بقلم: يعقوب افراتياقامة "المناطر" (مستوطنات صغيرة اقيمت على تلال وجبال مطلة على القرى والبلدات العربية - المحرر) في الجليل هي نتاج مبارك لقرار حكومي تقع في صلبه رغبة في تغيير الميزان الديمغرافي في الجليل بواسطة اقامة بلدات جماهيرية جديدة، اضافة الى توسيع البلدات القائمة. وقد اصدرت الحكومة تعليماتها الى "مجلس اراضي اسرائيل" لمنح جملة من الخفيضات الرامية الى تشجيع هجرة السكان من مركز البلاد الى الجليل.
وكان على "مديرية اراضي اسرائيل"، بحكم وظيفتها، تخصيص مساحات من الاراضي التي تتولى ادارتها لصالح تلك "المناطر". وقد تم تخطيط اقامة تلك البلدات في المناطق التي كانت للدولة فيها مساحات كبيرة من الارض، في جزء منها جزر من الاراضي بملكية خاصة.
كانت الفرضية تقول ان اصحاب الاراضي سيفضلون اجراء صفقات مبادلة مع الدولة، بدلا من الاحتفاظ بأراض زراعية في قلب بلدة جديدة نامية. ولكن هذه الفرضية تحولت، مع مرور الأيام، الى صرخة تأوه - اصحاب الأراضي الخاصة لم يقفوا في طابور لتنفيذ صفقات المبادلة. المفاوضات التي كان يفترض ان تكون اجراء تقنيًا وروتينياً تحولت الى قضية مركبة ومرهقة، لم تتمخض عنها في حالات كثيرة اية صفقة.
سياسة الحكومة لتشجيع الاستيطان في الجليل لم تلق التأييد والحماس بين المواطنين العرب المحليين. نشوء بلدات يهودية، واعادة السيطرة على اراضي الدولة، وتضييق الخناق على الغزاة (يقصد بهم المواطنين العرب الذين كانوا يصرون على الدخول الى اراضيهم ورعايتها، رغم سلبها منهم بأوامر المصادرة الحكومية - المحرر)، اعتبرها بعض السكان (العرب - المحرر) تهديدًا.
الادعاء الشائع بأن عروض الأسعار، الأعلى من تقديرات المخمّن الحكومي، هي التي تحول بين التوصل الى الصفقة وتطبيقها في الواقع، هو ادعاء تبسيطي مردّه الجهل، او تجاهل ما يجري من حولنا. بشكل عام، نحن نلاحظ لدى السكان المحليين في الجليل توجها يقضي بتفضيل الاحتفاظ بالأرض وامتلاكها، واحيانا بما يتناقض مع أي منطق اقتصادي سليم. هذه الظاهرة لها اسقاطات ايضًا، في بعض البلدات، على وتيرة تطور ونمو البلدة.
كما ان تصاعد التطرف في الشارع العربي لم يقفز عن الجليل ويبدو تأثيره واضحًا في مجال مبادلة الاراضي. اننا نلاحظ معارضة بين اصحاب الاراضي لعقد صفقات مبادلة، ليس فقط لعلمهم بأن هذه الاراضي ستستغل لتوسيع الاستيطان اليهودي. اضفة الى ذلك، نحن نتلقى تقارير عن ضغوطات تتم ممارستها على اصحاب الاراضي لكي لا يبادلوا اراضيهم مع الدولة، الى درجة تهديدهم بالقاء الحرمان عليهم وبنشر اسمائهم في مطبوعات الوسط العربي.
في الفترة الأخيرة نواجه ايضًا معارضة لمبادلة الاراضي من جانب رؤساء سلطات محلية في الوسط العربي توجد في اطار مناطق نفوذهم اراض تابعة للدولة. هذه الظواهر ادت الى نتيجتين:
الأولى - هبوط حاد في مستوى الاستعداد للدخول في مفاوضات مع "مديرية اراضي اسرائيل"؛ والثانية - اجراء مفاوضات لا تؤدي الى نتيجة، لأن الهدف منها هو اجبار الدولة على رفع اسعار الاراضي بمئات الاضعاف.
"مديرية اراضي اسرائيل" ليست هيئة خاصة وليست ملكًا خاصًا لأي من موظفيه، وانما هي مؤتمنة على المصلحة العامة. وبكونها كذلك، ينبغي عليها التصرف بأكبر قدر من الحذر والمسؤولية. وكجسم عام، عليها ان تعتمد قواعد وقيود والحصول على قيمة الارض من المخمن الحكومي في وزارة القضاء.
"مديرية اراضي اسرائيل" تتصرف بمسؤولية وبالوسائل المحدودة المتاحة لها، في اجواء غير مريحة وفي واقع معقد، في محاولة لعقد المزيد والمزيد من صفقات المبادلة. امتحان النتيجة يدل على ان الدولة ملزمة بتبني اسلوب تعامل مختلف من اجل مواجهة الواقع القائم. تنازل الدولة عن الأدوات التي منحها اياها المُشرّع ، ومنها مصادرة الاراضي - الامتلاك دون موافقة وبسعر كامل - ادى الى المس بالتوازنات التي كانت قائمة في الماضي ولحاجة اليها كبيرة جدا اليوم.
علينا ان نقرر: هل نحن مع استمرار الاستيطان في الجليل وتدعيمه؟ ان كان كذلك، فلا مناص من العودة الى استخدام اداة المصادرة، مع الحرص بالطبع، على معقولية الاستخدام وحاجته وبعد استنفاد المفاوضات الموضوعية والمستقيمة لامتلاك الاراضي او لعقد صفقات مبادلة.
* الكاتب هو مدير عام "مديرية اراضي اسرائيل".
(هآرتس 21/4)