المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • منوعات
  • 3199

أرنو ميمران هو ملياردير فرنسي يهودي متهم في قضية احتيال اشتهرت باسم "لسعة القرن"، ويحاكم في فرنسا على سرقة 283 مليون يورو، والضلوع في قتل شخص له صلة بالقضية. وتشير الشبهات ضده إلى أنه هرّب هذا المبلغ إلى إسرائيل، التي زارها مرات كثيرة، وأجرى عملية غسيل أموال، وحصل مقابلها على 50 مليون يورو، حوّلها إلى فرنسا، عن طريق تحويلات بنكية وتهريب مبلغ نقدي منها بطائرته الخاصة. وتمكن ميمران من فعل ذلك، لأنه يحمل الجنسية الإسرائيلية. وخلال جلسة في المحكمة المركزية في باريس، مؤخرا، شهد ميمران بأنه تبرع بمبلغ مليون يورو لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، من أجل تمويل حملته الانتخابية.

نتنياهو لم ينفِ علاقته مع ميمران وعائلته، خاصة وأن تحقيقا صحافيا مشتركا، نشرته صحيفة "هآرتس" وموقع الكتروني فرنسي، عمم صورة لميمران ونتنياهو أثناء إجازة قضاها الأخير في ضيافة ميمران في موناكو. لكن نتنياهو نفى أنه تلقى تبرعا سخيا بالمبلغ الذي ذكره ميمران، وإثر ذلك صحح الأخير شهادته وقال إن المبلغ الذي تبرع به لنتنياهو كان 40 ألف يورو. ومهما كان المبلغ، فإن نتنياهو لم يبلغ الجهات ذات العلاقة بحصوله على أي مبلغ من ميمران.

ليس واضحا بعد كيف ستنتهي هذه القضية، لكنها دفعت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى تسليط الضوء على "جنة عدن الإسرائيلية للمحتالين الفرنسيين". فقد تغيب عن جلسة محاكمة ميمران ستة متهمين من أصل 12 متهما، لأنهم تواجدوا في إسرائيل، إذ أنهم يحملون الجنسية الإسرائيلية. والستة الآخرون حصلوا هم أيضا على الجنسية الإسرائيلية، لكن إسرائيل سلمتهم إلى السلطات الفرنسية.

وكتبت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، قبل أسبوعين، في تقرير تناولته صحف إسرائيلية، أنه "إذا كانت الغالبية الساحقة من اليهود الفرنسيين الذين يهاجرون إلى إسرائيل مستقيمة، فإن مئات آخرين اختاروا الهجرة إلى إسرائيل من أجل التهرب من دعاوى في فرنسا أو أنهم يستخدمون إسرائيل كقاعدة للاحتيال الذي يخططون لتنفيذه في خارج البلاد".

فقد كُشفت مؤخرا سلسلة قضايا احتيال كان يهود فرنسيون هاجروا إلى إسرائيل ضالعين فيها. واعتقلت الشرطة الإسرائيلية سبعة يهود فرنسيين هاجروا إلى إسرائيل ويسكنون في مدينة نتانيا، في بداية أيار الماضي، بشبهة ارتكابهم جرائم احتيال كبرى ضد شركة كبيرة في أنحاء العالم. وبحسب الشبهات، فإن المشتبه بهم السبعة اخترقوا صناديق البريد الالكتروني لمسؤولين في هذه الشركات وأقنعوهم، بالخديعة، بتحويل أموال إلى "مزودي خدمات وبضائع" بينما وصلت الأموال إلى حساباتهم. وتلاحق الشرطة الفرنسية خمس شركات "فوريكس" إسرائيلية بشبهة الاحتيال على مستثمرين وسرقة 105 ملايين يورو منهم. واعتقلت الشرطة الإسرائيلية 15 مشتبها بهم في هذه القضية. كما اعتقل في نيسان الماضي خمسة يهود فرنسيين هاجروا إلى إسرائيل في إطار قضية الاحتيال "لسعة الرؤساء". ورئيس عصابة المحتالين هذه محكوم عليه في فرنسا بالسجن لسبع سنوات وغرامة بمبلغ مليون يورو، لكنه يعيش طليقا حاليا ويسكن في فيللا ومحاط بحراس شخصيين في مدينة أسدود في جنوب إسرائيل.

وهناك قضايا مشابهة عديدة أخرى، بينها الاشتباه بيهوديين فرنسيين يسكنان في تل أبيب وهرتسيليا، في بداية العام الماضي، بأنهما جمعا معلومات حول أشخاص يتولون مناصب رفيعة في مئات الشركات الفرنسية وسعوا إلى الاحتيال عليهم. وتنكر الاثنان بأنهما محاميان ووكلاء لاعبين ورجال أعمال، وتوجهوا إلى الشركات الفرنسية المستهدفة من أجل تنفيذ تحويل أموال إلى حساباتهم البنكية.

"قانون العودة" مصدر إحباط

تزايد في السنوات الأخيرة عدد اليهود الفرنسيين الذين هاجروا إلى إسرائيل بموجب "قانون العودة" الذي يسمح لليهود في أنحاء العالم بالهجرة إلى إسرائيل والحصول على الجنسية والتمتع بامتيازات كثيرة.

وفي العام 2013 هاجر 3300 يهودي فرنسي إلى إسرائيل، وارتفع هذا العدد في العام 2014 إلى 6700، وفي العام 2015 إلى 7500. ومعظم هؤلاء المهاجرين جاؤوا من خلفية اجتماعية – اقتصادية عالية. والادعاء هو أن بين أسباب هجرتهم موجة التوتر الديني والتخوف من العداء للسامية في فرنسا. لكن قضايا الاحتيال التي تتكشف باستمرار تدل على أن قسما من المهاجرين اليهود الفرنسيين يرون بإسرائيل ملاذا يلجأون إليها هربا من سلطات تطبيق القانون في فرنسا.

وتشغل قضايا الاحتيال هذه قسم التحقيقات الدولية في وزارة العدل الإسرائيلية والقسم الفرنسي الموازي له بشكل مكثف خلال السنوات الأخيرة، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "ذي ماركر" قبل أسبوعين. ويتبين أن إجراءات تسليم مطلوبين إسرائيليين إلى فرنسا تتزايد سنة بعد أخرى، كما أن التعاون بين الدولتين يتعمق.

وقالت الصحيفة إن "قانون العودة الإسرائيلي بمجمله يشكل مصدر إحباط يومي للمحققين في مجال الاحتيال الدولي، إذ كلما ازداد عدد المهاجرين الجدد من دولة معينة، ازداد معه عدد الذين يبحثون عن ملجأ في إسرائيل ويستغلون إجادة اللغة والاتصالات في موطنهم الأصلي من أجل إخراج جرائم إلى حيز التنفيذ من قاعدتهم الإسرائيلية الجديدة".

ونشرت منظمة New World Health، في نهاية آذار الماضي، تقريرا حول حجم تنقل رأس المال في العالم. ووفقا لهذا التقرير، فإن 25% من بين عشرة آلاف مليونير غادروا فرنسا في العام الماضي كانوا يهودا. ووفقا للتقرير نفسه، دخل إلى إسرائيل في العام نفسه أربعة آلاف مليونير جديد، وسكن ألفان منهم في تل أبيب، والآخرون سكنوا في مدن هرتسيليا ونتانيا والقدس.

وتدل هذه المعطيات على حقيقة أن إسرائيل تحولت في السنوات الأخيرة إلى مركز يجذب الأثرياء اليهود من أنحاء العالم، وليس من فرنسا فقط. وقال المحامي أريك غروبر، المتخصص في هذا المجال، إنه "توجد جالية ايطالية واسعة تحول في هذه الأيام الكثير من المال إلى إسرائيل، تحسبا من خطوات قد تنفذها الحكومة الايطالية. لكننا نعرف أنه يوجد الكثير من الفرنسيين الذين يأتون ويشترون عقارات في إسرائيل".

وأحد الأسباب التي جعلت إسرائيل مركزا لجذب الأثرياء اليهود هو تعديل القانون، في العام 2008، والذي يُمنح بموجبه المهاجرون الجدد والمواطنون العائدون إعفاء من دفع الضرائب لمدة عشر سنوات على دخل من أعمال جرت خارج إسرائيل أو من عقارات خارج إسرائيل. كذلك ينص تعديل القانون على إعفاء المهاجرين الجدد والمواطنين العائدين من إعطاء السلطات تقارير حول دخلهم خارج إسرائيل ومن تقديم تصريح حول أملاكهم وأموالهم في الخارج. وأشارت "ذي ماركر" إلى أن "هذا التعديل قد يشكل عامل جذب لمن يرغب بأن يدخل رأس مال أسود إلى إسرائيل". وأضافت الصحيفة أنه لا توجد معطيات حول حجم رأس المال الأجنبي الذي دخل إلى إسرائيل بهذه الطريقة وحول طبيعته لدى البنك المركزي ووزارة العدل وسلطة الضرائب في إسرائيل.

تبييض المال الأسود

رغم ذلك، قالت مساعدة المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، تمار فالدمان، خلال جلسة للجنة المالية في الكنيست، عقدت قبل سنتين، وناقشت مكافحة رأس المال الأسود، "إننا نرى بالأساس جرائم نُفذت في إسرائيل، ولكننا نرى أيضا جراءم نُفذت خارج البلاد وتحويل أموال إلى البلاد، سواء بواسطة تحويلات بنكية أو بواسطة تحويل أموال نقدا عن طريق الحدود. ونرى أيضا أشخاصا يُضبطون في معبر الحدود ويحملون أموالا، وعندما يسألونهم عن هدف الأموال، يقولون إن الهدف هو شراء عقارات. وكانت هناك حالات اعترف فيها مواطنون فرنسيون بأنه لم تسدد الضرائب على هذه الأموال في فرنسا أو في دول أخرى وصلت الأموال منها".

وقال تقرير نشره مراقب الدولة الإسرائيلية، في العام 2014، إن "الإعفاء من إعطاء تقارير ودفع ضريبة الممنوح للمهاجرين الجدد والمواطنين العائدين بموجب التعديل رقم 168، غايته تشجيع الهجرة اليهودية والعودة إلى البلاد. لكن منح إعفاء واسع من تقديم تقارير قد يشكل حافزا لتبييض أموال أو لاستخدام أموال جرى تبييضها خارج البلاد، وهذه أمور قد تضر بالمجتمع والاقتصاد".

وأكد الباحث في موضوع رأس المال الأسود في إسرائيل والمحاضر في الكلية الأكاديمية في نتانيا، الدكتور أفيحاي سنير، أنه "توجد في إسرائيل ظاهرة تبييض أموال على أيدي مهاجرين يهود من أنحاء العالم. من الناحية التاريخية، اعتبر المفهوم الإسرائيلي أن اليهود مساكين ويجب مساعدتهم في تهريب أموالهم. هذا المفهوم موجود منذ بداية الدولة، وبقي لسنوات طويلة جدا. واليوم يوجد الإعفاء من الضريبة لعشر سنوات. ويتعين على البنوك هنا أن تسألك ما إذا كنت قد سددت الضرائب على المال الذي جنيته خارج البلاد، لكن إذا كنت مهاجرا جديدا فلا أحد يسألك. وإذا كانت لديك مصلحة تجارية تعمل هناك، فستضطر بعد عقد من تسديد ضرائب من دخلها، ولكن في هذه الأثناء يكون المال قد تحول إلى أبيض".

ويقدر المحامي أريك غروبر، المتخصص في هذا المجال، أنه "يدخل إلى إسرائيل مال أسود كثير. وتوجد طرق متنوعة لتحويل الأموال إلى إسرائيل. وهناك سماسرة يعرفون كيف يحولون هذه الأموال. وبإمكانهم المجيء إلى إسرائيل بيخوت أو طائرات خاصة. وبالإمكان تنفيذ ذلك بواسطة إقامة شركات وهمية. والمال الأسود الذي يدخل البلاد ليس أمرا جديدا".

وقال مسؤول سابق في وحدة التحقيقات التابعة لسلطة الضرائب إن إعفاء المهاجرين والمواطنين العائدين من الضرائب لعشر سنوات هو "مصدر لا ينضب لتبييض الأموال". وأضاف أنه "توجد أساليب كثيرة لتحويل أموال نقدا إلى البلاد. يوجد ما يسمى ’حوالوت’ (تحويلات)، وهذه جهات تعطيها المال في خارج البلاد وهم يعطونك مقابله مالا في البلاد. وبالإمكان نقل أموال على الجسد".

ويقول ضباط شرطة إن طرق إدخال مال أسود إلى إسرائيل متنوعة. وبينها الطرق التقليدية بواسطة تحويلات بنكية أو وسائل دفع حديثة مثل النقود الرقمية الانترنتية "البيتكوين" أو بواسطة الشبكة غير التقليدية أو الشبكة المظلمة (Darknet). وبالإمكان إدخال مال أسود بواسطة بضائع أو تحت غطاء تحويلات تجارية في إطار استيراد وتصدير. ووفقا لهؤلاء الضباط فإن "العلاقات الواسعة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي والرغبة في إزالة معيقات أمام الاستيراد والتصدير تسمح لمن يريدون ذلك بأن يرووا قصصا حول تحويل أموال من طرف ثالث".
شراء عقارات

ثمة طريقة أخرى لتبييض الأموال هي من خلال فرع العقارات. ويتخوف مقاولون ومحامون ووسطاء يعملون في هذا المجال من الحديث عن الموضوع، ويدعون أنه لا توجد إمكانية لديهم لمعرفة ما إذا كان العقار الذي يبيعونه اشتري بمال أسود. لكنهم يقولون إنه حتى لو لم يتم شراء شقق مقابل حقائب مليئة بالأموال نقدا، فإن ثمة حالات لا يكون لديهم شك حيالها بأن الحديث يدور حول مال أسود.

وقال أحد وسطاء العقارات إن "هذه أمور موجودة. عندما يأتي شخص إلى هنا ويشتري أربع أو خمس شقق بصفقة واحدة، فهذا لا يبدو طبيعيا. وأعتقد أنه بعد أن جمعوا مالهم، فإنهم يستثمرونه في إسرائيل لأسباب تخصهم".

وقال وسيط عقارات آخر متخصص بالعمل مقابل يهود فرنسيين، إن "معظمهم يحبون أن يدفعوا بشروط دفع مؤجلة، ولكن يوجد تركيز من جانب السلطات الفرنسية على أولئك الأشخاص وجزء من الصفقات يتم نقدا. وترى أشخاصا يختارون الاستثمار هنا وتعلم أنه بإمكانهم أن يجنوا أرباحا أفضل في أماكن أخرى. ربما هم يعتقدون أنهم محميون هنا أكثر، وربما هذا استثمار عاطفي".

لكن موظفا كبيرا سابقا في سلطة الضرائب اعتبر أنه "عندما يكون بحوزتك مال لم يتم إبلاغ السلطات بشأنه، وتشتري عقارا هنا وفي أماكن أخرى، بشكل مباشر أو بواسطة شخص آخر توكله، فإن هذه عملية تبييض أموال. ويمكن لهذا الأمر أن يكون سببا في ارتفاع أسعار العقارات".

وأضاف أنه "عندما يدخل أشخاص وهم حاملون مالا غير قانوني إلى إسرائيل، فإنهم يبحثون عن صفقات تستدعي دفع مبالغ كبيرة نقدا، وبالإمكان من خلالها تبييض أموال بضربة واحدة. بإمكان (شراء) شقة فخمة واحدة أن تغطي عملية احتيال واحدة. واستثمار هذه الأموال في العقارات هو المرحلة الأخيرة في هذه العملية، بعد إدخال المال إلى البلاد. وإبقاء المال في البنك ينطوي على إشكالية أكبر لأنه يكون مكشوفا أكثر. وفي مجال العقارات بإمكانك تسجيل العقار باسم العمة أو الأخت أو شخص وهمي، بينما حساب بنكي فيه عدة ملايين من اليورو هو أمر تُعطى تقارير بشأنه وقد يثير شبهات. وفي غالب الأحيان، فإن من يفعل هذه الأمور يجزئ المخاطر، إذ أنه يستثمر جزءا في الأسهم، وجزءا في شركات، وجزءا في العقارات وجزءا يبقى في البنك".

وأوضح سنير أنه "في إطار محبة إسرائيل لرأس المال اليهودي، عملت البنوك الإسرائيلية في دول أجنبية وغازلت رأس المال ليهود لم يرغبوا في إيداعه في أماكن أخرى. وقضايا بنك ليئومي في سويسرا والولايات المتحدة تفجرت لأنه فجأة غيروا القوانين، وتم ضبطهم فيما هم غير مستعدين. وتوجد مشكلة اليوم في المال الأسود عموما وفي فرنسا خصوصا حيث يتحدثون عن أن 20% من المال أسود. وسويسرا قريبة منها وكان بالإمكان حتى الآن تخبئة المال هناك، لكن في السنوات الأخيرة توجد موجة تسريبات ضد البنوك السويسرية. وهذا يجلب إلى إسرائيل أموالا كثيرة".

وقال المحامي أريئيل بوبلي، الذي يعمل مع يهود مهاجرين من فرنسا إلى إسرائيل، إنه منذ سن الولايات المتحدة قوانين "فاكتا"، التي تطالب البنوك بمتابعة مصدر المال وتضع قيودا عليها لمنع تبييض أموال، "يوجد توجه بتحويل الأموال إلى إسرائيل واستثمارها في العقارات، من أجل التهرب من انعدام اليقين المالي في أوروبا. كما أن الأحداث الأمنية غير المتوقفة في فرنسا تدفعهم إلى الهجرة. قبل شهرين نظمنا معرض هجرة في فرنسا وكان مزدحما. فالأفراد يريدون بكل بساطة أن يضعوا رجلهم على الأرض".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات