة النزاع منع إمكانية تغيير طابع المواجهة العنيف. ويجوز أنه كان من الممكن إيجاد فرص جديدة بواسطة تبني إستراتيجيات مثل "وعد من جديد" و"تبادلية مشروطة" و"تبادلية متدرجة لتهدئة نزاع".

هذه الإستراتيجيات الثلاث، التي يجوز اعتبارها إستراتيجيات "جزرة"، يمكن دمجها أيضًا مع إستراتيجيات "عصا" (تهديد وعقاب). وقد كان من الممكن استعمال هذه المجموعة المتنوعة من الإستراتيجيات ليس فقط إزاء السلطة الفلسطينية بالمجمل، وإنما أيضًا إزاء أجزاء معتدلة نسبيًا داخلها. ورغم انتفاء اليقين بشأن احتمالات نجاحها فإن الامتناع عن استعمالها عنى التنازل عنها مسبقًا، بل والتنازل حتى عن اختبارها.

الخلاصة المركزية لتحليل مفهوم إدارة النزاع في سنوات المواجهة العنيفة الأربع هي أن إدارة نزاع عنيف دون أمل سياسي هي وصفة سلبية في كل المفاهيم بالنسبة لطرفي النزاع. ويميل مفهوم إدارة كهذا إلى تصعيد النزاع دون أمل حقيقي بوقفه أو حتى بتقليصه. وهو يؤدي إلى تأبيد اليأس القائم ويفرض الجمود طوال الوقت ويفضي إلى طريق مسدود ويصبّ في مصلحة العناصر المتطرفة في الطرفين. وهكذا فإن أصحابه يساعدون حصرًا في تكريس المفهوم الفلسطيني بأن العنف، رغم أخطاره وأثمانه، هو الطريق الوحيدة لدفع إسرائيل نحو التجاوب مع المطالب.

ثمة أيضًا أبعاد عقلية- عاطفية خطيرة جدًا لطريق إدارة النزاع على مستقبل العلاقات بين الطرفين. العداء، الكراهية، الخوف، إسقاط الشرعية وعدم الثقة بين الطرفين- كل هذه الأمور تضخمت إلى نطاقات خطيرة غير مسبوقة ستشكل مصاعب كبيرة أمام تجديد العملية السياسية أو حتى أمام مراقبة النزاع. ويمكن أن تكون نتيجة ذلك ديمومة المواجهة العنيفة، مع مدّ وجزر في مستوى العنف. ويميل مفهوم إدارة لا يرى أي أمل سياسي ولا يقترح خيارًا كهذا إلى مضاعفة الإكراهات الدولية وكذلك إلى مضاعفة إمكانية التدخل الخارجي لإيجاد تسويات. بالإضافة إلى ذلك فهو يضع مصاعب أمام إدارة كفاح دبلوماسي ناجح لتبرير الموقف المنتهج في النزاع. ونهايته أن يطرح كذلك شكوكًا عديدة حول صحة الطريق.

رغم أن دولة إسرائيل موجودة في خضم ضائقة شديدة، حيث يتضح لها أكثر فأكثر أنه ما من جواب مطلق على التحدي الأمني الماثل أمامها، فإن عليها الامتناع عن الوصول إلى وضع سبق أن وصفه يهوشفاط هركابي بـ"الانغلاق النفساني"، أي التمسك بمفهوم سياسي يستند إلى منطلقات أساسية لا تعكس بالضرورة التطورات السياسية والعسكرية. ومن شأن الامتناع عن عمليات الدراسة الضرورية أن يكرس الضائقة القائمة، بل وأن يزيدها تفاقمًا على تفاقم. ورغم أن عمليات الدراسة صعبة أحيانًا من الناحية العقلية والعاطفية، لأن فيها نوعًا من الاعتراف بالفشل، فمن شأن خطوة تأجيلها أن تكون حبلى بالكوارث.

فصل من تقرير إستراتيجي جديد نشره "معهد القدس للدراسات الإسرائيلية" حول "مفهوم إدارة النزاع مع الفلسطينيين" في السياسة الإسرائيلية خلال السنوات الأخيرة 2000- 2004 (الترجمة العربية الكاملة للتقرير صدرت أخيرًا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية"مدار"، ضمن سلسلة "أوراق إسرائيلية")

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, التيار المركزي

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات