1- ارتباطاً بالانتخابات الإسرائيلية العامة القريبة ومن دون الارتباط بها أيضاً، مرّ عقد كامل من السنوات على تسلم بنيامين نتنياهو منصب رئيس الحكومة الإسرائيلية في العام 2009. وهو عقد حافل بالأحداث والوقائع التي نسلط الضوء عليها، في إطار هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي"، عن طريق تعليق المحررة الاقتصادية في صحيفة "ذي ماركر" ميراف أرلوزوروف، التي تصفه بأنه عقد الفساد والتخويف وأجواء الترهيب والإرهاب وعدم الاستقامة. وكذلك عن طريق ما وصفناه بأنه "إضاءة خاصة" من خلال المقال المطوّل الذي كتبه الخبير الإعلامي يزهار بئير، المدير العام والمؤسس لـ"كيشف"- مركز حماية الديمقراطية في إسرائيل، وتطرّق فيه إلى دور الإعلام في تشكيل ما أسماه "الوعي الإسرائيلي الزائف" ولا سيما حيال المسألة الفلسطينية والصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.
يشير بئير، من بين أمور أخرى، إلى أن قدرة وسائل الإعلام على تشكيل وعي زائف لا تتطلب الكذب بالضرورة، بل يمكن تحقيق النتائج أيضاً عن طريق حجب معلومات وتشجيع الجهل، كون الجهل لا يقل غائيّة عن الوعي. وشغف الجهل هو أقوى شغف في حياة الأشخاص وأقوى من الشغفين الآخرين، الحب والكراهية، كما قال المحلل النفسي والمنظّر الفرنسي جاك لاكان. وفي هذا الشأن كانت لوسائل الإعلام الإسرائيلية صولات وجولات لم تبدأ فقط في عهد حكم نتنياهو، كما يشدّد الكاتب مؤكداً أن نتنياهو هو أحد "الأبطال" البارزين في هذا المنحى، لكنه ليس البطل الوحيد.
ومن المثير أن بئير يعود بالذاكرة القهقرى إلى الفترة النازية، مستفيداً من الاستنتاجات الفكرية التي خلص إليها عالم اللسانيات والباحث الأدبي الألماني فيكتور كليمبرر، ونوّه فيها بأنه مثلما تُملي الصحافة من خلال التغطية ما هو "المهم"، فإنها لذلك تحدّد من خلال عدم التغطية "غير المهم"! ولقد فهم كليمبرر قوة بلورة الوعي من خلال فعل التحرير، وميل وسائل الإعلام المتأصل إلى تفضيل وجهة نظر السلطة ومجموعات النخبة، وأكد أن المعرفة محدودة بينما الجهل دائماً لا نهائي، وهذا ما يعرفه جميع مروّجي نظريات المؤامرة. ولذلك خاطب بئير جمهور قرائه قائلاً: لا تنظروا فقط إلى ما ترويه لكم الصحافة، بل أيضاً الى ما لا ترويه، والأهم من ذلك، كيف ترويه - هل تهمّش أم تبرز مكوّنات القصة كما يحلو لها لدرجة عدم روايتها بالمرة وربما أسوأ من ذلك؟ هل تقود قراءها ومشاهديها الى حياة يلفّها الضباب الترفيهي والكليشيهات السياسية التي تلهي العقل، مع عدم إثبات أي من مكوّنات القصة؟ وفي حوصلته للموضوع، استنتج أنه على الرغم من جميع الاختلافات عن فترات سابقة وأماكن أخرى، فإننا بالذات نعيش هذا الوضع الآن، والذي ما من توصية لمواجهته باستثناء الطلب بتنشيط المنطق السليم وتفعيل الحسّ النقدي وتعلّم القراءة بين السطور.
ولا تقتصر سيرورة تشكيل الوعي الزائف من جانب الإعلام على جوهر السرديّة التي تتعلق بالمسألة الفلسطينية، بل إنها تتعدّاها إلى ما يتعلق بالأجندة الداخلية، بما في ذلك الاقتصادية- الاجتماعية. وإذا ما أخذنا مثلاً موضوع الفقر فليس مبالغة القول إنه هو أيضاً موجود على هامش الأجندة السياسية وكذلك الإعلامية.
2- ذكر التقرير الذي أصدره معهد "مِتافيم" (مسارات)، "المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية"، في نهاية كانون الأول الفائت، وحدّد فيه "التوجهات الأبرز في سياسة إسرائيل الخارجية" خلال الأشهر الستة الأخيرة، أن عملية السلام لم تكن موضوعاً مركزياً في المعركتين الانتخابيتين اللتين شهدتهما إسرائيل العام الماضي. وفيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية والاحتلال أجمل التقرير بأن المنحى الأبرز في السياسة الإسرائيلية خلال الفترة المذكورة يتمثل في الانتقال من الدفع نحو الضم الزاحف في الضفة الغربية إلى إعلان النوايا بشأن الضم الرسمي، مشيراً إلى أنه في إطار حملاته الانتخابية الأخيرة، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أولاً، عن نيته ضم مناطق غور الأردن وشمال البحر الميت. ثم قام لاحقاً بتوسيع نوايا الضم لديه لتشمل، أيضاً، جميع المستوطنات الإسرائيلية في أراضي الضفة الغربية. وفي أعقاب ذلك، تواترت التصريحات في النقاش العام الإسرائيلي التي تؤيد الضم بصورة علنية ورسمية. والحق أن هذا المنحى لا يزال هو الأبرز على أعتاب الانتخابات القريبة التي ستجري يوم 2 آذار المقبل والتي يبدو أنها ستكون متمحورة أكثر من أي شيء آخر حول مطلب إطاحة نتنياهو الشخص مع انتهاء عقد كامل من السنوات على حكمه بسبب فساده لا من جراء سياسته الخارجية والنهج العام لحكمه.