بقلم يوسي ألفرتضم النسخة الجديدة من خريطة الطريق الكثير من العناصر الإيجابية. ولكنها ليست في الواقع مفيدة.
في تشرين الأول الماضي عندما ناقشت النسخة السابقة من خريطة الطريق أشرت إلى أن أهم مظهر إيجابي لهذه الوثيقة التي – بخلاف ذلك – لا نفع لها، إنما يتمثل في تبين أن قرار مجلس الأمن 242 ليس أساسا كافيا لإحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وبتوظيف القرار 1397 (الذي يؤكد هدف الدولة الفلسطينية)، والإشارة إلى ما يدعى بالمبادرة السعودية التي تعرض "قبول الدول العربية علاقات طبيعية مع إسرائيل، والأمن لجميع الدول في المنطقة"، فإن خريطة الطريق أضافت عناصر جديدة مهمة لجهود السلام المقبلة.
وقد تعزز هذا الفهم منذئذ في أحاديث مع عدد من كبار صانعي السياسة العرب الذين قالوا إن أهمية خريطة الطريق في نظرهم تكمن في ترسيخ مفهومين لم يردا في 242، وتم إدخالهما في وعي المجتمع الدولي من خلال خطاب الرئيس الأميركي جورج بوش في 24 حزيران 2002: خلق دولة فلسطينية، وإيجاد جدول زمني لإنشائها.
تحافظ النسخة الأحدث من خريطة الطريق، التي أصدرتها الرباعية في كانون الأول 2002 في اجتماعها بواشنطن، على هذا الإنجاز الأساسي. وكذلك فهي أكثر سلاسة: فما بدأ كنقاط وبنود تحول إلى شرح. كما تم إصلاح بعض الأخطاء البينة فيما يتعلق بالجدول الزمني. سيكون رئيس الوزراء شارون راضيا أكثر عن التمثيل الأكثر تفصيلا لمتطلبات إسرائيل الأمنية الوجيهة في المرحلة الأولى، وعن التخفيف (الأقل وجاهة) لدور الإشراف والمراقبة المناط بالرباعية. ويمكن للفلسطينيين أن يلاحظوا بعين القبول المطالب الأشد المتعلقة بالاستيطان، وأن ينتبهوا إلى وصف الدولة الفلسطينية، المذكور مرتين لا مرة واحدة، بأنها "ستنهي الاحتلال الذي بدأ في 1967"، وأن يكونوا راضين عن أن إزاحة ياسر عرفات من موقع القيادة ما زالت غير مذكورة بشكل صريح.
على أن هذه ليست وصفة قابلة للتطبيق لعملية سلام ناجحة. إنها مثل قدر من حساء الحريرة ألقى فيها كل عضو في الرباعية، وإسرائيل والفلسطينيون كذلك، الحبوب أو القطاني المفضلة له. إن بعض هذه المكونات، كما أشرنا آنفا، مهمة وتيسّر العملية. ولكن، بعد قراءة متأنية لخريطة الطريق في أحدث نسخها لا مفرّ من الخروج بالانطباع بأن ثمة أحد ما في مكان ما بالبيت الأبيض يضحك من هذه الطبخة. لقد كانت إيجابية بما يكفي فلم يرفضها أي طرف رأسا، وهي ناقصة بما يكفي لجعلها محتاجة إلى مزيد من المناقشة والتحسين، وهي مغرية بما يكفي للإبقاء على اهتمام الأوروبيين والعرب ومشاركتهم حتى بعد حرب الخليج القادمة، وهي فوق ذلك وقبل كل شيء: لا علاقة لها في الجوهر بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي لا يسترعي اهتمام الإدارة الأميركية أصلا.
لا صلة لها بالصراع لأنها تعكس واقعا ليس للاعبين الأساسيين الثلاثة فيه – بوش وشارون وعرفات – استراتيجية عملية للسلام. ولا صلة لها لأنه بعد الانتخابات الإسرائيلية وبعد الحرب القادمة في الخليج ستتغير ظروف استراتيجية كثيرة مما سيرغمنا على البدء من جديد على كل حال. لا صلة لها بالصراع لأن الزعماء الإسرائيليين والفلسطينيين المهتمين فعلا بالتفاوض والذين لكل منهم مصداقية عند الآخر، ليسوا بحاجة إلى هذا الجدول المعقد من المراحل ومن شبه الدولة، ومن المؤتمرات الدولية. وخريطة الطريق غير ذات صلة بالصراع لأنه في غياب زعماء كهؤلاء فإن الإسهام العملي الوحيد في صنع السلام، حتى لو كان مبتورا ولا ينقع الغلة، إنما هو تلك الخطوات التي يتخذها كل طرف بمبادرته الذاتية.
إن تأييد حزب العمل لانسحاب إسرائيلي من طرف واحد ولتفكيك المستوطنات، والجهود المصرية الحالية للتوصل إلى وقف إطلاق نار فلسطيني من طرف واحد، هي أوثق صلة بالصراع وبحله من خريطة الطريق. حقا لا يبدو أن أيا من المبادرتين ستنجح في المستقبل القريب. لكن هذا ينطبق أيضا على خريطة الطريق. والأفكار المنبثقة عن كل طرف على حدة أكثر منطقية وقابلية للتنفيذ، وهي بشكل ما أكثر صدقا من خريطة الطريق.
إذا كانت الرباعية جادّة فسوف تنبذ خريطة الطريق ظهريا، وتبدأ بدعم المبادرات الأكثر واقعية التي تأتي من كل طرف على حدة.
تم نشره في 6/1/2003 bitterlemons.org ©
* يوسي ألفر مدير سابق لمركز "يافه" للدراسات الاستراتيجية، جامعة تل أبيب.