ما الذي يمكن قوله بشأن مستجدات الموقف الإسرائيلي من إيران، وذلك في ضوء تقارير متقاربة تؤكد أن المحادثات غير المباشرة بين واشنطن وطهران بشأن العودة إلى الاتفاق النووي من العام 2015 المنعقدة في العاصمة النمساوية فيينا بلغت المرحلة النهائية؟
وقد تم تعليق هذه المحادثات مؤخراً ومن المقرّر أن تُستأنف هذا الأسبوع. ومنذ نيسان الفائت عقدت الولايات المتحدة وإيران ثماني جولات من هذه المحادثات غير المباشرة بهدف إعادة العمل بالاتفاق المذكور، والذي رفع العقوبات عن طهران في مقابل فرض قيود على برنامجها النووي.
كما أن مثل هذا السؤال يبدو مستحقاً في إثر إعلان مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية أن إدارة الرئيس جو بايدن أعادت، يوم الجمعة الماضي، إعفاء إيران من "عقوبات نووية"، بغية تمكين طرف ثالث من المشاركة في مشاريع عدم انتشار الأسلحة النووية في إيران، موضحاً أنه لا يمكن إجراء مناقشات فنية مفصلة بشأن إيران في غياب هذا الإعفاء من تلك العقوبات.ولكن المسؤول نفسه أكد أن ذلك "ليس تنازلاً لإيران"، كما أنه ليس إشارة إلى أن واشنطن على وشك التوصل إلى توافق لإنقاذ اتفاق 2015 الذي يفترض أن يمنع إيران من تطوير قنبلة نووية.
ومعروف أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب انسحب بشكل أحادي الجانب من الاتفاق، في العام 2018 وأعاد فرض معظم العقوبات الاقتصادية الأميركية على طهران، وفي أيار 2020 ألغى "الإعفاءات النووية" أيضاً. وتتعلق هذه الإعفاءات خصوصاً بمفاعل طهران المُخصّص للأبحاث، وبمفاعل الماء الثقيل في أراك الذي تم تحويله تحت أنظار المجتمع الدولي بشكل يجعل من المستحيل إنتاج بلوتونيوم للاستخدام العسكري.
هناك ما يشبه الإجماع لدى المحللين الإسرائيليين، بمن في ذلك الخبراء في الشؤون الأمنية، وكذلك لدى الباحثين في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، على أن أي نتيجة ستسفر عنها محادثات فيينا المذكورة تعتبر سلبية بالنسبة إلى إسرائيل. ووفقاً لما جاء في هذه التحليلات فإن النتيجة ستكون واحدة من عدة نتائج مرتقبة هي التالية:
أولاً، الاتفاق على العودة إلى الاتفاق النووي من العام 2015 خلال فترة زمنية قصيرة؛
ثانياً، استمرار النقاشات لأشهر طويلة من دون التأكد من فشلها؛
ثالثاً، اتفاق موقت (وهو ما ترفضه إيران حالياً، لكن يمكن أن توافق عليه الأطراف الأخرى)؛
رابعاً، عدم التوصل إلى اتفاق ووقف المحادثات وبدء تنفيذ خطوات ضد إيران (حتى ولو واصلت الأطراف عملياً الإبقاء على المسار الدبلوماسي مفتوحاً).
ولشرح معنى النتيجة السلبية لا بُدّ من أن ننوّه أنه بموجب السيناريو الإسرائيلي المتداول، فمنذ أن بدأت إيران بخرق الاتفاق النووي رداً على انسحاب الولايات المتحدة منه سجّلت، ولا سيما في العام الأخير، تقدماً مهماً وغير مسبوق في برنامجها النووي، حتى وفقاً لما يقوله تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذريّة، جعلها دولة عتبة نووية. وتشير التقديرات إلى أن في إمكان إيران القيام بتجربة نووية خلال 6 أشهر، منذ اللحظة الذي تتخذ فيها قراراً كهذا، ولكن مرحلة التطابق بين آلية التفجير وبين إطلاقه كسلاح من خلال طائرة أو صاروخ ستستغرق عدة أعوام.
وبناء على ذلك فإن ما يثير قلق إسرائيل، على ما يبدو، هو أن عدم الالتفات إلى ما تصفها بأنها "انتهاكات تكنولوجية" قامت بها إيران (منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق) من شأنه أن يؤجج مسار تكريسها كدولة عتبة نووية.
يمكن أن نضيف أنه بالنسبة إلى إسرائيل، فإن ما يسمى بـ"التهديد الإيراني" يُترجَم بمنظومة عسكرية تعتمد على أساسين مركزيين: تطوير سلاح نووي، وقوات عسكرية في أنحاء منطقة الشرق الأوسط لديها قدرات صاروخية تهدّد إسرائيل فعلاً.
كما علينا أن نشير إلى أن رئيس الحكومة نفتالي بينيت أكد، في سياق كلمة ألقاها أمام مؤتمر "معهد دراسات الأمن القومي" قبل عدة أيام، أن مكافحة إيران التي وصفها بأنها رأس الأخطبوط تقف في رأس سلم أولويات حكومته. وتتفق جلّ التقارير الإسرائيلية على أن المواجهة بين إيران وإسرائيل المستمرة منذ عدة أعوام ازدادت حدّة في العام الأخير.
واستناداً إلى "التقرير السنوي بشأن وضع إسرائيل الاستراتيجي" الصادر عن "معهد دراسات الأمن القومي" أخيراً، فإن هذه المواجهة تجلّت في ما يلي: عمليات تخريب للبرنامج النووي الإيراني نُسبت إلى إسرائيل؛ هجمات إسرائيلية في سورية ازدادت تصاعداً مع استمرار مسعى إحباط "التمركز العسكري الإيراني" في أراضي سورية، ومنع انتقال الصواريخ إلى حزب الله؛ الصراع البحري الذي تمت في إطاره مهاجمة 12 باخرة إيرانية، والكشف العلني عن ذلك أدى إلى الهجوم على باخرة تجارية لها علاقة بإسرائيل؛ هجمات سيبرانية متبادلة، ومهاجمة شركات مدنية ونشر معلومات عنها، كجزء من عمليات الصراع على الوعي؛ عمليات تشويش في مرفأ بندر عباس نُسبت إلى إسرائيل، وتشويش جدول رحلات وبطاقات ذكية لشراء الوقود. في المقابل، وفي غياب هجوم مباشر ومهم في إسرائيل، جرى مؤخراً كشف وإحباط عدد من الخطط لتنفيذ عمليات ضد جهات إسرائيلية في الساحة الدولية.
بطبيعة الحال من المتوقع أن تتصاعد حدّة هذه المواجهة في المستقبل أيضاً، وخصوصاً بعد أن تتضح نتيجة محادثات فيينا، كما سلفت الإشارة. وما يجدر التذكير به هو أن معظم الخبراء الأمنيين يؤكدون أنه ينبغي التركيز أولاً وقبل أي شيء على البرنامج النووي، نظراً إلى أن إيران من دون خيار نووي عسكري لا تشكّل، في قراءتهم، تهديداً لوجود إسرائيل من خلال من يصفونهم بأنهم "وكلاؤها"، بينما التهديد النووي سيتيح لإيران إمكان مضاعفة جهودها لبناء قدرة باليستية تشكل تهديداً من الناحيتين الكمية والنوعية في الآن نفسه.