وظف الاسرائيليون والفلسطينيون خلال الايام الاخيرة جهودًا جبارة ومكثفة في سبيل قتل بعضهم البعض.. حيث قام انتحاري فلسطيني، ذو هيئة او ملامح اوروبية حسب ما وصف، بتفجير حافلة ركاب في حيفا، ليصرع 15 اسرائيليا ويجرح العشرات (العدد ارتفع لاحقاً الى 16 – المحرر). وفي ليل الجمعة – السبت الفائت تنكر انتحاريان فلسطينيان على هيئة طلاب مدرسة دينية يهودية في الخليل، وقتلا امرأة وزوجها من مستوطنة كريات اربع واصابا تسعة اخرين بجروح.في المقابل شن الجيش الاسرائيلي سلسلة من عمليات التوغل في عمق قطاع غزة، اوقع خلالها اكثر من عشرين قتيلا وعشرات الجرحى في صفوف المدنيين الفلسطينيين، واقام "حزاما امنيا" يصل عمقه الى عشرة كليومترات الى الغرب من "سيدروت" (داخل اراضي قطاع غزة)، وذلك وسط قيامه (اي الجيش الاسرائيلي) بهدم العديد من البيوت واقتلاع مساحات واسعة من البيارات في منطقة بيت حانون، اضافة الى أسره (اعتقاله) اعضاء في حركة "حماس" من كبار السن (تزيد اعمارهم عن 60 عاما)، وبالأمس (السبت) اغتالت مروحيات عسكرية اسرائيلية في ساعات الصباح، بصواريخ متطورة اطلقت من مسافة بعيدة، ابراهيم المقادمة، ( قيادي بارز في حركة "حماس") وثلاثة من مرافقيه في سيارته.
انه حصاد دموي جسيم، تفتقت عنه كفاءات ومواهب الطرفين، من شأنه ان يعيد في نهاية المطاف طرح السؤال على بساط البحث: الى متى؟ ما الغاية، ولماذا لا توجه طاقة الحيل والمكائد التنفيذية هذه نحو البحث عن حل وسط او مخرج والتوصل الى تسوية؟!
مسألة العلاقات المتبادلة بين القيادة العليا للجيش الاسرائيلي والمستوى السياسي، تعتبر في حد ذاتها مسألة مثيرة، تصاحب مسيرة الدولة منذ بدايتها. ان محاولة تحديد ما السبب وما المسبب محاولة محكوم عليها بالفشل في الغالب. فالمصالح المتلازمة بين المؤسستين والعلاقات الشخصية، والدوافع الخفية والتأثيرات المتبادلة، كانت على الدوام متداخلة او ممتزجه ببعضها البعض. وفي الوقت الحالي نجد ان الجيش الاسرائيلي والحكومة الجديدة (مع اختلاف معين عن حكومة الليكود – العمل) ينظران بصورة متطابقة تماما للتطورات في السلطة الفلسطينية، ويتفقان في تحديد اهداف اسرائيل ازاء هذه التطورات واختيار الوسائل لتحقيقها. فهيئة الاركان العامة وحكومة اليمين تؤمنان بان القوة هي الكفيلة فقط بغرس القناعة لدى الفلسطينيين بأن اللجوء الى طريق الارهاب كان خيارا خاطئا وان ثمنه باهظ التكلفة. وتتطلع الحكومة والجيش الاسرائيلي، بنفس الطريقة، الى ارغام الفلسطينيين على ملاءمة تطلعاتهم في شأن شروط التسوية السياسية، مع سقف التنازلات الاسرائيلية (اي التنازلات التي تقبل بها الحكومة الحالية برئاسة ارئيل شارون).
ما من امل في زحزحة ارئيل شارون وموشيه (بوغي) يعلون عن رأيهما: اذ يدعم احدهما الاخر بشكل تبادلي من حيث تشخيصهما (استنتاجهما) المتطابق بأن اتفاق اوسلو كان خطأ مصيرياً، وان اسحق رابين وشمعون بيريس وقعا ضحية تضليل من القيادة الفلسطينية، وان المستوى السياسي الاسرائيلي، ولغاية صعود كل من ايهود باراك وارئيل شارون - على وجه الخصوص – الى السلطة، لم يستطع التحرر من النظرية المغلوطة بشأن امكانية التوصل الى تسوية مع ياسر عرفات.
هذا الفهم يتعزز ذاتيًا اكثر فأكثر وبطبيعة الحال فانه يتحول ايضًا الى نبوءة تبرهن على نفسها. وتتأثر وجهة النظر هذه تلقائيا بدوافع شخصية، بعضها غير مدركة، تنبع من الحاجة الى اثبات صحة الطريق والاراء السلفية والامزجة والاهواء الشخصية. والنتيجة: حصاد دام اخذ بالازدياد والتفاقم. فالهجمات التي وقعت خلال الايام الماضية، وعمليات الرد والانتقام التصعيدية، تنذر بتصعيد وتفاقم الصراع العنيف بين الجانبين.
وعلى الرغم من انه قد لا تكون ثمة جدوى في ايصال هذا الكلام الى مسامع حكومة اليمين المتطرفة التي شكلها شارون، الا انه يجب الاصرار على تذكير وزراء هذه الحكومة بأن مهمة رجل السياسة هي المبادرة والتجديد وليس الجمود والثبات داخل الخطاب السائد. فرئيس الوزراء باراك تجاهل موقف الجيش الاسرائيلي وقام بالانسحاب من لبنان، ورئيس الوزراء مناحيم بيغن لم يأبه ولم يذعن لتقديرات الوضع التي قدمها رئيس الاركان مردخاي غور، عندما وقع (بيغن) على اتفاق السلام مع مصر.
لا شك ان الهيئة الامنية، وعلى رأسها الجيش الاسرائيلي، تبذل كل ما بوسعها في سبيل التصدي للارهاب الدموي. الآن حان الوقت كي يدرك السياسيون بان هناك حدود للقوة، وان هذه القوة لا تنقذ اسرائيل من الازمة الخطيرة التي تمر بها منذ ايلول 2000.
ان اختيار "ابو مازن" المرتقب رئيسا للوزراء في السلطة الفلسطينية، يشكل فرصة مواتية لاسرائيل لاظهار تفكير مبدع في المجال السياسي ايضا ، والقيام بنصيبها ودورها في وضع حد للتقتيل المتبادل.
(هآرتس 9 آذار - ترجمة "مـدار")