المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

اجتاز رئيس الحكومة الإسرائيلية أريئيل شارون جميع العقبات التي كانت تعترض طريقه نحو تنفيذ خطة الفصل. وقد أفلح، عبر هذه الخطة، في نقل إسرائيل عموما وقيادته على وجه الخصوص، من موقع المعترض على العملية السياسية مع الفلسطينيين الى موقع الفاتح لـ"مرحلة جديدة" في هذه العملية. وركز على ان خطة الفصل تتيح لإسرائيل ترسيخ علاقاتها مع الادارة الأميركية وتخفيف الاحتقان في علاقاتها مع الدول الأوروبية وفي كسب الوقت في العلاقات مع الدول العربية المحيطة.

ورغم أن خطوات شارون لتأكيد التزامه بخطة الفصل قادت إلى فرض نوع من العزلة عليه في داخل حزبه وفي الصف اليميني، وزادت من المخاطر الشخصية التي يتعرض لها، إلا انه فتح لنفسه بوابة على تأييد شعبي وحزبي واسع. وهذا ما أتاح له، حتى الآن، إقرار خطة الفصل في الحكومة والكنيست، وإسقاط مشروع الاستفتاء الشعبي وتمرير الميزانية العامة بأغلبية كبيرة.

وبكلمات أخرى، أفلح شارون في إسقاط جميع المخططات التي رسمت له من أجل إسقاطه ومن أجل عرقلة المصادقة على تنفيذ خطة الفصل. ومع ذلك، ورغم كل ما فعله شارون، لم يتم حتى الآن الشروع بأي خطوة عملية لتنفيذ هذه الخطة.

لقد أكمل شارون الاجراءات القانونية والتنظيمية لبدء تنفيذ خطة الفصل، والتزم عملياً بالجدول الزمني الذي كان مقرراً لهذه الاجراءات. وهو سيصل إلى أميركا بعد أسبوع ليحصل من الرئيس الأميركي على الثمن السياسي والمالي لكل هذه الخطوات. ورغم ان شارون والمقربين منه يعلنون أن خطة الفصل أعدت من أجل إبعاد خطر "التسوية النهائية" إلى أبعد زمن ممكن، فإنه شرع منذ الآن بالعمل على نيل ثمن باهظ من أميركا له صلة بهذه التسوية. وهو يعمل من الآن لنيل إقرار أميركي كامل ونهائي بضم الكتل الاستيطانية إلى إسرائيل في أي تسوية سياسية مع الفلسطينيين.

ويبدو أن حرص إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش على بقاء شارون، وخصوصاً في هذه الأوقات بالذات، يدفعها إلى القبول بما يطلبه. وثمة من يرى في تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية، كونداليسا رايس، حول "الكتل الاستيطانية" بعد "سوء الفهم" الذي أثاره السفير دان كيرتسر، أكبر دليل على ذلك. فإدارة بوش لا تريد أن تقدم على أي شيء يمكن أن يسيء، ولو من بعيد، لفرص تنفيذ خطة الفصل. وهي ترى أن تنفيذ هذه الخطة سوف يفتح الباب واسعاً أمام تنفيذ خريطة الطريق التي سوف تقود إلى التسوية النهائية التي تعهد بوش بإنجازها قبل نهاية ولايته الثانية.

ولكن وعود ورغبة بوش شيء والواقع شيء آخر. فأريئيل شارون الذي نجح طوال سنوات حكمه في نسف عملية التسوية مع الفلسطينيين، يراهن على أن بوسعه مواصلة هذه السياسة لاحقا. وهو يعتمد على قدرة إسرائيل على استغلال التعاطف الرسمي الأميركي معها، مثلما يراهن على إمكانية فشل الفلسطينيين في تنفيذ المطالب الأميركية والإسرائيلية منهم والتي ترمي إلى تحويلهم إلى "فنلنديين" قبل إنجاز أي تسوية كبيرة معهم.

ومع ذلك فإن الحديث عن خطة الفصل هو حديث عن شيء لم يتحقق بعد. وهناك في اليمين الإسرائيلي من لا يزال يؤمن أن بالوسع، ميدانيا، منع تنفيذ هذه "الخطة الشريرة". كما أن هناك في الليكود قادة مثل بنيامين نتنياهو يتمنون أن تكون الاجراءات القانونية والتنظيمية هي آخر الأفعال على صعيد خطة الفصل، وان تشكل الشهور الباقية قبل بدء التنفيذ في تموز فرصة حقيقية لتغيير داخلي في إسرائيل يعيد ترتيب الأوضاع بشكل مغاير.

ورغم ان الصورة العامة تشير الآن، من دون لبس أو غموض، إلى أن خطة الفصل صارت على وشك التنفيذ، إلا أن هناك من يرى أن هذا التنفيذ ليس قدرا. وقد أعلن نشطاء يمينيون أن موت شارون كفيل بعرقلة خطة الفصل. وقال يوسف ديان من مستوطني "بساجوت" للصحيفة الفرنسية "لوفيغارو" إن "موت شارون هو الأمل الأخير لوقف تنفيذ الفصل".

غير ان آخرين، وخصوصا بين متمردي الليكود، يؤمنون بأن الجمع بين النضال الحزبي والبرلماني والشعبي، إضافة إلى العراقيل الميدانية التي ستوضع أمام التنفيذ، قد تؤجل خطة الفصل وتسهم في تغيير الموقف. ومعروف أن في الليكود حالة هيجان ضد أعضاء الكنيست الذين صوتوا لجانب أريئيل شارون وضد مشروع الاستفتاء. وقد جرى الحديث مؤخرا في الليكود عن فرض مقاطعة على أعضاء الكنيست الذين انتقلوا من جانب إلى آخر من أجل تحقيق مكاسب مادية أو معنوية.

ومن الجائز أن "ثورة الكنيست" على التعيينات التي حاول شارون فرضها ورفض الكنيست تعيين ثلاثة وزراء جدد تظهر بعض أبعاد الوضع الجديد. وقد نشرت الإذاعة الإسرائيلية يوم أول من أمس، الأحد، نتائج استطلاع أجري داخل الليكود وأظهر أن مركز الليكود يؤيد بشدة المتمردين على شارون. كما أن الاستطلاعات العامة تظهر تراجع مكانة الليكود في نظر الشارع الإسرائيلي.

وهكذا فإن شارون يحاول من خلال الولايات المتحدة الحصول على مكاسب سياسية جدية تتيح له خلق توازن لمصلحته على الصعيدين الحزبي والائتلافي. وإذا بقيت حال العرب هكذا، فليس هناك ما يمنع الرئيس الأميركي من تقديم "تنازل" كهذا لشارون على حساب الفلسطينيين والعرب.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات