المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 1410

اللقاء الذي جمع أخيراً بين رئيس وزراء إسرائيل إيهود أولمرت ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وهو اللقاء الأول بينهما منذ لقائهما غير الرسمي في شهر حزيران الماضي، لا يبشر باستئناف عملية السلام الإسرائيلية- الفلسطينية. مع ذلك فإن أهمية هذا اللقاء تتجاوز مجرّد انعقاده، ذلك لأنه قد يشير، على الأقل بصورة كامنة، إلى رغبة مشتركة لدى الطرفين في الخروج من الطريق المسدود الذي يسم العلاقات الإسرائيلية- الفلسطينية منذ انهيار مفاوضات السلام قبل ست سنوات أو أكثر.

 

القرار الذي أقدم عليه (الرئيس) عباس بكشف نفسه لعناق أولمرت العلني، في وقت يعم فيه توتر داخلي فلسطيني محتدم وبينما السلطة الفلسطينية ما انفكت واقعة تحت حصار اقتصادي؛ هذا القرار أثار انتقادات حتمية من جانب حركة "حماس". لكنه (أي القرار ذاته) ينسجم مع تحركات وخطوات أخرى، غير اعتيادية وشديدة التأثير، أقدم عليها عباس في الأسابيع الأخيرة، وبالأخص دعوته لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة. هذه الخطوات تستهدف كما يبدو استغلال حالة هبوط وتراجع شعبية حركة "حماس"، والتي نجمت بشكل أساسي عن عجز الحركة في ممارسة الحكم بصورة ناجعة، وكذلك لإرغام "حماس"، على الأقل آنياً، على القبول بتقديم تنازلات أخرى في المفاوضات المتعلقة بإقامة حكومة وحدة وطنية فلسطينية.

 

خطوات (الرئيس) عباس تعكس، بمفهوم أوسع، رغبته في دفع الجمهور الفلسطيني نحو الاختيار بشكل حاسم بين وجهتي نظر: وجهة النظر التي تُفضل انتهاج توجه عملي حيال إسرائيل والعالم (والتي يُجمع عليها معظم أعضاء حركة "فتح" ومعظم حكومات الدول العربية السنية)، ووجهة نظر حركة "حماس" ومعسكر "المقاومة"، والتي تتبناها وتدعمها كل من إيران وسوريا و"حزب الله".

 

التناقض القائم بين هاتين الرؤيتين عبَّرت عنه بوضوح تحركات كل من الرئيس عباس ورئيس حكومة "حماس"، إسماعيل هنية، قبل أيام معدودة من لقاء أولمرت- عباس. فقد استضاف عباس رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، الذي أعرب هو ووزيرة الخارجية الأميركية، كونداليزا رايس، عن تأييدهما لدعوة أبو مازن إجراء انتخابات مبكرة؛ في المقابل عاد هنية إلى غزة من زيارة مشجعة لإيران والسودان.

 

في الانتخابات التي جرت قبل حوالي العام للمجلس التشريعي الفلسطيني "عَوَّمت" حركة "حماس" الاختيار بين هاتين الرؤيتين وذلك عندما قررت بشكل مقصود التركيز على "الشؤون الداخلية"، حيث كان "التطوير والإصلاح" هو الشعار المركزي المتصدر لحملتها الانتخابية. في المقابل فإن لقاء عباس مع أولمرت يشير إلى قناعة الأول أن المصلحة الفلسطينية تتطلب الآن وضع حد لحالة عدم الوضوح هذه.

 

من ناحية أولمرت، يبدو أن اللقاء يؤشر إلى تصميم على التحرك والتغلب على التردد الذي مَيَّزَ توجهه حيال الفلسطينيين. وخلافاً لعباس فإن أولمرت لا يواجه تحديات داخلية آنية، فالأغلبية البرلمانية الداعمة له مضمونة وليس هناك من منازع يمتلك فرصة في الحلول مكانه. غير أن أولمرت، ومنذ تخليه عن فكرة (خطة) التجميع (أو الانطواء) في أعقاب خيبة الأمل الواسعة من نتائج الانفصال الأحادي الجانب (عن قطاع غزة) في العام الماضي (2005)، لم ينجح في اقتراح أو تقديم توجه بديل. اجتماعه مع عباس يؤكد تخليه عن التوجه الأحادي الجانب ويشير إلى عزمه على العمل مجدداً بغية دفع جهد مُنسَّق إن لم يكن هدفه التوصل إلى اتفاق سلام، فعلى الأقل تحقيق استقرار في العلاقات الإسرائيلية- الفلسطينية وتحسين الظروف داخل مناطق السلطة الفلسطينية. ومن أجل بناء عباس كشريك لإسرائيل في هذه المبادرة، قام أولمرت بعدة لفتات تشمل الإفراج عن 100 مليون دولار من أموال عوائد الضرائب الفلسطينية التي تحتجزها إسرائيل منذ صعود "حماس" لسدة الحكم، وتقليص عدد الحواجز ونقاط التفتيش في المعابر والتي تمنع التنقل الحر داخل الضفة الغربية.

 

وعلى غرار عباس فإن الموضوع الآني الذي ينصب عليه تركيز أولمرت هو العلاقات الثنائية، ولكن أولمرت لا يتجاهل أيضاً السياق الإستراتيجي الأوسع.

 

فالحرب ضد "حزب الله" في الصيف الماضي، بالإضافة إلى الاهتمام المتزايد بالخطاب والسياسة الإيرانيين (وخاصة تطلعات إيران النووية)، فاقما المخاوف في إسرائيل وفي أماكن أخرى في المنطقة حيال التهديد الذي يطرحه المحور بزعامة إيران. وتعتبر القضية الفلسطينية مكوناً بارزاً في هذه المعادلة، ليس فقط لأن سيطرة "حماس" في الساحة السياسية الفلسطينية يمكن أن تجعل من الفلسطينيين جزءاً من هذا المحور (رغم حقيقة أن هويتهم السنيّة تحولهم إلى شركاء "غير طبيعيين")، وإنما أيضاً لأن نزاعاً بوتيرة عالية بين إسرائيل والفلسطينيين يُعَّقِد أي جهد أو تحرك لتنظيم تعاون فعّال ضد نوايا مثلث إيران- سوريا- حزب الله في أنحاء المنطقة. هذا الأمر يفسر ما يجعل خطوات أولمرت الخجولة والمتواضعة لدعم الرئيس عباس تأتي مدعومة بخطوات أميركية وبريطانية (كالمساعدات المالية والفنية واللوجستية لقوات وأجهزة الأمن الموالية له) وكذلك المساعي، العلنية والمستترة، من جانب المصريين والأردنيين والسعوديين لبذل جهودٍ أكبر.

 

على الرغم من هذه المصالح المشتركة إلا أن إمكانية استثمار أي زخم ربما ولده هذا اللقاء ليس بالشيء البديهي. وفي المحصلة فإن مرونة أولمرت في مواضيع أخرى ليست إرادية وإنما هي مرونة مفروضة. فرغم موافقته على إقامة لجنة لتفحص موضوع الإفراج عن أسرى ومعتقلين فلسطينيين ورغم الموافقة المبدئية من جانب حكومته للإفراج عن عدد محدود من المعتقلين، إلا أنه (أي أولمرت) لا يستطيع قطع شوط بعيد في هذا الاتجاه قبل إطلاق سراح الجندي المختطف جلعاد شليط. ومن المعلوم أن شليط محتجز لدى حركة "حماس" وليس لدى جهات موالية لعباس. علاوة على ذلك فإن سياسة ضبط النفس التي يتبعها أولمرت حيال الهجمات المستمرة بصواريخ القسّام، والتي تعتبر أيضاً بمثابة خطوةٍ لصالح عباس، تواجه الآن انتقادات شديدة من جانب الجمهور الإسرائيلي ومن جانب المؤسسة الأمنية ومن الممكن أن تنهار هذه السياسة إذا ما أصيب إسرائيليون مجدداً جراء إطلاق صواريخ القسّام. حتى الإفراج عن مزيد من الأموال لصالح عباس، قبل أن تتخلى "حماس" عن سلطتها أو توافق على إجراء انتخابات جديدة، يمكن أن يؤدي إلى نتيجة غير مرغوبة، ليس لأنه سيكون بذلك عرضةً لاتهاماتٍ تدعي أنه "في جيب" الإسرائيليين أو الأميركيين، وإنما أيضاً لأن من شأن ذلك أن يسهم، من جانبٍ آخر في تخفيف الصعوبات الاقتصادية التي تراجعت شعبية "حماس" نتيجة لها.

 

على ضوء ذلك فإن العملية التي تمر الآن في طورها الجنيني يمكن أن لا تتمخض عن أي تغيير. دعوة عباس لإجراء انتخابات جديدة ستكون صعبةً جداً وربما حتى غير قابلة للتنفيذ دون موافقة حركة "حماس". وبدون هذه الموافقة يمكن أن يعود الرئيس عباس إلى حالة التردد واللاحسم والتي ستترتب عليها فترة طويلة من الجمود، أو الانزلاق إلى حكومة وحدة وطنية من شأنها أن تسهل تحقيق استقرار قصير الأجل لكنها ستكرس انعدام الوضوح حول مسألة ما هو الاتجاه الأساسي لدى الفلسطينيين. على الضد من ذلك فإن من المحتمل أن تؤيد "حماس" إجراء الانتخابات المبكرة وأن تشارك وتفوز فيها مجدداً، وهي نتيجةٌ من شأنها أن تُجلي الوضع ولكن بطرق يمكن أن تحمل بشائر سيئة لمستقبل العلاقات الإسرائيلية- الفلسطينية ولمستقبل الصراع بين وجهات النظر المختلفة في المنطقة بأكملها.

 

لكل هذه الأسباب فإن المنطق الكامن في أساس اللقاء بين أولمرت وعباس يرمز إلى مخاطر بالغة الأهمية بالنسبة لكل الأطراف ذات الصلة. إن ما يبرر في الواقع هذا اللقاء بالنسبة لهذه الأطراف هو الإقرار بأن مخاطر العجز والتقاعس أكبر وأشد خطراً.

 

_______________________________

 

* مارك هيلر- باحث في معهد دراسات الأمن القومي (جامعة تل أبيب) والترجمة خاصة بـ"مدار".

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات