المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • منوعات
  • 3753

أظهرت قائمة الأثرياء الـ 500 الكبار في إسرائيل، التي تصدرها سنويا المجلة الشهرية لصحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية التابعة لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، حجم التأرجحات في الثروات الكبرى، خاصة في أسواق المال. فقد تبين أن اجمالي ثروة الأثرياء الـ 500 بلغ هذا العام 1ر136 مليار دولار، أقل مما كان عليه في العام الماضي 2015- حوالي 140 مليارا، إلا أن ثريا واحدا متجنّسا إسرائيليا خسر في العام الماضي وحده ما يقارب 9 مليارات دولار.

وكما في كل عام، فإن قائمة الـ 500 تُظهر أيضا حجم الفجوات الضخمة بين الأثرياء أنفسهم، في حين أنه كما هو حال السنوات الـ 12 الأخيرة، فإن القائمة تضم عربيا واحدا ويُدرج في المرتبة 384 من بين 500.

وتضاعفت الثروة الاجمالية للأثرياء الـ 500 منذ العام 2003 وحتى العام الحالي بنسبة 367%، لكن جزءا واضحا من هذا التضخم ناجم أيضا عن تجنيس عدد من الأثرياء اليهود، من دول الاتحاد السوفييتي السابق، وأيضا من أوروبا، بينما هناك أثرياء، وبالأصح حيتان مال على مستوى عالمي، يتحركون في الاقتصاد الإسرائيلي، ولكنهم لم يطلبوا الجنسية رغم أنهم يهود، وأولهم الصديق الأقرب والممول الأكبر لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الملياردير الأميركي اليهودي شلدون إدلسون، الذي يملك صحيفة "يسرائيل هيوم" المجانية اليومية، الداعمة كليا لنتنياهو، والتي باتت الأكثر انتشارا من بين باقي الصحف.

وقالت "ذي ماركر" إن المقياس الذي اتبعته لاحتساب الثروة، هو أن يكون الثري من الإسرائيليين، صاحب الثروة الصافية حتى الأول من نيسان 2016، وبموجب المعلومات التي لدى الصحيفة، وتشمل كافة الأسهم في كافة الشركات والمؤسسات، والاستثمارات المالية في البورصة، وقيمة العقارات المملوكة، والسيولة النقدية المتوفرة حتى ذلك اليوم، التي تملكها العائلة أو الفرد أو المجموعة الاقتصادية الواحدة، وبعد أن تم انتقاص الديون الشخصية، بموجب المعلومات المعلنة.

كما اعتمدت الصحيفة تقارير معتمدة، ومنها تقارير البورصة عن كل واحد من هؤلاء الأثرياء. وجرى احتساب الثروة بناء على سعر صرف 9ر3 شيكل للدولار.

وتضم القائمة 500 ثري ضمن 245 عائلة. وهناك 151 ثريا ثرواتهم مسجلة بأسمائهم وحدهم، بينما 349 ثريا ضمن 94 عائلة، ما يعني أنه في حال تفككت شراكة أبناء العائلة الواحدة في أي لحظة فإنهم سيخرجون من قائمة الأثرياء الـ 500.

وجاء في رأس القائمة الثري الإسرائيلي ستاف فريطهايمر وأبناء عائلته الاربعة، مع ثروة 3ر8 مليار دولار، إذ كان قد تراجع في العام الماضي إلى المرتبة الثانية، بعد حصول الثري الفرنسي باتريك ديرهي في العام الماضي على الجنسية الإسرائيلية، حاملا ثروة تتجاوز 16 مليار دولار، وخسر منها حتى العام الجاري 85ر8 مليار دولار، ليحل في المرتبة الثانية.

ورأينا في قراءة القائمة، أن 56 عائلة ثرية سجلت خسائر بقيمة تجاوزت بقليل 16 مليار دولار، بينما سجلت 105 عائلات أرباحا بقيمة تجاوزت بقليل 6 مليارات دولار.

فجوات في الثراء

وعمل التقرير على تقسيم الأثرياء إلى خمس مجموعات، الأولى التي للعائلة أو الفرد من مليار دولار وصاعدا، والثانية من 500 مليون إلى 999 مليون دولار، والثالثة من 200 مليون إلى 499 مليون دولار، والرابعة من 100 مليون إلى 199 مليون دولار، والخامسة الدنيا من 76 مليون إلى 99 مليون دولار.

وكان في المجموعة الأولى 37 عائلة، من ضمنها 20 فردا، بمعنى الثروات مسجلة على أسمائهم شخصيا، و67 ثريا ضمن 17 عائلة. وبلغت ثروة العائلات الـ 37حوالي 8ر85 مليار دولار، وهو ما يشكل نسبة 63% من اجمالي ثروة الأثرياء الـ 500. ولكن ثروة العائلات العشر الأولى ضمن هذه المشروع بلغت مجتمعة 45 مليار دولار، بمعنى 33% من اجمالي ثروة الـ 500. واللافت في ثروة العشرة الأوائل أن الثروات مسجلة بأسماء افراد، باستثناء ستاف فيرطهايمر، المسجلة ثروته على اسمه وزوجته وأبنائهما الثلاثة. كما أن يتسحاق تشوفا، المحتكر الإسرائيلي الأكبر لقطاع الغاز الطبيعي، مسجل ثروته مع زوجته.

وضمن هذه المجموعة وحدها، بلغت الخسائر حوالي 6ر13 مليار دولار، ما يشكل 85% من اجمالي الخسائر في هذا العام، كما سجلت 9ر3 مليار دولار أرباحا، ما يشكل 64% من الأرباح التي حققها الأثرياء في القائمة.

وبلغت الثروة الاجمالية للمجموعة الثانية- 18ر16 مليار دولار، وضمن 23 عائلة، بينهم 12 فردا، في حين أن 11 عائلة ضمت 43 شخصا.

وشملت الشريحة الثالثة، التي تتراوح فيها الثروات من 200 مليون إلى 499 مليون دولار، 69 عائلة، وبلغ اجمالي ثروتها قرابة 84ر19 مليار دولار.

وفي المجموعة الرابعة، التي تتراوح فيها الثروات من 100 مليون إلى 199 مليون دولار، فقد وجدنا 84 عائلة، بثروة اجمالية قاربت 5ر11 مليار دولار.

وبلغ اجمالي ثروة المجموعة الخامسة، 76ر2 مليار دولار، توزعت على 32 عائلة، من بينها 21 فردا، و11 عائلة فيها 43 شخصا، ومثل هذه العائلات مرشحة للخروج من قائمة الأثرياء الـ 500 في حال تفككت شراكة أبناء العائلة الواحدة.

في قائمة الأسماء

خلافا للقائمة من العام الماضي 2015، فإن الأسماء الجديدة في قائمة الـ 500 لم تُحدث تلك الانقلابات في ترتيب الأثرياء، كما حصل قبل عام، حينما انضم إلى القائمة 51 اسما جديدا، بمعنى 10 بالمئة، وكانوا ضمن 30 عائلة ومجموعة جديدة. أما في قائمة العام الجاري 2016، فرأينا ظهور 28 اسما جديدا، ضمن 18 عائلة ومجموعة.

أيضا خلافا للعام الماضي، فإن الجدد في القائمة يملكون ثروات أقل من حيث حجمها مما كان في العام الماضي، إذ أن 20 اسما من أصل 28 اسما جديدا، كانوا ضمن المجموعة الرابعة التي تتراوح ثروة كل عائلة ومجموعة فيها ما بين 100 مليون إلى 199 مليون دولار.

أما في المجموعة الأولى، التي ثروة كل عائلة ومجموعة فيها من مليار دولار وأعلى، فقد انضم اثنان، كما يبدو إثر حصولهم على الجنسية الإسرائيلية، وأولهم آدم نويمان الذي تبلغ ثروته 5ر1 مليار دولار، وتليه روت بيرسول بثروة مليار دولار. وكلاهما حصلا على الجنسية في العام الأخير.

لكن قد يكون الاسم الجديد اللافت في القائمة، الرئيس السابق لاتحاد النقابات الإسرائيلية "الهستدروت"، عوفر عيني (57 عاما)، الذي غادر منصبه مستقيلا، في العام 2014، وانتقل مباشرة إلى عالم الاقتصاد، وخلال عامين، كان قادرا على اقتحام قائمة الأثرياء الـ 500، ضمن مجموعة اقتصادية من 4 أشخاص، وبثروة اجمالية للمجموعة من 100 مليون دولار، وهي مجموعة استثمارات متشعبة.

وكان عيني منذ توليه رئاسة "الهستدروت"، مقربا من كبار أصحاب العمل وحيتان المال، وبات الآن أكثر وضوحا سبب اهماله لقضايا العاملين في القطاع الخاص، خلال فترة رئاسته للهستدروت التي امتدت منذ العام 2006 إلى العام 2014، ففي حين نجح "الهستدروت" في اقامة لجان عمال في شركات ومؤسسات خاصة كبرى، إلا أنه لم يسع إلى اتفاقيات أجور عامة، ترفع الأجور أيضا في القطاع الخاص، وإنما فقط في القطاع العام.

وبرز حراك عوفر عيني مع كبار المستثمرين، في انتخابات ربيع العام 2009، ورأينا في ذلك العام، ما كانت تبدو اصطفافات اقتصادية غريبة عجيبة، وهي التنسيق العلني بين عيني، وعدد من كبار حيتان المال، واتحاد الصناعيين، فكان عيني عرّاب دخول حزب "العمل" إلى حكومة بنيامين نتنياهو الثانية، وضمن ما سُميّ في حينه "هدوءا نقابيا" لعامين كاملين، بمعنى عدم خوض أية نضالات نقابية كبرى، وخاصة اضرابات، وفي تلك الفترة، التي أعاد فيها نتنياهو سياسته الاقتصادية بصقريتها.

كما برز عيني في سنوات الألفين كالرجل القوي في حزب "العمل"، فقد انقلب على من فتح له الطريق إلى زعامة النقابات عمير بيرتس، ودعم عودة إيهود باراك إلى زعامة الحزب، ثم انقلب أيضا على باراك قبل أن انشق الأخير عن الحزب، في مطلع العام 2011، ثم لعب دورا في انتخاب شيلي يحيموفيتش رئيسة للحزب، في خريف العام ذاته- 2011.

أما بشأن تسلسل الأسماء من الأكثر ثراء، فقد عاد وتربّع على عرش القائمة، الملياردير الإسرائيلي القديم ستاف فيرطهايمر، الذي راوحت ثروته سوية مع زوجته وأبنائهما الثلاثة مكانها في العام الجاري، مع 3ر8 مليار دولار، زيادة بـ 50 مليون دولار عن العام 2015. وتبرز العائلة أساسا في شركات التقنيات التكنولوجية في إسرائيل وخارجها.

وحلّ في المرتبة الثانية، الثري الجديد إسرائيليا، الفرنسي اليهودي باتريك ديرهي، الذي طلب وحصل على الجنسية الإسرائيلية في العام الماضي 2015، ناقلا معه ثروة قاربت 5ر16 مليار دولار، إلا أنه خسر في العام الماضي 7 مليارات دولار، ليبقى مع 6ر7 مليار دولار، وكانت الخسارة ناجمة عن هبوط بنسبة 51% في سعر أسهم شركة "أطليس" الأميركية، التي يسيطر على 60% من أسهمها. ويقول خبراء إن ديرهي قد يكون بالغ في السنوات الأخيرة في سعيه لشراء أسهم في العديد من الشركات.

وديرهي (52 عاما)، هو يهودي ولد في المغرب العربي، ووالداه كانا من اليساريين، وهاجرت العائلة في نهاية سنوات السبعين إلى فرنسا، وأكمل تعليمه فيها، وفي بداية سنوات التسعين، فتح شركة صغيرة، كانت تعرض على الفرنسيين الاشتراك في شبكة كوابل تلفزيونية بأسعار أقل من غيرها. وسرعان ما توسعت الشركة، وسجلت نجاحات، ولتبدأ في عملية شراء شركات أخرى. وبعد أن استكمل خلال سنوات قليلة سيطرته تقريبا على شبكة الكوابل التلفزيونية في فرنسا، بدأ يتمدد في عدة دول أوروبية، تبعتها دول افريقية، وإسرائيل. وقد بدأ في إسرائيل مساهما في شركة الكوابل "هوت"، التي جمعت شركات صغيرة سابقة، ودأب في كل مرّة على شراء أسهم مساهمين آخرين، إلى أن اصطدم بالقانون الذي يلزم بأن تكون أسهم 5%، على الأقل، في شركات الاتصالات بيد حامل جنسية إسرائيلية، فاختار ديرهي في العام الماضي الحصول على الجنسية الإسرائيلية ليطبق السيطرة الكلية على "هوت"، وبات قسم من شركاته مسجلا في إسرائيل.

وحافظت الثرية الإسرائيلية القديمة، شيري أريسون على المرتبة الثالثة في القائمة، بعد أن كانت في سنوات خلت تتربع على رأس القائمة، كصحابة الأسهم الأكبر في بنك "هبوعليم"، أكبر البنوك الإسرائيلية. وبقيت أريسون هذا العام مع ثروتها الاجمالية المقدّرة بـ 5 مليارات دولار للعام الثالث على التوالي.

وبقي العشرة الأولى من العام الماضي، ضمن قائمة العشرة الأوائل هذا العام، مع تغييرات صغيرة، مثل حالة ديرهي، كما هبط احتكاري قطاع الغاز يتسحاق تشوفا من المرتبة السادسة إلى الثامنة، جراء انخفاض أسعار أسهم قطاع الغاز.

العربي الوحيد

وتبقى هذه "الخانة الثابتة" في هذه التقارير السنوية منذ 12 عاما، فمن اصل 500 ثري في إسرائيل، هناك عربي واحد، وهو رجل الأعمال، بديع بشارة طنوس، من مدينة الناصرة. وهو صاحب واحدة من أكبر شركات البناء في إسرائيل، وهي تنشط أيضا في دول في شرق أوروبا وكندا، وقد أسس طنوس الشركة في سنوات السبعين الأولى، ولاحقا انضم اليه شقيقه صبحي، ولكن قبل سنوات قليلة انشق صبحي عن الشركة، واقام شركة مستقلة، وهي أيضا لها نشاط في الخارج.

وقبل ذلك، كانت في القائمة من بين الأثرياء الـ 500 عائلة شقحة، التي تملك واحدة من أكبر شركات استيراد المواد الغذائية، إلا أن الشركاء انفصلوا عن بعضهم، وشكلوا شركتين أو أكثر، مما أخرجهم من قائمة الـ 500. وسبق هذا خروج عائلتين عربيتين بعد تدهور أوضاعهما الاقتصادية واصلا كانتا في القائمة حينما كان حجم الثروات أقل، وحسب التقديرات ارتفع الحجم الاجمالي لثروات الأثرياء الـ 500 الكبار أربعة اضعاف خلال 16 عاما.

وقد حل بديع طنوس في المرتبة 211 من بين العائلات الـ 245، ولكن على صعيد الافراد، فقد حلّ في المرتبة 384 من أصل 500 ثري. وحسب التقرير فإن ثروة طنوس تبلغ هذا العام 130 مليون دولار، بزيادة 5 ملايين دولار عن العام الماضي 2015، ولكن بزيادة 20 مليون دولار عن العام 2014.

الجمود في الثروات والتغلغل في الحكم

ويقول رئيس تحرير المجلة الشهرية لصحيفة "ذي ماركر"، إيتان أفريئيل، في مقاله الافتتاحي، إنه بحسب تحليل التغيرات في ثراء الأثرياء الـ 500 الكبار، الذي تعرضه الصحيفة للسنة الـ 15 على التوالي، فإن العام الجاري 2016 لم يكن عاما جيدا للأثرياء. فبعد ثلاث سنوات، ازدادت فيها ثرواتهم بسرعة، فإنهم في العام الأخير واجهوا تراجعات.

وبعد أن استعرض أفريئيل ما يقوله خبراء اقتصاد في العالم، حول حركة الثراء والسعي للسيطرة على الحكم، يقول إنه من الصعب رفض فكرة أن الأثرياء يسيطرون على العالم، أو على الأقل في أجزاء واسعة منه دون علاقة بكيفية تحقيق الثراء. فنرى فلاديمير بوتين، حسب التقديرات، هو من كبار أثرياء روسيا، وفي تركيا رجب أردوغان، أرسل ابنه ليكون رجل أعمال العائلة. والحكّام في دول أفريقية، ودكتاتوريات أخرى، هم بشكل عام الأثرياء. كما نرى أن الكثير من قادة الحزب الشيوعي الصيني لهم عائلات حققت ثراء في العقد الأخير. والولايات المتحدة الأميركية تحت سيطرة أعضاء الكونغرس، الذين بغالبيتهم من أصحاب الملايين، وهم بذاتهم مدينون لمن يتبرعون لهم ويدعمونهم في الانتخابات، وهم عادة من أصحاب المليارات. بينما دونالد ترامب، هو ذروة الذروة: فملياردير يمكن أن يتم انتخابه للرئاسة، بالذات لأنه ملياردير وقادر على الاستخفاف بالجميع.

ويتابع أفريئيل قائلا عن الوضع الإسرائيلي: "وعندنا فإن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هو رجل ثري، يتلقى المساعدة من أميركان من أصحاب المليارات. بينما أفيغدور ليبرمان جرف الملايين من نشاط اقتصادي خضع للتحقيق في الشرطة. ولآرييه درعي كمٌ من البيوت، وكذا وزير الرفاه حاييم كاتس، الذي له أيضا عدا البيوت أسهمه في شركة غاز، وهو يخضع حاليا للتحقيق بشأن علاقته بالملياردير كوبي ميمون".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات