ثمة محاور كثيرة يمكن التطرّق إليها لدى محاولة إجمال الملامح الرئيسة التي اتسم بها عهد بنيامين نتنياهو في رئاسة الحكومة الإسرائيلية والذي بدأ منذ العام 1996، وكان متصلاً من الناحية الزمنية على مدار ما يزيد على أعوام العقد الأخير، سواء أكان ذلك على صعيد السياسة الداخلية أو على صعيد السياسة الخارجية، وهي ملامح من شأنها أن تزداد رسوخاً في حال نجاح زعيم الليكود واليمين في تأليف الحكومة المقبلة. وحتى للآن تبدو هذه العملية صعبة للغاية وإن لم تكن مستحيلة، وذلك برسم النتائج النهائية التي أسفرت عنها نتائج الانتخابات للكنيست الـ23 التي جرت يوم 2 آذار الحالي، وخصصنا لها حيّزاً واسعاً في هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي".
وعهد نتنياهو هو بالضبط ما ركزت عليه ورشة "مائدة مستديرة" نظمها "مركز مولاد لتجديد الديمقراطية في إسرائيل"، بالتعاون مع حركة "مستقبل أزرق أبيض"، في أواخر شهر شباط الفائت، تحت العنوان "تلخيص عقد مضى وتحديات العقد المقبل في المستوى السياسي ـ الأمني"، بمشاركة نخبة من كبار المسؤولين السابقين في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ومن الخبراء والباحثين في قضايا الأمن القومي ومجالاته المتعدّدة.
وإذا ما سلطنا الضوء على السياسة المتعلقة بالقضية الفلسطينية، فلعلّ أول ما يجب ملاحظته هو أنه من بين أمور أخرى، اتفق المشاركون في مداولات الورشة على أن العقد المنصرم كان "عقداً ضائعاً مُهدَراً" على الصعيد السياسي، إذ لم يتم خلاله دفع أي مبادرة سياسية للمدى البعيد، بل ظل ينوء تحت وطأة الشعارات الأمنية الفارغة من أي مضمون؛ كما اتفقوا على أنه خلافاً للصورة المشوهة التي تحاول الحكومة عرضها على مرأى الجمهور، فإن التهديد المركزي لإسرائيل ليس من إيران، وإنما من حقيقة أنه بين البحر والنهر يعيش نحو 14 مليون إنسان، وهو واقع "قد يقود إلى نهاية المشروع الصهيوني إذا لم يتم التوصل إلى حل سياسي!".
وأجمع هؤلاء أيضاً على أن توسيع الاستيطان في أراضي الضفة الغربية يعرّض أمن المواطنين في إسرائيل إلى مخاطر جدية وعلى درجة غير مسبوقة من الخطورة. كما شدّدوا على أنه ليس ثمة شيء اسمه "إدارة الصراع"، وعلى أن الحلول العسكرية والتكنولوجية لم تعد كافية وحدها لمواجهة التهديدات والتحديات الماثلة أمام إسرائيل، بل ثمة حاجة إلى سياسة أيضاً!
لا شك أن القراء سيلاحظون أن جميع التبصّرات التي خلصت إليها الورشة منطلقة أساساً من الحرص على ما تسميه "بقاء المشروع الصهيوني واستمراره"، بما في ذلك تأييد الرؤية التي مؤداها أن حل الدولتين هو الوحيد الذي يضمن تحقيق هذه الغاية، ولكن في الوقت نفسه ينبغي ملاحظة أن الموضوع الفلسطيني لم يكن غائباً عن نظرها، وأن مقاربتها حيال السياسة الإسرائيلية تجاهه تنطوي على قدر من النقد لعهد نتنياهو إلى حدّ اعتبار العقد المنتهي هو بمثابة خسارة كبيرة وكان مليئاً بإهدار الفرص، وأن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ("صفقة القرن") هي دليل إضافي آخر على التوجه الأحادي الجانب الذي تعتمده إسرائيل إزاء القضية الفلسطينية على مدى العقود الفائتة، وخصوصا العقد الأخير على وجه التحديد، مما يعمق من خطورة الوهم الإسرائيلي بأن عدم التحرك والمبادرة إلى أي فعل حقيقي وجدي يأتي بنتائج إيجابية وطيبة في نهاية المطاف.
أخيراً تشير الورشة إلى أن الجمهور الإسرائيلي منقسم على نفسه في الموضوع الفلسطيني وأنه "من دون دفع من الخارج (رئيس أميركي آخر أو حرب كبيرة)، لن يغير آراءه ومواقفه بصورة دراماتيكية"، ما يُعيدنا مرة أخرى إلى المفهوم القائل بأن تغيير إسرائيل يحتاج إلى تراكم عوامل لا تكون مقتصرة على وقائع من داخلها فقط. ولئن تم الأخذ بهذا المفهوم في أزمان ماضية فكم هو حريّ الأخذ به الآن.