المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • كلمة في البداية
  • 1299
  • انطوان شلحت

يشمل هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي" عدداً من التحليلات التي تتناول النتائج المباشرة والبعيدة المدى المترتبة على تفشي وباء كورونا فيما يتعلق بالسياسة والاقتصاد في إسرائيل، وتسلط الضوء على سيناريوهات الخروج المتداولة في إثر انتشار هذه الجائحة.

ووفقاً لها، تعتبر أزمة كورونا من الناحية الاقتصادية عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد الإسرائيلي. وما يمكن قوله الآن، هو أنه ليس هناك موقف واضح أو تصور واحد لتداعيات الأزمة اقتصادياً، فثمة من يعتقد أن إسرائيل سوف تعيد "حيويتها الاقتصادية" في نهاية العام 2021، والأكثر تفاؤلاً يضع نهاية العام الحالي كلحظة تخرج فيها إسرائيل من الأزمة. ويتعلق الأمر بمدى إطالة عمر الإغلاق ونوعيته خلال الفترة المقبلة. غير أنه لا شك في أن الأزمة الاقتصادية التي أحدثها فيروس كورونا سوف ترافق إسرائيل في الأعوام المقبلة، فمعدلات البطالة التي وصلت إلى الحضيض في الأعوام الماضية مُسجلة أقل نسبة بطالة في تاريخ البلد، ارتفعت خلال الأزمة لتصل إلى 25%. وحتى في السيناريوهات المتفائلة تشير التوقعات إلى أن هذه النسبة ستتراجع لتصل إلى 10% مع نهاية العام 2021. وهذا سوف يشكل عبئاً اقتصادياً واجتماعياً على الدولة، فضلاً عن أن المصالح الصغيرة والمستقلة منها سوف تحتاج إلى وقت كي تتعافى من هذه الأزمة الاقتصادية، ولن يسرع جزء منها إلى إعادة من أقيلوا من العمل، على الأقل حتى ينجح في ترميم مصالحه من الناحية الاقتصادية.

ويعتقد أكثر من محلل اقتصادي أن إسرائيل ستعاني من أسوأ ركود اقتصادي في تاريخها هذا العام، بحيث سيقفز معدل البطالة مع انتهاء أزمة كورونا إلى 12% بحسب تقدير صندوق النقد الدولي، بينما يقدر بنك إسرائيل بأن نسبة البطالة ستستقر عند 6% بعد أن توقفت قبل الأزمة عند 4%، فيما يتوقع انخفاضاً بنسبة 3ر5% في الناتج المحلي الإجمالي.

ولفت أحد المحللين إلى أن تقرير بنك إسرائيل، الذي يظهر الفارق في التوقعات والمعطيات التي نشرها صندوق النقد الدولي بشأن تداعيات كورونا على الاقتصاد الإسرائيلي، لا يتضمن أي تفسيرات بل جداول وتقديرات فقط، ما يعني ضرورة الانتظار فترة للحصول على صورة أوضح بخصوص حجم الخسائر وتأثير الأزمة على الاقتصاد الإسرائيلي. وعلى الرغم من ذلك فإن هذا المحلّل يتوقع صورة قاتمة للاقتصاد الإسرائيلي بسبب الأزمة، مستذكراً أنه في الأزمة المالية العالمية في العام 2009 لم ينخفض الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي، ولم يكن الاقتصاد في حالة ركود ولا حتى بشكل تقني، ما يعني أن الاقتصاد الإسرائيلي سيكون في الربعين المقبلين في حالة من النمو السلبي، وفقط في العام 2021 سيشهد نموا بنسبة 5%، علماً أن توقعات بنك إسرائيل قبل الأزمة أشارت إلى أن العام المقبل كان من المفروض أن يشهد انتعاشاً اقتصادياً بنسبة 7ر8%.

تجدر الإشارة أيضاً إلى أن الأزمة الاقتصادية، التي ولّدها كورونا، جاءت لتراكم أزمة اقتصادية كانت إسرائيل دخلت في خضمها خلال العام 2019، حيث ارتفع العجز في ميزانية الدولة، بسبب سياسات وزير المالية الحالي موشيه كحلون، وبسبب غياب حكومة ثابتة لمدة عام كامل. كما لا بُدّ من الإشارة إلى أن الحالة الاقتصادية كانت أحد أسباب قوة نتنياهو في العقد الأخير، فقد تحسن الاقتصاد الإسرائيلي وازداد نموه السنوي، وتراجعت معدلات البطالة إلى الحد الأدنى في تاريخ الدولة، وارتفع استهلاك المواطنين، وزادت معدلات السفر والسياحة إلى الخارج، وفي ضوء ذلك يجب متابعة كيف ستؤثر الأزمة في مستقبل حُكم نتنياهو، لا سيّما وأن قواعده الانتخابية وقواعد الأحزاب الدينية المتزمتة تنتمي إلى الشرائح الضعيفة في المجتمع الإسرائيلي.

على الصعيد السياسي، يمكن القول إنه منذ انتهاء الانتخابات في آذار 2020، وتكليف رئيس "أزرق أبيض" بيني غانتس بتأليف الحكومة، استغل نتنياهو أزمة كورونا أحسن استغلال سياسياً. فقد كانت يتصرف كما لو أنه هو صاحب التكليف بتأليف الحكومة، وكان يعرض على غانتس تارة إقامة حكومة طوارئ وتارة أخرى إقامة حكومة وحدة وطنية. بينما لم يبادر غانتس، وهو المكلف بإقامة الحكومة، إلى أي خطوة. كذلك وضعه نتنياهو كل الوقت في مربع ردة الفعل على اقتراحاته، وخاصة بعد سقوط خيار إقامة ما يعرف باسم "حكومة أقلية" تدعمها القائمة المشتركة من الخارج. ونجح نتنياهو بشكل غير مباشر، بسبب الأزمة، في تفكيك تحالف "أزرق أبيض" إلى ثلاثة أحزاب، وفي الاتفاق مع غانتس على إقامة حكومة يتبادل فيها الرجلان رئاسة الحكومة مع تمثيل كبير لحزب "أزرق أبيض" المقلص، فضلاً عن استعداد غانتس للتوصل إلى تسوية بشأن موضوع ضم أراض في الضفة الغربية إلى إسرائيل، ولدعم قانون يتيح لنتنياهو إمكان أن يكون في الحكومة كقائم بالأعمال في مرحلة التناوب بالرغم من لوائح الاتهام.

ومن الواضح الآن أن نتنياهو سعى لإقامة حكومة بشروطه وفي مقدمها: أولاً، استمرار التغيير الذي يقوم به اليمين في المؤسسة القضائية، والذي يعتبر أحد ركائز مشروع اليمين في العقد الأخير، فضلاً عن أن نتنياهو ينسجم معه لأن لديه مصلحة شخصية تتمثل في ملفاته الجنائية التي ساهمت الأزمة الحالية في تأجيل البتّ فيها. وثانياً، تشريع قانون يضمن بقاء نتنياهو في السلطة بعد إجراء التناوب على رئاسة الحكومة، حيث أن القانون ينص على استقالة وزير إذا ما تم تقديم لائحة اتهام ضده.

ثمة جانب آخر يجب متابعته، وهو ما أشار إليه بحث جديد يقوم به محاضران من الجامعة العبرية بالقدس وجامعة حيفا هذه الأيام ويتعلق بلجوء حكومة نتنياهو الانتقالية الحالية إلى أنظمة الطوارئ، بالرغم من طابعها المُعادي للديمقراطية. ويشير البحث في نتائجه الأولية إلى أنه منذ 15 آذار الفائت أقرت الحكومة 70 نظاماً جديداً كهذا، وهو أكبر عدد تُقدم عليه حكومة إسرائيلية منذ إقامة الدولة، بما في ذلك خلال فترات الحروب المتعددة، ما يشير إلى سلوك خطر للغاية وغير ديمقراطي. ويجزم الباحثان أنه بهذا السلوك اختارت الحكومة أن تعمل بصورة استبدادية وغير ديمقراطية، وعلى نحو يخرق التوازن المفترض أن يكون قائماً بين السلطات الثلاث التي تتكون منها الدول السويّة والتي هي، أولاً وقبل أي شيء آخر، سلطة القانون.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات