المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تحليل أخباري
  • 811

حملت الصحف الإسرائيلية في الأيام الأخيرة الكثير من الأنباء حول قرار إقامة "حزام أمني" بعرض ثمانية كيلومترات في قطاع غزة. وقالت إن الهدف هو منع الفلسطينيين من إطلاق صواريخ على سديروت. وأشار بعضها الى أن هذا القرار يتسم بأهمية خاصة لدى رئيس الحكومة الإسرائيلية أريئيل شارون الذي تقع مزرعته في نطاق صواريخ القسام. ولكن قلة من الصحافيين الإسرائيليين حاولت التدقيق في هذا الخبر ومعرفة مفاعيله على الأرض. والواقع أنه برغم حجم المعلومات التي توفرها الأجهزة الإسرائيلية للجمهور، عبر وسائل الإعلام، يبقى هذا الجمهور بعيدا عن رؤية الواقع. والسبب ذلك الحجم الكبير من المعلومات المضللة.
فقطاع غزة الذي يمتد على طول خمسين كيلومترا يقع في شريط ضيق يتراوح عرضه بين خمسة الى اثني عشر كيلومترا. ولأن مساحة القطاع لا تزيد عن ثلاثمئة وستين كيلومترا فإن متوسط عرض القطاع هو حوالى سبعة كيلومترات. ومن وجهة حسابية فإن الحزام الأمني الإسرائيلي "المقرر" لا يعني السيطرة فقط على القطاع، وإنما على كيلومتر آخر من البحر. وباختصار، فإن القرار بإنشاء حزام أمني إسرائيلي في القطاع هو ذروة "اللامعقول" في الأداء الرسمي الإسرائيلي تجاه الصراع مع الفلسطينيين.


وهكذا انطلقت المدرعات والدبابات الإسرائيلية في خطوة تظاهرية نحو بيت حانون لتجسد بدء تنفيذ "الحزام الأمني". وبغية الحيلولة دون تذكير الإسرائيليين بسياق أحداث آخر في لبنان أشار العسكريون الى رفضهم استخدام تعبير الحزام الأمني. إذ إن كل ما يتطلعون إليه ليس احتلال مناطق فلسطينية بقصد السيطرة عليها، وإنما "تقليص" القدرة الفلسطينية على إطلاق الصواريخ. وهكذا لم تقم الدبابات الإسرائيلية هذه المرة بدخول بلدة بيت حانون، ووقفت عند محيطها. ولم تنس أن تعلن أنه بخلاف عملية رفح لا تنوي القوات الإسرائيلية تنفيذ "عمليات حلاقة" للبيوت والمزارع في المنطقة. والهدف طبعاً، حسب الادعاء الإسرائيلي، هو تقليل معاناة السكان الفلسطينيين هناك وحصر الصراع فقط مع المقاتلين.


ولكن الحقيقة خلاف ذلك. فلم تعد هناك في بيت حانون مزارع وبساتين يمكن اقتلاعها، كما أن جميع البيوت في "المنطقة الأمنية" هدمت. وهكذا من الوجهة العملية لم يكن أمام الجيش الإسرائيلي في بيت حانون من مهام سوى التظاهر بالحضور الى حين هدوء الخواطر. وهنا لا ينبغي أن ننسى أمرين: الأول هو أن تقدم القوات الإسرائيلية باتجاه بيت حانون لم يكن يعني شيئا من الناحية العسكرية. فالطائرات والمروحيات وأجهزة الرصد الإسرائيلية تسيطر تماما على هذه المنطقة، ووجود القوات على الأرض لا يقدم ولا يؤخر. وهذا فعلاً لم يمنع الفلسطينيين من مواصلة إطلاق الصواريخ، وتحديدا على سديروت. والثاني أن رئيس الحكومة الإسرائيلية أريئيل شارون خرج عن طوره وطلب من الجيش قصف بيت حانون بالمدفعية. ولذلك كان لا بد للجيش من فعل شيء لا يدفع إسرائيل الى اقتراف جريمة حرب علنية وعلى نطاق واسع.
ومع أن خواطر شارون "هدأت" في المداولات، كما كتب المراسلون العسكريون، فإنه عاد الى الهياج وأعلن يوم أمس أن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي وسترد على صواريخ القسام بالمثل. وإذا كان لذلك من معنى فإنه يقصد تدمير قطاع غزة. وثمة معنى كبير لذلك في ضوء خطته للفصل عن القطاع. ويمكن لكل من يعلم أن قطاع غزة بات عملياً مخيماً واسعاً للاجئين بعد أن حشرت إسرائيل في حوالي نصف أراضيه أكثر من مليون وثلاثمئة ألف نسمة، أن يدرك معنى الحزام الأمني الإسرائيلي. ومن الواضح أن الحديث عن "الحزام الأمني" لا يتصل بالموقف الراهن بل بما سوف ينشأ إذا تم تنفيذ خطة الفصل.

 

وهنا يكثر الحديث عن الفشل الإسرائيلي في "كيّ الوعي" الفلسطيني، وهو التعبير العسكري الذي استخدمه الجنرال موشيه يعلون لوصف الفعل الإسرائيلي ضد الانتفاضة الفلسطينية. وكان بنيامين نتنياهو قد سبق أقرانه في حديثه عن "الحاجز الزجاجي" الرادع للسمكة الفلسطينية المفترسة، وهو كرر بذلك نظرية زئيف جابوتنسكي حول "الجدار الفولاذي". واليوم تجتمع في إسرائيل قيادة تعمل على الجمع بين النظرتين الدفاعية والهجومية في الجدار الفاصل والردع الشديد الذي يكوي وعي الفلسطينيين ويذكّرهم بالخسائر التي يُمنون بها عند التفكير بأي عمل ضد إسرائيل.

وقد دفع الفشل الإسرائيلي المتكرر في إخضاع الفلسطينيين العديد من السياسيين والكتاب الى المطالبة بتغيير المنطق المعهود. وكتب كوبي أوز في "معاريف": "لقد مللت من الخطة العبقرية ل"كي الوعي". ومنذ سنوات ونحن نكوي وعي العدو والوضع يزداد سوءاً. والعمليات صارت صواريخ قسام وليس أمامنا مستقبل واعد". وطالب بالبحث عن أفق سياسي.

 

غير أن أشد ما يرهق شارون وعصابته تلك الأنباء التي تعاظمت يوم أمس والتي قالت إن الكثيرين من سكان سديروت يريدون مغادرتها. صحيح أن حكومة شارون وضعت خطة لمساعدة سكان سديروت ولكن الخبراء يقولون إنه ليس هناك احتمال بأن يتوقف قصف صواريخ القسام عليها. فمثل هذا الوقف يحتاج الى "شريك فلسطيني". وشارون بنى كل نظريته الأمنية على فكرة انعدام الشريك. لذلك يصعب الحديث عن حزام أمني في ظل إصرار إسرائيل على عدم وجود شريك فلسطيني.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات