في إطار سعيها المحموم وراء إعادة سنّ قانون منع لم شمل العائلات الفلسطينية في إسرائيل والذي أدّى حتى الآن إلى قيام اللجنة الوزارية لشؤون سنّ القوانين بالمصادقة على مشروع قانون بهذا الشأن قدمته أحزاب المعارضة اليمينية بواسطة عضو الكنيست سيمحا روتمان (من حزب "الصهيونية الدينية")، كررت وزيرة الداخلية الإسرائيلية أييلت شاكيد (من حزب "يمينا") القول بأنها لا تخجل من التأكيد أن مشروع القانون ضروري من ناحية ديموغرافية. ويواصل مشروع القانون هذا ومشروع قانون آخر أعدته شاكيد تقليداً بدأه مشروع قانون جرى سنّه في العام 2003 وكان بمثابة تعديل لـ"قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل"، ويقيّد منح فلسطينيين متزوجين من مواطنين يحملون الجنسية الإسرائيلية المواطنة الإسرائيلية، ومنذ ذلك الوقت جرى تمديده مرات عديدة على التوالي. غير أنّ محاولة تمديده في تموز الماضي مُنيت بالفشل بعد تصويت كافة أعضاء الكنيست من المعارضة ضد التمديد، على سبيل مناكفة الحكومة، وعقب امتناع أعضاء كنيست من
القائمة العربية الموحدة عن التصويت. ومما جاء في تصريحات شاكيد خلال جلسة اللجنة الوزارية المذكورة: "إن الحديث يدور حول قانون يتم تمريره منذ 18 عاماً، وإن لم يتم تمريره الآن، سأضطر إلى إيجاد حل آخر. في الأعوام التي كان فيها القانون مطبقاً، تلقّينا 1000 طلب سنوياً من أجل الحصول على المواطَنة (في إطار لمّ شمل العائلات الفلسطينية) وحالياً، في غضون ثلاثة أشهر حصلنا على 1500 طلب. إن القانون ضروري من ناحية ديمقراطية، ولا أخجل من القول إنه ضروري أيضاً من ناحية ديموغرافية"!
ومعروف أن هذا القانون، حتى بموجب ما يرد في "الأدبيات" الإسرائيلية، أقرّ في الكنيست العام 2003 إبان فترة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وقيل في حينه إن الهدف منه هو الحدّ من ظاهرة الزواج بين المواطنين العرب في إسرائيل وسكان الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967 (الضفة الغربية وقطاع غزة) وذلك بحجة أن هذه الزيجات (التي يترتب عليها منح المواطنة الإسرائيلية لفلسطينيين/ فلسطينيات تزوجوا/ تزوجن من مواطنات/ مواطنين عرب في إسرائيل) يجري استغلالها لتقديم العون والمساعدة إلى "عناصر إرهابية" فضلاً عن أن هذه الظاهرة تؤدي إلى تأجيج مشكلة ديموغرافية فحواها "تآكل الأكثرية اليهودية". ووفقا لنص بنوده، فإن هذا القانون يلغي منح مواطنة أو إقامة في إسرائيل لفلسطينيين من سكان الضفة والقطاع في نطاق جمع شمل العائلات. وقد أثار هذا القانون نقاشات حادّة فيما يتعلق بدرجة التوازن بين متطلبات إسرائيل الأمنية وبين المساس بحقوق الفلسطينيين. ورفضت المحكمة الإسرائيلية العليا عدة طلبات استئناف ضد هذا القانون وفي إثر ذلك قرّر الكنيست توسيع نطاقه بحيث أصبح يشمل مواطني سورية ولبنان والعراق وإيران، التي تعتبرها إسرائيل "دولاً معادية"!.
في الواقع يعتبر هذا القانون، مثلما نوهنا كثيراً في الماضي، فريداً من نوعه، وغير معمول بمثله في أي مكان آخر في العالم الذي لا توجد دولة فيه تمتنع عن منح جنسيتها إلى كل من يتزوج من مواطنيها. كما أنه يشكل علامة دالة أخرى على وضعية التمييز العنصري التي يرزح المواطنون العرب تحت وطأتها والتي تفاقمت أكثر فأكثر في الأعوام الأخيرة.
حتى في نصوص "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" (القدس) يمكن العثور على نبرة استهجان للقانون، حيث يرد مثلاً نصّ فحواه ما يلي: يمكن وصف سياسة المواطنة في إسرائيل على النحو الآتي: من جهة، تمنح المواطنة لليهود بصورة أوتوماتيكية. ففي جميع الحالات التي يعبر فيها أي يهودي عن رغبته في العيش والاستقرار في إسرائيل، سيكون مكفولاً له الحق في الحصول على المواطنة الإسرائيلية فور قدومه إلى البلاد، من دون رهن ذلك بأي واجبات أو شروط. من جهة أخرى، فإن إمكانية من هو غير يهودي في الحصول على مثل هذه المواطنة مقيدة ومحدودة جداً، وتخضع بدرجة كبيرة إلى ما يراه وزير الداخلية، غير أن القيود والشروط الأكثر تشدداً وصرامة هي تلك التي تتعلّق بالفلسطينيين، علماً أن ذلك يرجع بشكل أساس إلى "اعتبارات الأمن" وإلى الرغبة في "المحافظة على أغلبية يهودية في الدولة"، ومن هنا يتم منع الفلسطينيين لمُجرّد كونهم كذلك من الحصول على المواطنة أو الجنسية الإسرائيلية، وحتى من إمكانية الإقامة الدائمة في إسرائيل.
وقد أصدرت المحكمة الإسرائيلية العليا، يوم 11 كانون الثاني الحالي، أوامر إلى وزيرة الداخلية تقضي بأن تتوقف عن حرمان أزواج فلسطينيين من حق الإقامة في إسرائيل. وجاءت هذه الأوامر رداً على طلبات التماس تقدمت بها عدة منظمات حقوقية في إسرائيل ضد الوزيرة. وكتبت قاضية المحكمة العليا، دافنه باراك إيرز، في قرارها، الذي جاء بمثابة أمر قضائي موقت، إن القوانين الأساس للقانون الإداري لا تسمح بتطبيق نصّ لم يعد موجوداً، مؤكدة أن الوزيرة شاكيد تحاول تطبيق قانون انتهى العمل به في تموز الفائت، في إشارة إلى قانون المواطنة الذي انتهى مفعوله منذ ذلك الوقت. وأضافت القاضية أنه لا يمكن لأي مكتب حكومي أن يبني أفعاله على تشريع مُخطّط له، وأكدت أنه يجب التصرف بموجب القانون كما هو.
طبعاً لا يعني موقف هذه القاضية أن المحكمة العليا سوف تقف أيضاً ضد قانون منع لم شمل العائلات الفلسطينية، فهذه المحكمة، كما أشرنا سالفاً، رفضت طلبات استئناف ضد القانون المرة تلو المرة، وفي إحداها، في العام 2012، كتب القاضي آشير غرونيس، الذي تسلم في وقت لاحق من العام نفسه منصب رئيس المحكمة العليا خلفاً للقاضية دوريت بينيش، في معرض تسويغ رفضه طلبات الاستئناف على تعديل قانون المواطنة، أن إسرائيل لا يمكنها أن تسمح بتطبيق الحقوق الدستورية المتعلقة بحياة العائلة كما هي بسبب "وضعها الخاص"، مشيراً إلى أن حقوق الإنسان يجب ألاّ تعني ما وصفه بأنه "انتحار قومي"، وإلى أن إلغاء التعديل المذكور من شأنه أن يتسبّب بتدفق آلاف الفلسطينيين إلى الدولة. وهو ما يمكن اعتباره بمثابة غطاء قانوني/ دستوري لا لقانون عنصري أرعن فحسب إنما أيضاً لما هو أشدّ وأدهى.