المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب محمد دراغمة:

عندما التقى قادة حركة حماس مع رئيس الوزراء محمود عباس مطلع الأسبوع الماضي قدموا له قائمة تفصيلية بالخروقات الإسرائيلية لشروط الهدنة، وفي نهاية الأسبوع زادت التفاصيل تحت العناوين: الشهداء 13، الجرحى30 وهناك 26 عملية اجتياح وعدد متزايد يومياً من المعتقلين..".

وقد جاءت العملية الإسرائيلية في نابلس في نهاية الأسبوع (الجمعة 9 آب) لتشكل تجاوزاً للمعيار بالنسبة لحركة حماس وغيرها من القوى الفلسطينية المسلحة، التي يسعى أبو مازن لإقناعها بتمديد الهدنة، حيث رأت في اجتياح المدينة بقوة ضخمة، وقيامها بعملية واسعة خلفت أربعة قتلى وخمسة جرحى وسبع عائلات مشردة دون بيوت، إمعاناً إسرائيلياً في مواصلة عملياتها العسكرية في الأراضي الفلسطينية، في الوقت التي تواصل فيه هذه القوى التزامها الكامل بتجميد العمليات العسكرية.

وكما كان متوقعاً فقد أعلنت تلك القوى عن عزمها الرد على ما وصفته بالجريمة الإسرائيلية، وجاء الرد خصوصاً من الجهازين العسكريين لحركتي حماس وفتح، اللذين فقدا العديد من عناصرهما وكوادرهما بين قتلى وأسرى في العمليات الإسرائيلية المتواصلة أثناء الهدنة.

وجاءت عمليات إطلاق القذائف من قطاع غزة على الأهداف الإسرائيلية في اليوم التالي لتشكل على الأقل مؤشراً على ما ستشهده الهدنة من فعل إسرائيلي ورد فعل فلسطيني في الفترة القادمة.

ويقول الدكتور خليل الشقاقي مدير "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية" أن حماس تفكر في الرد على ما حصل في نابلس، بمعنى أن تقوم بعملية ما، وفي نفس الوقت تواصل التزامها بالهدنة، وتعلن أن هذا جاء فقط رداً على ما تفعله إسرائيل".

وإذا ما حدث ذلك فإن الدكتور خليل يتوقع ألا ينتهي الأمر عند هذا الحد، بل ستتواصل عمليات الفعل ورد الفعل خلال الأشهر الأربعة أو الخمسة القادمة.

لكن هل سيقود ذلك إلى انهيار الهدنة وسقوطها؟؟

يرى الدكتور خليل أن الهدنة ستستمر على هذا النحو لوجود مصالح مؤقتة لمختلف الإطراف في استمرارها. "فإسرائيل تريدها كي تقول للعالم بأن السلطة لا تحارب المنظمات المسلحة، لذا فإنها ستواصل القيام بعمليات من هذا النوع".

وفلسطينياً – يضيف الشقاقي ، فإن السلطة غير قادرة على الدخول في مجابهة مع القوى المسلحة لسببين ،الأول: أن من لا يؤمن بالعمل المسلح من الفلسطينيين غير مستعد للدخول في حرب أهلية مع المؤمنين به، والمؤمنون بالعمل المسلح لا يريدون تدمير القدرة الفلسطينية على القيام به مستقبلاً لإدراكهم أن إسرائيل لن تطبق خارطة الطريق ولا تريد السلام".

وقد أدت الهدنة إلى تغيير في إيقاع الحرب التي يشنها شارون على الفلسطينيين، بحيث توقفت عمليات الاغتيال المباشرة، واستمرت عمليات الاجتياح والاعتقال بما تتضمنه من سقوط ضحايا في كثير من الأحيان.

لكن ذلك لم يبعد شبح العودة لعمليات الاغتيال بشكلها البشع، والاجتياحات الواسعة، خصوصاً في قطاع غزة، والتي كانت تحصد عشرات القتلى والجرحى والبيوت المهدمة، فما انفك رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون ووزير دفاعه شاؤول موفاز يعلنان استعداد الجيش لمرحلة ما بعد الهدنة، متهمين حركة حماس بالاستعداد لهذه المرحلة بتصنيع الصواريخ.

وتشكل العمليات الإسرائيلية الراهنة، مترافقة مع مواصلة البناء في الجدار الفاصل، بما يؤدي له من تدمير لمساحات هائلة من الأراضي الفلسطينية، خروقات للهدنة وعمليات عدائية تستوجب على الأقل رداً عليها.

ويقول الدكتور خليل الشقاقي: على ضوء الممارسات الإسرائيلية فإن الهدنة لن تكون في الشهور الأربعة أو الخمسة القادمة كما كانت علية، بل سنشهد نمطاً جديداً منها يقوم على الخروقات المتبادلة".

لكن المعضلة الأكبر في طريق الهدنة ستأتي مع حلول الاستحقاق الأهم المطلوب من الجانب الإسرائيلي في نهاية المرحلة الأولى من خطة خارطة الطريق وهو تجميد الاستيطان، الذي سيكون الاختبار الأكبر لشارون، بين الاستمرار في تطبيق الخطة المتبناة أمريكياً، أو العودة إلى دوامة الدم والدمار...

ويقول الدكتور خليل ان شارون سياسي يميني، وهو يريد أن يعطي أقل شيء ممكن، بما يتيح له أن يبقى رئيساً للوزراء، ويحافظ على علاقات حسنة مع الولايات المتحدة، مشيراً إلى أهمية العامل الأخير على وضع الاقتصاد في إسرائيل وعلى مكانة الدولة العبرية في العالم.

وعليه فإن السيناريوهات المتوقعة في مرحلة ما بعد الهدنة، كما يراها الدكتور خليل، تتمحور حول التالي.

- العودة إلى وضع ما قبل الانتفاضة مع إزالة بعض البؤر الاستيطانية، مترافقاً مع تجريد الفصائل الفلسطينية من قدرتها على محاربة إسرائيل.

وهذا يعني أن خطة خارطة الطريق ستكون مقيدة بمرحلتها الأولى، ذلك أن شارون لن يكون مستعداً لدولة فلسطينية متواصلة جغرافياً، وفق ما تنص عليه خارطة الطريق، وهو ما يتطلب، حسبما يقول الدكتور خليل، إزالة 34 مستوطنة في الضفة، وجميع المستوطنات في غزة قبل الوصول إلى الحل الدائم.

- توقف العملية برمتها بسبب قيام شارون بالتهرب من تجميد الاستيطان وفق ما تنص عليه المرحلة الأولى من خارطة الطريق وهو ما يرجح الدكتور خليل الشقاقي وقوعه.

وهو يشير هنا إلى إمكانية قيام أمريكا بضغط على إسرائيل، وتعرض شارون لضغط من الرأي العام الإسرائيلي لتفضيله الاستيطان على السلام، وربما يصل الأمر لحدوث انتخابات مبكرة تكون نتيجتها محكومة لما سيحصل في الأشهر الخمسة القادمة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات