المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تمتلك إسرائيل أقوى جيش في المنطقة وتحظى بتعاطف وتحالف أقوى دولة في العالم. ويتمتع اليهود في أميركا ودول أخرى بنفوذ يزيد كثيراً عن حجمهم الفعلي في الاقتصاد والسياسة والعلم.

وهناك الكثير من الشعوب والدول تحسد إسرائيل واليهود على هذه القوة وتتمنى لو تمكنت من نيل ولو نسبة ضئيلة منها حتى يكون لها دور وشأن في هذا العالم. ولكن أماني العالم وتقديراته ليست ما يحرك قادة إسرائيل واليهود في العالم الذين يبدون أكثر تشاؤماً مما يعتقد الكثيرون.


فإسرائيل التي تمتلك أضخم ترسانة عسكرية تقليدية متطورة في المنطقة العربية، والدولة النووية الوحيدة في الشرق العربي تنظر بخطورة بالغة الى امتلاك أي دولة عربية أي نوع من السلاح وترى في السلاح الفردي الفلسطيني خطراً استراتيجياً. ويذهب بعض قادة الجيش الاسرائيلي الى اعتبار أن جميع الاخطار البعيدة لا ترقى الى مستوى الخطر الوجودي، في حين أن الانتفاضة الفلسطينية بلغت في نظرهم مستوى الخطر هذا.

ويخلق مثل هذا الرأس الذي بلغ أحياناً حدود الهوس الأمني، خاصة في كل ما تعلق، مثلا، بنشر كتيبة مشاة مصرية على الحدود مع قطاع غزة صورة مناقضة لصورة الدولة الرادعة. ولكن ذلك لا يغير شيئاً من حقيقة خلاصة توصل لها البعض: بمقدار ما تزداد إسرائيل قوة بمقدار ما يزداد شعورها بالضعف. فامتلاك المزيد من القوة يدفع إسرائيل إلى الإحساس بأن هذا الامتلاك هو في الأصل تعبير عن الخشية، وهذا ما يزيد هذه الخشية.

والحال أن المجتمع الإسرائيلي الذي كثيراً ما جرت الإشارة إليه على أنه بالغ التفكك لم يكن في الواقع كذلك، ليس لأنه لا يحتوي على خلافات، بل على العكس يحوي من التناقضات ما لا يحويه مجتمع آخر، وإنما لأنه خلق طوال سنين نموذج الدولة وأوجد سبلاً متفقاً عليها لحل الخلافات. ومع ذلك فإن هذا المجتمع الذي جمعته عوامل الأيديولوجيا والاستهداف والضعف يخشى كثيراً من أن تفرقه عوامل القوة والتفوق. وليس صدفة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، أريئيل شارون، وبعد أكثر من خمسين سنة على قيام الدولة العبرية، أعرب عن خشيته من وقوع حرب أهلية. كما ليس صدفة أن رئيس أركان الجيش السابق، الجنرال موشيه يعالون، وهو الذي يعلم مقدار قوة الجيش والاقتصاد والمجتمع الإسرائيلي تحدث عن الخشية من انهيار الدولة الصهيونية في المستقبل.

ولكن من المهم ملاحظة أن هذه الخشية الإسرائيلية تغذي وتتغذى من خشية أكبر موجودة في نفوس يهود العالم. ورغم أن التجربة النازية خلقت عند اليهود في العالم أرضية موضوعية للخشية من الاندثار بسبب العداء للسامية، فإن من المستغرب، بعض الشيء، أن تظهر هذه الخشية في أميركا لأسباب أخرى. وقد اجتمع في مزرعة واي، على مقربة من واشنطن، قبل أسابيع حوالى عشرين من قادة الفكر اليهود للتفكير في الأخطار المحدقة بالمجتمع اليهودي في العالم.

ورغم أن الحديث دار عن ماهية المخاطر الداخلية والخارجية التي تواجه اليهود فإن التركيز تم على المخاطر الداخلية. ورأى أغلب المجتمعين انه في ظل تكاثر الهويات في عصر ما بعد الحداثة، يزداد الخطر على الهوية اليهودية. وركز هؤلاء، على وجه الخصوص، على الزواج المختلط وعلى التناقص الديمغرافي. وحاولوا وضع قواعد وسبل لاجتذاب الشباب اليهود نحو الهوية اليهودية من خلال تخفيض مستوى المتطلبات للانتماء اليهودي.

ورغم أن ما دق ناقوس الخطر عند "معهد تخطيط سياسات الشعب اليهودي" هو التقارير التي تحدثت عن خروج ما بين 300- 500 ألف يهودي عن نطاق الطائفة في أميركا في حوالى عقد واحد من الزمان، فإن الخطر في نظرهم بات داهمآً عند الحديث عن عقدين قادمين. وتتحدث السيناريوهات المتشائمة عن انخفاض عدد اليهود في العالم بعد عشرين سنة. ولكن الخطر الأكبر في نظر هؤلاء هو احتمال تراجع نفوذ ودور اليهود في أميركا والعالم. ولذلك صار لا بد من التدارس ووضع الحلول المناسبة لمنع وصول الخطر أو على الأقل لتقليص أضراره.

وهنا يطرح سؤال بقوة: هناك من يقوم في لحظات القوة بتدارس الوضع تحسباً للحظات الضعف، فما الذي على من يعيشون الضعف أن يفعلوا؟

إن كل من يقرأ سعي الإسرائيليين واليهود إلى وضع الخطط لمواجهة المستقبل ويرى عجز العرب عن قراءة الواقع القائم واستشراف المستقبل، يدرك سبب اضطرارنا ليس للمراوحة في المكان، وإنما للتراجع يوماً بعد يوم.

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, الصهيونية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات