المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقابلات
  • 3530

أقيمت يوم الأحد 6/12/2015 في مقبرة كيبوتس "غفعات هشلوشاه" في وسط إسرائيل جنازة وزير التربية والتعليم الإسرائيلي السابق يوسي سريد الذي توفي مساء يوم الجمعة 14/12/2015 عن عمر يناهز 75 عاماً.

وألقى الأديب الإسرائيلي عاموس عوز كلمة تأبينية قال فيها إن سريد كان من الطلائع الذين أبدوا مواقف شجاعة إزاء الاحتلال وضم الأراضي باعتبارهما يقودان إلى وضع كارثي، وظل يؤكد أن الإكراه الديني يشكل خطراً على صلة اليهود بالتراث اليهودي.

وقالت رئيسة حزب ميرتس عضو الكنيست زهافا غالئون إن سريد الذي تولى رئاسة هذا الحزب في السابق كان نبراساً مضيئاً للأخلاق والمسؤولية وقدوة قيادية يُحتذى بها.

وكانت مجلة "قضايا إسرائيلية" الفصلية التي يصدرها "مركز مدار" قد نشرت في عددها رقم 46 (خريف 2012) مقابلة مطولة مع سريد أجراها أنطوان شلحت وبلال ضاهر.

وجاء في مستهلها:

في نظرة إلى الوراء يعتقد يوسي سريد، الذي أشغل في حياته السياسية الطويلة مناصب كثيرة منها وزير جودة البيئة ووزير التربية والتعليم وعضو كنيست عن حزب العمل ورئيس حزب ميرتس، أن اغتيال رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق إسحاق رابين في العام 1995 تسبب باغتيال طريقه لتسوية الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، إذ سرعان ما أدى ذلك إلى صعود رئيس الليكود بنيامين نتنياهو إلى سدّة الحكم، وقد تركز جلّ همّ هذا الأخير منذ ذلك الوقت في كبح الاتفاقيات التي تم التوصل إليها.

وهو يؤكد أن مؤتمر القمة الذي عقد في كامب ديفيد العام 2000 زلزل العملية السياسية برمتها وأنه حذّر رئيس الحكومة في ذلك الوقت إيهود باراك من مغبة الذهاب إليه لاعتقاده بأنه لم يُجهز مسبقًا بما فيه الكفاية للتوصل إلى اتفاق بشأن الحل النهائي، ولم يكن وحيدًا في تحذيره هذا، من دون أن يستبعد احتمال أن باراك ذهب إلى تلك القمة لتحقيق غايات أخرى غير غاية التوصل إلى اتفاق كهذا، كما قال بلسانه في وقت لاحق، لافتًا إلى أن أداء باراك في القمة وبعدها أصاب "اليسار" الإسرائيلي كله في مقتل، بحيث لم تقم له قائمة حتى الآن.

وفي نظرة أخرى إلى الأمام حرص سريد على أن يشير إلى أنه على الرغم من استحالة التوصل إلى حل للصراع في الوقت الحالي، إلا إن ثمة حلا له بطبيعة الحال، وهو كامن مثلاً في مبادرة السلام العربية التي ما انفكت إسرائيل تتجنب التعامل معها بصورة جادة، وإلى أنه لا بديل عن تسوية وفق حدود 1967 وتقسيم القدس كأساس للمفاوضات. كما حرص على أن يشدّد على أن حرب حزيران 1967، التي تعتبر أنجح حرب خاضتها إسرائيل، تعتبر كارثة كبرى وربما تهدّد وجودها في الصميم، وعلى أن إسرائيل بعد مرور 45 عامًا على تلك الحرب (أثناء إجراء المقابلة) باتت واقفة أمام خيار فحواه: إمّا الاحتلال وإمّا الديمقراطية، ونظرًا إلى حقيقة "أننا لا نتنازل عن الاحتلال، فإن نظامنا الديمقراطي يواجه خطرًا كبيرًا".

وبين هاتين النظرتين كشف سريد، في سياق هذه المقابلة الخاصة التي أجريت معه في بيته في تل أبيب، أنه درج على إجراء "محادثات حميمة من القلب إلى القلب" مع رابين وكان أبرزها محادثة في القاهرة عشية توقيع الاتفاق مع منظمة التحرير الفلسطينية، وقال له هذا الأخير خلالها إنه توصل إلى الاستنتاج بأن للقوة مهما يبلغ بأسها حدودًا، كما أكد سريد أن رابين ردّد على مسامعه أنه تنازل عن هضبة الجولان.

وتحدث سريد أيضًا عن مقاطعته منتجات المستوطنات في المناطق المحتلة، وكيف واتته فكرة تضمين قصائد لمحمود درويش ضمن منهاج التدريس الإسرائيلي، وسخر من رئيسة حزب العمل وزعيمة المعارضة في ذلك الوقت شيلي يحيموفيتش التي تقول إنها ستعالج قبل أي شيء آخر المشكلات الداخلية، وفقط بعد ذلك ستتفرغ للشؤون الخارجية، مؤكدًا أنه لا يمكن التفريق بين الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأنه يستحيل حل مشكلة اجتماعية واحدة في إسرائيل من دون أن نتحرّر من الحدبة التي اسمها احتلال.

وفيما يلي مقاطع من هذه المقابلة:

(*) سؤال: ما هي أهم الاستنتاجات الفكرية التي تكونت لديك في أعقاب حرب حزيران 1967؟

سريد: عندما كانت نشوة الانتصار الإسرائيلية في أوجها، لم أكن شريكا فيها. كنت شابا. وعموما عندما تكون هناك نشوة لأي سبب كان، فأنا لا أشارك فيها. وأذكر أنه عندما وصلت النشوة إلى أوجها، بعد احتلال القدس والصراخ هنا بأن "جبل الهيكل في أيدينا"، قلت لنفسي أننا تورطنا. والحقيقة هي أنني لم أتخيل إلى أي مدى تورطنا، لأنني لم أتخيل أن يبقى الاحتلال لمدة 45 سنة. وأن يصبح هناك أكثر من 250 ألف إسرائيلي مستوطن. وهذا بالتأكيد ليس تغييرا للأفضل بالنسبة إلى إسرائيل، على ما أعتقد. وهناك جملة شهيرة كان يستخدمها بنحاس سابير، وقد كان أبو الحمائم في إسرائيل، وهذه الجملة هي: "إلى أن نتمكن من السيطرة على المناطق (المحتلة) فإن هذه المناطق ستسيطر علينا"، وأنا كتبت هذه الجملة في خطاب لسابير في العام 1969. وكتبت الكثير عن حرب الأيام الستة. وهذه الحرب التي تعتبر حربا ناجحة للغاية وحققت فيها إسرائيل النصر الأكبر وما إلى ذلك، تبين أنها كارثة كبرى وقد تهدد وجود دولة إسرائيل في الصميم. ليس صدفة أن أي دولة في العالم كان لديها سلطة احتلال في مكان ما، وصلت إلى اللحظة التي تعين فيها عليها أن تقرر عما ستتنازل، إما عن الاحتلال وإمّا عن الديمقراطية. الاحتلال والديمقراطية لا يسيران معا. وجميع الدول المتنورة والديمقراطية تنازلت عن الاحتلال من أجل إنقاذ الديمقراطية. ونحن لا نتنازل عن الاحتلال، ولذا فإن نظامنا الديمقراطي يواجه خطرا كبيرا. وبرغم أن إسرائيل توصف كدولة يهودية وديمقراطية، بإمكاني أن أقول لكما إن إسرائيل غير الديمقراطية لن تتمكن من البقاء. ولذا فإن رؤيتي ليست متفائلة، وليست لدي أي توقعات متفائلة يمكنني أن أطرحها أمامكما. هناك أشخاص، وهم أصدقائي وهم جيدون، كانوا دائما ضد المستوطنات، لكن دائما كانت لديهم مرحلة تبنوا فيها مقولة خطأ ما. واحد قال إنه ضد المستوطنات لكن لا بأس ببقاء مستوطنة أريئيل. وآخر قال إنه ضد المستوطنات لكن لا بأس ببقاء الأحياء (الاستيطانية) وراء الخط الأخضر في القدس. أو أنه ضد المستوطنات لكن غوش عتسيون لا بأس، أو الغور لا بأس. لدي لن تجدا أي لا بأس. لقد عارضت المستوطنات لأنني رأيت فيها العقبة الأكبر أمام أي تسوية بيننا وبين جيراننا. وأقصد جميع المستوطنات وفي جميع الأوقات ومن دون أي استثناء. عندما كنت شخصا رسميا، وزيرا للتربية والتعليم، كان اليهود، وبضمنهم المستوطنون، والعرب متساوين في نظري. وكان لدي عمى ألوان كون الأولاد غير مذنبين بأي شيء. لكن اليوم، وفيما أنا مواطن عادي، لا أرى الأمور على هذا الشكل. ومنذ وقت طويل لم أتجاوز الخط الأخضر، كما أنني لا أشتري بضائع من صنع المستوطنات.

(*) سؤال: هل تقاطع منتجات المستوطنات؟.

سريد: نعم. وأنا لا أفهم الضجة التي تفتعلها إسرائيل ضد جنوب إفريقيا. فهم لا يقاطعون إسرائيل، ولا حتى منتجات المستوطنات. وكل ما قاله الجنوب إفريقيون هو أنهم يريدون وضع إشارات على منتجات المستوطنات من أجل أن يتعرف عليها المستهلك، وإذا ما أراد أن يشتريها فليفعل. وهذه مسألة نزاهة تجارية. أنا لا أشتري منتجات المستوطنات لأني لا أريد تقويتها وتقوية اقتصادها. وسمعت أخيرا أن الدانماركيين يريدون وضع إشارات على منتجات المستوطنات في حوانيتهم. وهذا أمر مشابه، فهم لا يقاطعون إسرائيل ولا بضائعها، ولكن إذا ما أراد المستهلك هناك ألا يشتري منتجات المستوطنات فسيكون بإمكانه فعل ذلك من خلال وضع إشارة عليها، أي أنه لا ينبغي تضليل المستهلك.

(*) سؤال: لكن المستوطنين أصبحوا الآن جمهورا أكبر، ويزيد عددهم عن نصف مليون، سواء في الضفة الغربية أو في القدس الشرقية...

سريد: هذا منوط بكيف يتم إحصاؤهم. أعتقد أنه في القدس (الشرقية) انتهى الأمر، والحل يجب أن يكون وفق مبدأ الأحياء اليهودية لليهود، والأحياء الفلسطينية للفلسطينيين. أنا لا أتحدث الآن بشكل مبدئي وإنما بشكل واقعي. من ناحيتي بالإمكان طرد الجميع من الأحياء اليهودية في القدس الشرقية، لكن هذا ليس واقعيا، خاصة وأنني لا أعرف أيضًا كيف سيكون بالإمكان إخلاء مستوطنات في الضفة. ولهذا السبب أوجدنا معادلة تبادل الأراضي، أي أن تتنازل من أجلي عن 2 بالمئة من أراضي الضفة وسأعوضك في مكان آخر، إذ أنه يتم فرض وقائع على الأرض وتوجد صعوبة في إزالتها. وسيكون هذا عندما نصل إلى اليوم الذي نتفق فيه على تسوية لحل الصراع، إذا ما جاء هذا اليوم أصلا. وبناء على تلك الوقائع يتزايد عدد الذين يتحدثون عن دولة واحدة للشعبين بدلا من دولتين للشعبين. لكن يبدو لي أن هذه الفكرة سيئة جدا.

(*) سؤال: لماذا؟

سريد: في الظاهر تبدو فكرة الدولة الواحدة للشعبين رائعة. لكننا لا نعيش في واقع يتيح إمكان تحقيقها. وبرأيي نموذج الدولة الواحدة، وهي ليست دولة قومية، وإنما دولة ثنائية القومية، لن يصمد. هذه وصفة لكوارث. وحتى في المناطق التي تم فيها تطبيق نموذج كهذا فإنه تفكك. وهناك أماكن ما زال هذا النموذج قائما فيها ويريدون تفكيكه. ففي دولة مثل إسبانيا يطالب الكتالونيون بالاستقلال، وكذلك الباسكيون. وحتى في بريطانيا، وهذا ليس مشابها لوضعنا بالضبط، وليت حالنا مثل حال بريطانيا، يطالب الاسكتلنديون بالانفصال. وإيرلندا هي مثال أيضا في هذا السياق. والتفكير بأنه في بلادنا بالذات، ومع كل تاريخنا البائس والترسبات والشحنات، سينجح نموذج الدولة ثنائية القومية، بينما فشل في كل الأماكن الأخرى، يستلزم قدرا كبيرا من السذاجة. ومع ذلك هناك جهات في اليمين، أشخاص قوميون، أصبحوا يتأتئون بأقوال تدعو إلى حل الدولة الواحدة. وإذا ما نظرنا إلى الوضع الديمغرافي القائم اليوم، نرى أننا نحن اليهود نعد 5ر6 مليون نسمة، وأصبح الفلسطينيون 5 ملايين حاليا، في الضفة والقطاع والعرب في إسرائيل. هذا يعني أن الوضع الآن يقترب من المساواة. وبعد وقت سيصبح العدد في الجانبين متساويا. هل تعتقدان أنه سيتم إعطاء مواطنة متساوية للجمهور الفلسطيني؟ وأنه سيجلس في الكنيست 70 نائبا يهوديا و50 نائبا فلسطينيا؟ وعندما يتساوى الميزان الديمغرافي يصبح 60 نائبا لهؤلاء و60 نائبا لأولئك؟ هذا ليس جديا. هناك نية أخرى (لدى اليمين الإسرائيلي) وهي إقامة دولة واحدة لشعب واحد، أي للشعب اليهودي، وليجد الفلسطينيون ترتيبا لهم، فإما ألا يكون لهم كيان قومي أبدا، ويقولون لهم انتخبوا في الأردن، وإمّا أن يتم منحهم حكما ذاتيا، لنعود إلى فترة الحكم الذاتي في عهد بيغن. لكن العالم، الآن، يستند كله إلى نموذج الدول القومية. هكذا هو النظام العالمي. وربما يتغير هذا النظام في نهاية المطاف. وأنا سأكون أول الذين يفرحون عندما يتحقق هذا. وعندما تُلغى أول دولة قومية ستكون إسرائيل والفلسطينيون الدولة الثانية. نحن أسأنا الواحد للآخر بما فيه الكفاية، ودعونا لا نستمر في حالة التدخل في حياة بعضنا البعض. أنا أدرك أن حل الدولة الواحدة هو حل نابع من اليأس. واليأس يولد حلولا ليست جيدة، وهو عموما مستشار سيء.

(*) سؤال: هل تتوقع حلا من أي نوع كان في الأفق المنظور؟

سريد: ليس الآن. لا يوجد أي احتمال لحل في الوقت الراهن. غير أنه بطبيعة الحال يوجد حل، لكن ليس هناك من يمكنه تطبيقه. توجد على الطاولة مبادرة السلام لجامعة الدول العربية المدرجة منذ أكثر من عشر سنوات. وهذه أفضل مبادرة. وتتضمن كل ما حلمت به إسرائيل طوال السنوات الماضية. لكن إسرائيل لم تتطرق إليها بشكل جدي. دائما بالإمكان إجراء تعديلات على اتفاق بين أطراف. فالتسويات هي ليست أمرا سيئا، شريطة ألا تكون عفنة، بمعنى ألا ألوي ذراعك من أجل أن توافق على التسوية، لأنه في هذه الحالة لا تكون هذه تسوية وإنما إملاء. لكن إذا اتفق الجانبان على حل أو تسوية على أساس حدود العام 1967 مع تقسيم القدس، فسيكون هذا هو الأساس الجادّ للمفاوضات.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات