المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • اسم في الأخبار
  • 1357

نفس سيارة الانعاش التي نقلت أريئيل شارون من مزرعته في النقب إلى غرفة الإنعاش في مستشفى هداسا عين كارم في القدس، نقلت السياسة الإسرائيلية إلى حقبة جديدة، حقبة ما بعد شارون. يبدو أن البيولوجيا ستفعل ما لم تفعله الأيديولوجيا، فقد حاول الكثيرون كسر احتكار السلطة وحكم الرجل الواحد ولم يفلحوا لا في إسقاط شارون ولا في ثنيه عن قراراته التي اتخذها لوحده وفرضها من طرف واحد داخلياً وخارجياً.

 

لقد كان شارون أقوى رؤساء وزراء إسرائيل منذ عهد بن غوريون، وغيابه عن الساحة ينهي عهد جيل كامل من القيادة والنخبة الإسرائيلية ويفتح من جديد الباب على مصراعيه أمام الصراع على السلطة، خاصة والانتخابات على الأبواب. قبل أيام معدودة، كان يبدو أن حزب «كديما» سيحصد حوالي ثلث المقاعد في الكنيست. اليوم، هناك علامة استفهام كبيرة حول مصير هذا الحزب وقوته الانتخابية في غياب شارون، الذي أسس وقاد وركب وصنع «كديما». وإذا كان شارون هو «كديما»، فالعكس ليس صحيحاً في غيابه. حزب «كديما» ليس شارون ولن يستطيع اجتذاب الناخبين، وبات من المؤكد أنه سيخسر الكثير من شعبيته.

كم من الناخبين سيصوتون لكديما لأن شارون كان هناك؟. كم منهم سيكتفون بالشارونيين في غياب شارون؟. وهل يستطيع أيتام "كديما" أن يحافظوا على تماسكهم ويثبتون قدرتهم على منع هرب الناخبين منهم؟. الإجابة على هذه الأسئلة ستظهر مدى خسارة كديما وكم من الأصوات ستهرب منها في غياب شارون.

خلّف شارون من ورائه كتلة انتخابية كبيرة تساوي حوالي 40 مقعداً. وتتميز هذه الكتلة بأنها جديدة ورخوة وغير متجانسة ونطاطة. من قرر التصويت لكديما بسبب شارون، لن يستصعب الهروب منها في غياب شارون. أربع قوى تتوثب للانقضاض على مؤيدي كديما لاجتذابهم. أيتام شارون في كديما سيحاولون المحافظة عليهم تحت شعار "شارون كان هنا". الليكود سيقول لهم إن بيتهم الجديد في خطر الانهيار ويدعوهم "عودوا إلى بيتكم القديم". حزب شينوي سيحاول أن يثبت لهم أن الوريث الحقيقي لشارون هو طومي لبيد وأن المركز هو شينوي وليس كديما مقطوعة الرأس. حزب العمل سيعمل على أن يثبت لهم انه هو بديل الليكود وليس "كديما" اليتيمة.

مما لا شك فيه أن أوراق اللعبة ستخلط من جديد. لكن أوراق اللعبة السياسة لا تخلط مثلما تخلط أوراق "الشدة"، بل يعاد تقاسمها وفق المنطق السياسي والتوازنات السياسية.

لقد شكل شارون قوة الجذب الرئيسية في الخارطة السياسية الإسرائيلية واستطاع أن يستقطب الكتلة الأكبر. في غيابه تبقى مغانيط صغيرة في حزبه ستتقاسم قوة الجذب مع البؤر المجاورة في الليكود والعمل وشينوي. ليس هناك بؤرة قوية واحدة ترث شارون بل عدة بؤر صغيرة ستكبر على حساب كتلته الافتراضية التي كان من المفروض أن تعبر عن نفسها في الانتخابات المقبلة.

يذهب شارون ويترك خلفه عشرات الشارونيين في السلطة وفي المرشحين للسلطة في إسرائيل. لذا لن نشهد تغييراً في المواقف السياسية الإسرائيلية. ربما يكون التغيير الأهـم هـــو في التعامل مع الضغوط الدولية والإقليمية. لن يستطيع شخص بمفرده أن يسد الفراغ الذي يتركه شارون، ولكن مهما كانت تركيبة القيادة التي سترث شارون في السلطة فهي ستكون أضعف منه وأكثر عرضة للضغط وأقل قدرة على صده.

 

(*) رئيس كتلة "التجمع الوطني الديمقراطي" في الكنيست.

المصطلحات المستخدمة:

هداسا, الكتلة, كديما, الليكود, شينوي, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات