المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 939

بقلم: عميره هاس
يراود (ف) لثلاثة اسابيع متواصلة خلت كابوس: أنها وعائلتها وباقي سكان رام الله أبعدوا من المدينة. كلما تحول الهجوم علي العراق الي أمر أكثر تحققاً، تحولت المشاهد التي تظهر في حلم (ف) الي صور أكثر وضوحًا واصرارًا. الجيش يوجّه أوامره للجميع في تلك الأحلام المفزعة بأن يخرجوا من منازلهم ويقوم بتحميلهم الي مناطق خالية من كل شجرة أو بناء. (ف) تفقد زوجها واثنين من أولادها الاربعة وأطفالاً باكين ومسنين يولولون سينصبون لنا مخيم لاجئين جديدًا هنا .

 

(ف) المواطنة من رام الله تضحك في إرباك وهي تتحدث عن كابوسها. ومن السهل الوصول الي مصادر هذا الكابوس: الشارع الفلسطيني يشعر بالخوف والاشاعات حول امور مرتقبة فظيعة منتشرة. الابعاد الجماعي للناس هو أحد سيناريوهات متوقعة وشائعة في أحاديث الناس في كل مكان، وهو يثير في نفوسهم خوفًا حقيقيًا. وكيف سيحدث ذلك؟ عندما يركز العالم أنظاره حول ما يحدث في العراق سيكون هناك تعتيم اعلامي أقوى من المعتاد علي كل ما يفعله الجيش الاسرائيلي في المناطق الفلسطينية، كما يقولون. ومن الذي سيضمن في هذه الحالة عدم قيام اسرائيل بعملية جماعية في ظل التعتيم المذكور؟

خلال الاسابيع الاخيرة أخذ الناس يعدون أنفسهم لخمسة سيناريوهات مرعبة متوقعة. هذه السيناريوهات لا ترتكز على معلومات استخبارية أو تحذيرات صريحة من جهات اسرائيلية، وانما تعتمد على تجربة الماضي القريب والبعيد بالنسبة للفلسطينيين. أحد السيناريوهات المذكورة هو قيام اسرائيل، كما فعلت خلال العامين الماضيين، بفرض إغلاق داخلي أكثر تشددًا من العادة. أي ان حركة الناس والسيارات والأدوية والمواد الأساسية ستقيد أكثر مما هي الآن.

السيناريو الثاني يرتكز على تجربة حرب الخليج السابقة في عام 1991، حيث فرض الجيش الاسرائيلي حظر التجول الكامل علي المناطق لستة اسابيع. والسيناريو الثالث يرتكز على تجربة الشهرين الاخيرين وعملية <<السور الواقي>> في نيسان (ابريل) 2002. والاعتقاد هنا هو أن اسرائيل ستكثف من هجماتها العسكرية على المدن والمخيمات وتشوش عملية إمدادهم بالاحتياجات الأساسية من ماء وكهرباء، وان عدد القتلى والمصابين سيزداد.

السيناريو الرابع يتحدث عن إبعاد داخلي في أرجاء الضفة ويظهر في كوابيس (ف) مرتكزًا على ذكريات من حرب حزيران، في ذلك الحين قامت اسرائيل بإبعاد سكان ثلاثة قرى في اللطرون ودمرت منازلهم فورًا، وبعدها بسنوات أقامت متنزه كندا هناك. الجيش بدأ في حينه بطرد الناس من قلقيلية وتدمير منازلهم المجاورة للخط الاخضر، الا ان المعارضة الاسرائيلية الداخلية أوقفت العملية.

الناس طردوا في حينه من طولكرم ومخيماتها وبعضهم نزح الى الاردن أو نابلس. وأكثر من مئة ألف شخص كانوا يعيشون في مخيمات الغور أجبروا على الفرار الي الاردن. جغرافيا سياسة الإبعاد التي تقضي باخلاء كل ما هو قريب من الخط الاخضر والحدود واضحة، والآن يخشى الفلسطينيون من مواصلة اسرائيل لعملية ضم المناطق القريبة من الخط الاخضر. منذ مدة وجيزة تم سلب عشرات آلاف الدونمات من الفلسطينيين خلال بناء الجدار الأمني الفاصل غربي الضفة، والآن يخشون من ان تبادر اسرائيل الي الابعاد فعلياً في ظل الحرب. وتقدير النشطاء في المؤسسات غير الحكومية هو ان أول من سيكون في الطابور هم 14 ألف نسمة موزعون علي 15 قرية ستكون حسب مسار الجدار الأمني الفاصل بين الجدار وبين الخط الاخضر. وعائلة (ف) تقطن في احدي هذه القري.

السيناريو الخامس يعتمد علي ذاكرة أبعد وتقود الي عام 1948 حيث الابعاد الجماعي، وهذا يتعزز مع وجود حزب <<الاتحاد الوطني>> الذي يدعو علانية الي ترحيل الفلسطينيين. انتخاب أبو مازن أضفي الغموض قليلا علي السيناريو السادس وهو إبعاد ياسر عرفات أو حتى اغتياله. هذا السيناريو كان يذكر من ضمن السيناريوهات الاخرى حتي ما قبل شهر. أما الآن فلم يعودوا يتحدثون عنه.

* مثلما حدث في بيروت

هناك فجوة كبيرة بين شدة وصعوبة السيناريوهات المتوقعة وطرق مواجهتها. اذا كانت السلطة قد أعدت خططًا لمواجهة الامور المتوقعة فان الناس لم يسمعوا عنها. وهكذا تبقى مواجهة السيناريوهين الاول والثاني عائلية - شخصية بالأساس. الناس أخذوا في الآونة الاخيرة يجمعون الأغذية ويستعدون لحظر التجول الطويل.

المجتمع الذي يعيش فيه 60 في المئة من الناس تحت خط الفقر يواجه صعوبة كبيرة في توفير الأغذية. <<الاونروا>> قامت بتخزين الأغذية والأدوية والاحتياجات الأساسية من الآن بكمية تكفي لثلاثة اشهر. هذا علي افتراض ان حركة البضائع علي المعابر ستعلق مثلما كان في عام 1991.

كل منظمات الاغاثة الفلسطينية قامت بتخزين الأغذية، وتقوم اليوم بتسريع عملية توزيعها. وفي بعض المدن والقري تقوم لجان شعبية بالتوزيع حتي تحول دون الاخلال والخداع. منظمة تعايش اليهودية ـ العربية صرفت كل خزينتها لارسال عدة عشرات من أطنان الطحين الي القري المعزولة من الآن بسبب الطوق الداخلي، وليس من المؤكد ان الوصول اليها سيكون ممكنا إبان الحرب.

جامعة النجاح أوصت طلابها بالعودة الي منازلهم علي افتراض ان الدراسة غير ممكنة خلال الطوق الداخلي. ووزارة التربية والتعليم الفلسطينية استعدت للاغلاق وعينت المعلمين قريبا من مساكنهم لضمان وصولهم. تعليمات الوزارة هي ان تتصرف كل محافظة وفقا لظروفها بالنسبة للدراسة.

أما السيناريو الثالث، وهو شن هجمات عسكرية اسرائيلية علي شاكلة السور الواقي فهو مسألة لا يمكن الاستعداد لها. الناس يعلمون من تلقاء أنفسهم ان عليهم التزود بالأدوية الأولية وبالأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة. أولاد (ف) عادوا من الآن للنوم علي فرشات ارضية مجاورة للجدار الداخلي بعيدا عن النوافذ استعدادا لاستئناف اطلاق النار. الأحاديث عن الحرب أعادت مشاهد الانتفاضة الي مخيلتهم حيث كان الرصاص والقذائف تخترق المنازل.

* سيفتحون جبهة اعلامية

المبادرة لبلورة خطة طواريء وفقا للسيناريوهات المختلفة جاءت من المنظمات الفلسطينية غير الحكومية، ولكن يبدو ان قلقهم الأساسي هو الحفاظ علي قنوات اتصال واعلام مفتوحة لايصال المعلومات بصورة جارية للهيئات الدولية من اجل منع حدوث التصعيد الذي يخشون منه. المنظمات الفلسطينية أقامت في هذا السياق لجان طواريء مشتركة مع المنظمات السياسية والسلطة، وهؤلاء التقوا مع 25 اسرائيليا من 10 منظمات حيث تداولوا في السيناريوهات المخيفة المتوقعة، وأوصي اوري افنيري من غوش شالوم بعدم الاستخفاف باحتمالات الابعاد. اوري افنيري عاد وذكر بما حدث من إبعادات في عام 1967، الفلسطينيون والاسرائيليون اتفقوا علي الحفاظ علي خطوط اتصال مفتوحة وكثيرة مع النشطاء الميدانيين. الدكتور مصطفي البرغوثي، مدير لجان الاغاثة الطبية، والناشط السياسي الذي شكل مع حيدر عبد الشافي قبل نصف سنة المبادرة الوطنية الفلسطينية ، وهي منظمة تحاول العمل في الفراغ القائم بين فتح وحماس، قام بالأمس الاول باستعراض السيناريوهات المتوقعة علي الممثلين الدبلوماسيين الأجانب وركز علي السيناريوهات الثلاثة الاولي. البرغوثي تطرق لما قاله جيش الدفاع مؤخرا بأن 18 في المئة من القتلي الفلسطينيين خلال العامين الأخيرين لم يكونوا ضالعين في الارهاب ، أما الباقون فهم ارهابيون. البرغوثي أردف ان منظمات حقوق الانسان الفلسطينية تعتقد ان 85 في المئة من القتلي الفلسطينيين كانوا من المواطنين العاديين. البرغوثي يحذر ممثلي القنصليات من حملة التزييف الاحصائي الاسرائيلية تمهيدا لزيادة عدد الفلسطينيين بصورة دراماتيكية في ظل الحرب.

ومن هنا يأتي قتل الناشطة الامريكية لاخافة النشطاء الآخرين المنتشرين في أرجاء المناطق. أما السيناريو السابع والذي ينص علي امكانية حدوث هجوم عراقي، كيماوي أو بيولوجي، فلا يشغل الفلسطينيين بالمرة. غرفة مغلقة هي عبارة تثير الابتسام علي وجوههم. والناس لا يتدافعون لشراء الأقنعة التي توفرها صيدليتان في رام الله. وهم يشعرون ان الخطر العسكري الاسرائيلي أكثر ملموسية من الهجوم العراقي المذكور.

(هآرتس) 20/3/2003

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات