المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب برهوم جرايسي:

اضطر وزير العدل الإسرائيلي، حاييم رامون، يوم الأحد الأخير، إلى تقديم استقالته من منصبه الوزاري، ولسحب حصانته البرلمانية طوعا تمهيدا لمحاكمته بتهمة التحرش الجنسي بشابة مجندة في الخدمة الإلزامية، عملت في مكتب السكرتير العسكري لرئيس الحكومة إيهود أولمرت، في نفس اليوم الذي نفذ فيه حزب الله هجومه على فرقة عسكرية إسرائيلية، وقبل ساعة من إقرار الحكومة الإسرائيلية المقلصة قرار شن الحرب على لبنان.

وبنود لائحة الاتهام، بما تشمله من تفاصيل التحرش الدقيقة، محرجة جدا، وخاصة حينما سيكون من بين شهود الادعاء السكرتير العسكري لرئيس الحكومة، وهو برتبة عميد، ومديرة مكتب رئيس الحكومة أولمرت. ومهما تكن نتائج المحاكمة، التي يبدو منذ الآن أنها ليست سهلة، فإنها ستبقي ضررا بالغا على مستقبل رامون، وفي حال إثبات التهمة سيكون على رامون الطامح دوما للوصول إلى أعلى نقطة في الهرم السلطوي في إسرائيل، إسدال الستارة على حياته السياسية التي بدأت قبل نحو 30 عاما.

ولد حاييم رامون في العام 1950 في مدينة يافا، وانخرط منذ حداثته في صفوف حزب "المباي" الحاكم (الذي أصبح لاحقا حزب "العمل")، وبعد خدمته العسكرية التي أنهاها برتبة رائد في سلاح الجو، تلقى الدراسة الجامعية في جامعة تل أبيب حيث حصل على شهادة الحقوق، وعمل لفترة قصيرة محاميا.

في هذه الفترة تبوأ رامون مراكز قيادية في حركة الشبيبة التابعة لحزب "العمل"، وتولى قيادة الحركة منذ العام 1978 وحتى العام 1984، وفي العام 1983 دخل عضوا في الكنيست الإسرائيلي ولا يزال حتى اليوم.

منذ دخوله إلى الكنيست، مستخدما براعته في سلب الأضواء الإعلامية، كان رامون حاضرا دوما في الحلبة السياسية وسعى إلى تميزه السياسي، وبرز هذا أكثر في نهاية سنوات الثمانين، خلال الانتفاضة الشعبية الفلسطينية، حينما شكّل مع خمسة أعضاء كنيست آخرين من حزبه، "السداسية الحمائية"، التي تحولت لاحقا إلى "الثمانية الحمائمية"، التي دعت إلى إجراء مفاوضات مع الجانب الفلسطيني، وكانت من أوائل المؤيدين في الحزب لإجراء مفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية.

في مطلع سنوات التسعين، ومع تشكيل حكومة إسحق رابين في العام 1992، بدا واضحا أن رامون، الذي دعم رابين في منافسته لشمعون بيريس على زعامة حزب "العمل"، ورأى بنفسه كمن ساهم في عودة الحزب إلى الحكم، كالحزب الأول، بعد 15 عاما، كان يطمح إلى منصب أرفع من الذي حصل عليه في حينه، وزيرا للصحة، رغم أنه خلال وجوده في هذا المنصب قاد انقلابا في قانون الصحة، لتصبح الخدمات الصحية مشاعا في السوق، وخاضعة للمنافسة، وهو القانون الذي أدى إلى استفحال ظاهرة "طب للأغنياء وطب للفقراء"، وهي الظاهرة التي تعالجها عدة جمعيات ومؤسسات ذات طابع اجتماعي في تقارير سنوية.

في شباط/ فبراير من العام 1994 وجه رامون نظره، وبشكل مفاجئ، إلى اتحاد النقابات العامة، "الهستدروت"، ليظهر لاحقا أنه سعى للوصول إلى زعامة "الهستدروت"، ليسرّع وصوله إلى مستويات أعلى في الحكم الإسرائيلي.

ففي ذلك العام قاد مع زميله في الحزب عمير بيرتس، انقلابا على حزبه "العمل"، وقد بدأ معركته، بـ "خطاب الحيتان" الشهير، الذي لا يزال يجري الحديث عنه حتى الآن، ويعتبر نموذجا للخطابات "الملحمية". وفي ذلك الخطاب شن رامون معركة شرسة على قادة "الهستدروت"، الذين هم من أقطاب حزب "العمل"، نظرا للفساد الذي تفشى طوال عشرات السنوات في هذه المؤسسة النقابية، التي تحولت إلى مرتع مطلق لحزب "العمل"، يؤدي خدمات حزبية أكثر منها نقابية.

وفي شهر أيار/ مايو من نفس العام، نجح رامون في ما لم ينجح به أحد من قبل، بإقصاء الزعامة التقليدية للهستدروت، وشرع بحملة إجراءات تحت إطار "تصحيح الوضع"، ولكن هذه الإجراءات التي جرت بشكل غير مدروس قللت من مكانة الهستدروت، وبالتالي ضربت النضال النقابي العام في إسرائيل.

في خريف العام 1995، وفور اغتيال رابين، عرض رئيس الحكومة شمعون بيريس على رامون العودة إلى الحكومة وزيرا للداخلية، فقفز رامون إلى المنصب، مغادرا قيادة الهستدروت التي تسلمها قبل عام ونصف العام، بعد أن رأى أن الهستدروت على وشك الانهيار، وسلمها بدوره إلى عمير بيرتس.

وبعد سقوط الحكومة، حاول رامون الوصول إلى زعامة حزب "العمل" ولكنه سرعان ما سحب ترشيحه، بعد أن تبين له أن الفرصة من نصيب إيهود باراك، وبنفس الوقت كان قد اختار موقع الند لباراك، في فترة حكومة نتنياهو، التي كان فيها حزب "العمل" معارضا.

ولم ينس باراك لرامون موقفه، وفي نفس الوقت كان على علم بأنه لا يمكنه إبقاءه خارج الحكومة، فمنحه حقيبة وزارية "خاوية"، في ديوان رئاسة الحكومة، وفي الأشهر الأخيرة لحكومة باراك في العام 2000 عاد رامون إلى وزارة الداخلية.

وبعد خسارة باراك رئاسة الحكومة، في الانتخابات الوحيدة التي شهدتها إسرائيل لانتخاب رئيس للحكومة في شباط/ فبراير من العام 2001، كان رامون أحد كبار العرابين لإنضمام "العمل" إلى حكومة أريئيل شارون الأولى، ولكن انضمام الحزب لم يمنح رامون حقيبة في تلك الوزارة.

وأعاد رامون الكرّة طوال عدة أشهر في العام 2004، إلى أن نجح بذلك في مطلع العام 2005، حين إنضم "العمل" إلى حكومة شارون الثانية، وخلال هذه الفترة ظهرت علاقة خاصة بين رامون وشارون، إلى أن أصبح رامون ينطق باسم شارون، وبعد خروج "العمل" من حكومة شارون وانهيار الحكومة وبدء التحضير لانتخابات برلمانية جديدة، هاجر رامون سوية مع شمعون بيريس وداليا ايتسيك حزب "العمل" الذي ولد فيه سياسيا لصالح حزب "كديما".

ومع سقوط شارون على فراش المرض تقرب رامون بسرعة من الرئيس الجديد للحكومة والحزب، إيهود أولمرت، وأصبح أيضا ناطقا باسمه.

ولم يكن انتقال رامون الحزبي هو المتغير الوحيد، فبعد أن كان من أبرز "الحمائم" في حزب "العمل" اختار في السنوات الأخيرة خطا يمينيا، حتى بدأ يظهر في العامين الأخيرين في مواقف متطرفة نسبيا، وحتى بالإمكان اعتباره من "صقور" حزب "كديما". ففي خطابه أمام الكنيست مدافعا عن قانون المواطنة العنصري، في شهر أيار/ مايو الماضي، قال: "في العالم الكثير من الأنظمة العنصرية فلتكن إسرائيل واحدة منها"، مبررا سن القانون الذي يقضي بتفريق آلاف العائلات الفلسطينية.

تتميز حياة رامون السياسية، خاصة في السنوات الأربع عشرة الأخيرة، بأنها حياة عاصفة، وقف منذ العام 1997 ضد جميع زعماء حزب "العمل"، وحتى الأخير من بينهم عمير بيرتس، الذي زامله لسنوات عديدة بدءا من "السداسية" و"الثمانية" الحمائمية، والانقلاب في الهستدروت، وكان أشرس هجوم على بيرتس بالذات مع تسلمه منصب زعامة الحزب، من رامون نفسه.

لقد بحث رامون طوال سنوات عن السبيل للوصول إلى رأس الهرم، وقفز بين الكثير من القمم، ولكن على ما يبدو فإن القفزة الأخيرة التي تخللها تحرش جنسي على ما يظهر على الآن ليس وحيدا كما ورد في وسائل الإعلام، كانت اكبر من المستطاع. فهل هذه بداية السقوط في الهاوية السياسية لشخصية أشغلت الحلبة السياسية كثيرا من دون أن تكون صاحبة قرار من الدرجة الأولى؟.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات