المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

الواضح اليوم ان خطة نتانياهو تشكل ضربةً غير مسبوقة للمواطنين العرب في مجالات حياتية مختلفة على المستويين الفردي والجماعي. اما بالنسبة للسلطات المحلية العربية فتأتي الخطة المذكورة لتضيف داء الكوليرا على سائر الامراض التي تكابدها منذ عشرات السنين جراء سياسات التمييز ضدها وسوء الادارة من قبل رؤسائها في حالات كثيرة. ولذالك أَجمعت قيادات المواطنين العرب في اسرائيل على مناهضة الخطة الاقتصادية الجديدة، لكن هذه تكاد تنحصر في ردود أَفعال عابرة جاء معظمها كتصريحات وبيانات للصحف بالرغم من الاثار السلبية الخطيرة والمؤكدة على العرب

وديع عواودة

لا يتوقف وزير المالية الاسرائيلية الجديد بنيامين نتانياهو عن اطلاق التصريحات بأن خطته الاقتصادية للتقليص في الميزانية العامة "تشكل منعطفا تاريخيا بالنسبة للاقتصاد الاسرائيلي وانه سيشهد نمواً هاما من شأنه جلب الازدهار والخير لشرائح المجتمع الاسرائيلي كافة". ويعلّل نتانياهو منح خطته الامتيازات للاثرياء ورجال الاعمال بالزعم ان بداية اخراج الاقتصاد الاسرائيلي من ازمته تقتضي ذلك، مع التأكيد على ان ثمار اصلاحاته "ستكون من نصيب الفقراء والطبقات الاجتماعية الدنيا".

غير ان اوساطا سياسية واسعة تشمل منظمة العمال العامة، "الهستدروت الجديدة"، واحزاب المعارضة وحركات اجتماعية عديدة اخرى تواصل الطعن بالخطة الاقتصادية معتبرة اياها مشروعا لزيادة ثراء الاثرياء وافقار الفقراء، وانها وضعت حدا لفكرة "دولة الرفاه" التي طالما تباهت اسرائيل بها منذ تأسيسها.

لكن الواضح اليوم ان خطة نتانياهو تشكل ضربةً غير مسبوقة للمواطنين العرب في مجالات حياتية مختلفة على المستويين الفردي والجماعي. اما بالنسبة للسلطات المحلية العربية فتأتي الخطة المذكورة لتضيف داء الكوليرا على سائر الامراض التي تكابدها منذ عشرات السنين جراء سياسات التمييز ضدها وسوء الادارة من قبل رؤسائها في حالات كثيرة. ولذالك أَجمعت قيادات المواطنين العرب في اسرائيل على مناهضة الخطة الاقتصادية الجديدة، لكن هذه تكاد تنحصر في ردود أَفعال عابرة جاء معظمها كتصريحات وبيانات للصحف بالرغم من الاثار السلبية الخطيرة والمؤكدة على العرب. ويستدل من نصوص الخطة الاقتصادية التي صودق عليها في الكنيست قبل ايام بأغلبية ضئيلة ان البند الاخطر بالنسبة للمصلحة الفردية المباشرة للمواطن العربي هو ذاك المتعلق بمخصّصات التأمين الوطني وضمان الدخل والبطالة. هذه المخصصات ستشهد تقليصا حاداً بدءاً من شهر حزيران دون ان توفر مسالك بديلة للعيش ُتمّكن رب الاسرة من تأمين لقمة العيش الكريم وسد الحاجات الاساسية لعائلته والافلات من غول الفقر. وبموجب معطيات مؤسسة التأمين الوطني نفسها من العام 2001 فان كل طفل عربي ثان هو طفل فقير! وبموجب معايير الدخل الشهري التي تحددها المؤسسة المذكورة فان اكثر من 55% من الاسر العربية تتخبط في دائرة الفقر – 119700 اسرة عربية فقيرة في العام 2001 وهذا يعادل 54.7% من مجمل الفقراء في اسرائيل. وعلى ضوء حقيقة كون العرب في اسرائيل مجتمعا شبابيا (70% منهم دون جيل الـ 30 عاما) هناك 295000 طفل عربي فقير وفق معطيات العام 2001 – 60% من مجمل الاطفال الفقراء في اسرائيل. وطبقا للخطة الاقتصادية سيتم الاجهاز على مخصصات التأمين الوطني في غضون سبع سنوات بدءاً من العام الحالي بحيث تصبح 146 شيكل فقط للولد الواحد وهذا يعني ان اسرة مكونة من خمسة اولاد ستتقاضى 730 شيكل شهريا بدل من 2000 شيكل كما هو الحال اليوم.

"نادي الاطفال العرب الفقراء"

في حديث" للمشهد الاسرائيلي" أفاد الخبير الاقتصادي امين فارس، العامل في"مركز مساواة"، ان الدراسة التي اجراها في هذا المجال تنذر بأن الخطة الاقتصادية ستمس بـ 60000 اسرة عربية فقيرة وستنقل 11000 اسرة عربية اخرى الى ما دون خط الفقر. واضاف فارس: "هذا يعني ان 79000 طفل عربي جديد من بين 131000 طفل سينضمون الى "نادي الاطفال الفقراء". وستقلص الخطة الاقتصادية امكانيات التوجه "للتأمين الوطني" من اجل الحصول على مخصصات ضمان الدخل والبطالة. وبموجبها يحظر على المواطن تقديم دعوى جديدة الا بعد عام من رفض الدعوى الاولى. كذلك سيكون ملزما بدفع 600 شيكل في هذه الحالة. ومن شأن ذلك طبعا المسّ بمدخولات الاسر العربية التي تعاني من غياب التصنيع ومصادر العمل ومن ارتفاع البطالة الى نسب تبلغ 15%. وهنا يشار الى ان نسبة البطالة الحقيقية لدى العرب اعلى من ذلك بكثير بسبب احجام النساء عن زيارة مكاتب العمل عدة ايام في الاسبوع لتأكيد بطالتهن لاعتبارات ترتبط بالعادات والتقاليد المحافظة. وليس هذا فحسب بل ان النساء العربيات سيدفعن ثمنا اضافيا حيث تلزم الخطة الاقتصادية ربات البيوت بدفع رسوم تأمين صحي بقيمة 70 شيكل شهريا مع العلم ان 80% من السيدات العربيات لا يعملن. هذا اضافة الى اغلاق عيادات الام والطفل التي كانت تقدم خدماتها المجانية حتى اليوم وهذا يعني ان الام واطفالها سيضطرون للجوء لصناديق المرضى لتلقي العلاج والرعاية الصحية مقابل دفع مبالغ معينة في كل زيارة. ولا تنتهي النتائج الموجعة التي ستضرب المواطنين العرب عند هذا الحد. هؤلاء سيتلقون المزيد من الضربات بشكل غير مباشر وذلك من خلال التقليص الحاد في ميزانيات السلطات المحلية بما في ذلك السلطات العربية.

يأتي ذلك في الوقت الذي كانت المجالس المحلية والبلديات العربية تنتظر فيه تسديد الحكومات المتعاقبة لقراراتها بتمييزها نحو الافضل لكن هذه ظلّت اقوالاً دون اي فعل.الباحث امين فارس قال لنا في هذا السياق:"من اجل التهرب من مطالب الرؤساء العرب كانت الحكومات تقبر القضية من خلال تعيين لجان فحص ومتابعة وهي ليست سوى اكاذيب متكررة اما الكذبة الكبرى فتكمن بخطة دعم القرى والمدن العربية باربع مليارات شيكل والتي اعتمدتها حكومة براك. هذه الميزانيات المرصودة على الورق تم اختزالها في الواقع ليتبقى منها نصف مليارد فقط وحتى هذه وصل منها النزر اليسير فقط". وعن انعكاسات التقليصات الجديدة في الميزانيات المخصصة للسلطات المحلية العربية على العرب اضاف فارس:"تم شطب 100 مليون شيكل من وزارة الداخلية كانت تمنح كميزانية تطوير للسلطات المحلية العربية. كما تم تقليص 20% من ميزانيات الرفاه والتربية لكل السلطات المحلية مما يعني ازدياد ازمة الخدمات المقدمة للمواطنين العرب فهي تقاسي حالة مرضية اصلا سيما انه تم شطب ربع هبات الموازنة ايضا. وعما قريب سيشعر المواطن العربي يوميا بنتائج هذه التقليصات بالمزيد من انقطاع دورة المياه ومن تراكم القمامة قبالة بيته وازدياد الحفر في شوارع بلدته وبالغاء معونات اجتماعية مختلفة مقدمة من اقسام الرفاه. وهكذا الطلاب في المدارس سيحصلون على وجبات تعليميةُ مقلصة كماً وكيفاً ناهيك عن تراجع اضافي في الفعاليات الثقافية داخل النوادي وسائر المؤسسات التابعة للسلطة المحلية باختصار اقول هذه خطة لتعميق التمييز الاقتصادي". وعن البعد الاجتماعي لهذه الانعكاسات الاقتصادية على المواطنين العرب تحدث الينا البرفسور ماجد حاج من كلية علم الاجتماع في جامعة حيفا فقال:"المجتمع العربي كمجتمع ضعيف وتابع اقتصاديا للمجتمع اليهودي يعتمد الى حد بعيد على المخصصات بمستوياتها المختلفة . ولذلك فان الخطة ستعمق الفقر لانها ستضر بالطبقات الفقيرة. ولا يمكن لها ان تنجح دون حل سياسي ولن يتمخّض عنها سوى تعميق البطالة وهذه ضربة مؤلمة اضافية للعرب اذ من المعروف انهم يقطنون في 24 من بين ال25 قرية ومدينة هي الاولى في قائمة البطالة".واضاف برفسور الحاج:"كذلك فان التقليصات في وزارتي الداخلية والمعارف ستفاقم ازمة المواطنين العرب لارتباطهم بهاتين الوزارتين اذ يعمل ثلثا الاكادميين العرب فيهما. وهذا يعني المزيد من الاكاديمين حملة الشهادتين الاولى جامعية والثانية شهادة بطالة".

وعن انعكاس هذه النتائج الاقتصادية –الاجتماعية على العلاقات بين المواطنين العرب وبين المواطنين اليهود والدولة اضاف برفسورالحاج:"بطبيعة الحال يمر الوسط العربي منذ العام 2000 بحالة من الشعور بالاغتراب والهوه بين الشعبين عميقة . ومن المرجح ان تؤدي الخطة الاقتصادية هذه الى المزيد من التوتر والاحباط. ولذلك لا يمكن الحديث عن نظرة متفائلة للمستقبل ويبقى الحل العادل للقضية الفلسطينية هو اهم مفاتيح النهضة الاقتصادية المرجوة وهذا ما لا يرنو اليه بيبي نتانياهو".وحول سبل مواجهة الجماهير العربية في اسرائيل لهذه الخطة الاقتصادية بين الموجود وبين الممكن اجابنا النائب عصام مخول فقال:"كانت هناك خطوات إحتجاجية من قبلنا ضد مخططات التمييز والمسّ بنا من منطلقات ايدلوجية . لكن المطلوب منا اليوم ان نصعد نضالنا كي نضع قضية حقوقنا المدنية في مقدمة منصة الرأي العام الاسرائيلي. حتى الان لم تلتف الجماهير العربية حول هذه القضية الديمقراطية والقومية وهنا ألوم كافة الفعاليات السياسية والاهلية. لذلك اقترح المبادرة الى اضراب شامل والبدء بمظاهرات صاخبة لاغلاق شوارع المدن الاسرائيلية. كذلك علينا التعامل بشكل علمي وطرح ميزانيات بديلة للسلطات المحلية وللعرب عامةً يتم بلورتها في مؤسسات ابحاث مختصة".وعن جدوى التمثيل البرلماني العربي في حماية المصالح العربية ودرء المخاطر عنها اضاف مخول:"نعم هناك مجال لاستخدام الكنيست اداة كفاحية لحماية حقوقنا المدنية من خلال تشكيل لوبي عربي - يهودي وطرح قضايانا في الرأي العام الاسرائيلي".

المصطلحات المستخدمة:

الهستدروت, الكنيست, التأمين الوطني

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات