كرر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، هجومه ضد الأقلية العربية في إسرائيل، واعتبر في أعقاب إطلاق النار الذي نفذه نشأت ملحم في تل أبيب، قبل أكثر من أسبوعين، أنه يجب جمع السلاح الموجود في البلدات العربية وتطبيق قوانين البناء فيها، واشترط تنفيذ ذلك من أجل تطبيق الخطة الحكومية بتحويل ميزانية قدرها 12 مليار شيكل إلى السلطات المحلية العربية خلال السنوات الخمس المقبلة.
كذلك اعتبر نتنياهو أن صوت الأذان مزعج ويخالف "قانون الضوضاء" وأن العرب لا يحترمون القانون وأن العرب يشكلون "دولة داخل دولة".
ومن الجهة الأخرى تشن الحكومة الإسرائيلية ومنظمات اليمين المتطرف والمستوطنون حملة ضد اليسار الإسرائيلي ومنظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية التي تكشف عن ممارسات الاحتلال ضد الفلسطينيين. ويصف اليمين النشطاء والعاملين في منظمات مثل "لنكسر الصمت" و"بتسيلم" بأنهم "خائنون".
حول حملة التحريض هذه، أجرى "المشهد الإسرائيلي" مقابلة خاصة مع الباحث والمحاضر في قسم العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس، الدكتور عوفر كَسيف.
(*) "المشهد الإسرائيلي": كيف تنظر إلى تفوهات نتنياهو ضد الأقلية العربية في أعقاب إطلاق النار الذي نفذه نشأت ملحم في تل أبيب؟
كَسيف: "نتنياهو بنى مستقبله السياسي، منذ اغتيال إسحق رابين وحتى اليوم، على التحريض. وإذا نظرت إلى الوضع بصورة موضوعية، سترى أن نتنياهو لم يفعل شيئا. وهذا التحريض كان ثابتا دائما وضد جمهورين مرتبطين ببعضهما بالضرورة، وهما الفلسطينيون، في كلا جانبي الخط الأخضر، واليسار ومنظمات حقوق الإنسان في إسرائيل. وجمع نتنياهو كل رأسماله السياسي من خلال هذا التحريض الأرعن. وهذا الرجل يتطابق بشكل واضح جدا مع الأيديولوجية الفاشية، وأنا أقول هذا الأمر كباحث في موضوع العلوم السياسية. وما قاله في أعقاب القتل في تل أبيب، هو مدماك آخر في حملته التحريضية. وهذا استمرار لتحريضه في يوم انتخابات الكنيست بأن العرب يتوجهون بحشود نحو صناديق الاقتراع وأن الجمعيات اليسارية تنقلهم بالحافلات. طبعا كل هذا كان كذب. وما يهم نتنياهو هو الاستقواء والبقاء في الحكم، رغم أنه فشل في كل شيء فعله في النواحي السياسية والمدنية والأمنية. وثمة أمران ينبغي ذكرهما هنا. الأول هو التحريض على العرب بأنهم ’دولة داخل دولة’. فإذا كانت هنا دولة داخل دولة فهي دولة المستوطنين الإرهابيين، الذين ليس فقط أنه لا يتم إيقافهم وإنما حكومة نتنياهو تشجعهم على ارتكاب جرائم كراهية لنازية جديدة. وليس أنا من يقول هذا وإنما الأديب عاموس عوز، وهو ليس معروفا كيساري راديكالي. لقد قال عنهم إنهم .نازيون جدد عبريون’. لأن ما يفعله المستوطنون ضد الفلسطينيين، وداخل الخط الأخضر أيضا، من حرق للكنائس وكتابات الكراهية، أعمال ينفذها النازيون الجدد في أوروبا ضد اليهود والمسلمين. ونتنياهو لا يقول شيئا عن هذه الدولة داخل الدولة. والأمر الثاني هو أن قيادة الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل، تتوجه إلى حكومات إسرائيل، على مدار سنين طويلة، وتقول إن السلاح الذي بأيدي المتعاونين والمجرمين يصلهم من السلطات، لأنها معنية بذلك في إطار جهودها لإضعاف المجتمع الفلسطيني في إسرائيل. ونتنياهو لم يفعل شيئا في هذا السياق رغم مطالبته بذلك مرارا وتكرارا".
(*) الحكومة الحالية قررت قبل عدة شهور إخراج الحركة الإسلامية – الجناح الشمالي عن القانون. هل يتوقع إخراج حركات أو أحزاب عربية أخرى عن القانون في المستقبل؟
كسيف: "سأتطرق إلى جانبين في هذا السياق. الأول هو إخراج الحركة الإسلامية عن القانون، والثاني هو كيف فعلوا ذلك. وحكومة إسرائيل الحالية، أكثر من الحكومات التي سبقتها، أعلنت الحرب على الديمقراطية، أو الأصح القول على الفتات الذي تبقى من الديمقراطية. وهذه الحكومة تريد القضاء على ما تبقى من الديمقراطية التي هي أصلا منقوصة، وذلك بسبب الاحتلال. إذ لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية مع احتلال. والحكومة الحالية تقود إسرائيل في عملية متسارعة نحو الفاشية ونظام فاشي، أو فاشي جديد. وإخراج الحركة الإسلامية عن القانون هو البداية وحسب. إذ أن ما فعلته الأنظمة الفاشية عادة هو البدء بأمور كهذه بصورة تدريجية، من خلال التحريض وزرع الخوف والمس قانونيا بالمعارضة. وقد أخرجوا هذه الحركة عن القانون بموجب أنظمة الطوارئ وليس من خلال تشريع عادي في الكنيست، لأنه لا يوجد أي شيء ضدها. لا يوجد أي سبب حقيقي يستدعي إخراجها عن القانون. لكنهم فعلوا ذلك لأن هذه خطوة شعبوية وستلقى ترحيبا في صفوف اليمين. وهناك مشروع قانون قدمه أفيغدور ليبرمان يطالب بإخراج حزب التجمع عن القانون".
(*) هل تعتقد أن هذا يمهد الطريق، أو يمنح الشرعية أيضا، لإخراج منظمات إسرائيلية يسارية عن القانون، مثل منظمة "لنكسر الصمت" التي يجري تحريض ضدها وتتهم بالخيانة؟
كسيف: "يوجد مشروع قانون على جدول أعمال الكنيست، قدمته عضو كنيست من حزب البيت اليهودي، وأعتقد أنه ستجري مناقشته في هذه الأيام، ويدعو إلى إخراج ’لنكسر الصمت’ عن القانون. وهذا إلى جانب حملة التحريض الواسعة ضد جميع منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية، مثل الفيلم القصير الذي أعدته حركة ’إم ترتسو’ ضد نشطاء يساريين يهود، وهو فيلم نازي بكل معنى الكلمة. وهم يتهموننا، نحن اليساريين، بأننا طعناهم في ظهرهم. والمصطلح الذي استخدمته منظمة اليمين ’إم ترتسو’ هو ’سكين في الظهر’ وهو شعار استخدمه النازيون بعد اتفاق فرساي، وأنتجوا أفلاما مشابهة. والهجمة الحكومية الإسرائيلية الآن ليست ضد أحزاب ومنظمات عربية، مثل التجمع ومساواة وعدالة، وإنما هي ضد منظمات حقوق إنسان، مثل ’لنكسر الصمت’ و’بتسيلم’. ولذلك فإن الخطر هنا آني وملموس".
(*) تم تعيين نتنياهو مجددا كرئيس لحزب الليكود، الأسبوع الماضي، وذلك من دون انتخابات بادعاء أنه لم ينافسه أحد على المنصب.
كسيف: "ما يهم نتنياهو هو كسب القوة. وما حدث في الليكود ليس مفاجئا. لأن كل من هدد هيمنته في حزبه عمل على إزاحته. فقد دفع موشيه كحلون إلى الانسحاب من الليكود، ودفع غدعون ساعر إلى الجلوس جانبا وتجميد عمله السياسي، وحتى داني دانون الذي اعتبر نتنياهو أنه يشكل خطرا على شعبيته داخل الحزب، وجد نفسه في أميركا، بعد أن عينه نتنياهو سفيرا في الأمم المتحدة. نتنياهو يتصرف مثل زعيم فاشي كلاسيكي، ويصفي سياسيا كل من يعترض طريقه".
(*) نتنياهو متهم بأنه دمر العلاقات الخارجية لإسرائيل، بصنع أزمات مع دول أوروبية ومع البرازيل، مثلا، حيث يصر على تعيين رئيس مجلس المستوطنات السابق، داني ديان، سفيرا والبرازيل رفضت ذلك. ما رأيك؟
كسيف: "نتنياهو ليس غبيا. وما يفعله الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأوروبية هو إصدار استنكارات، لكنها لا تقوم بأفعال. هذا يعني أنني لا أرى حاليا أي عمل حقيقي للحكومات لكي تحد من انفلات الحكومة الإسرائيلية الحالية، وذلك إلى جانب الدعم الأميركي الأعمى لإسرائيل. كذلك فإن السويد والبرازيل ليستا من الدول القيادية في العالم. ولذلك، فإنه عندما دعت وزيرة الخارجية السويدية- مجرد دعت- إلى التحقيق في قتل فلسطينيين، شنوا هنا هجوما ساحقا ضدها واتهموها بالعداء للسامية".
المصطلحات المستخدمة:
الخط الأخضر, بتسيلم, الليكود, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, أفيغدور ليبرمان