المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • كلمة في البداية
  • 6042
  • انطوان شلحت

ضمن المقاربات الإسرائيلية الراهنة، التي دأبنا على تقديمها إلى قراء "المشهد الإسرائيلي" في الآونة الأخيرة، ننشر في هذا العدد أغلب مقاطع المقالة الموسعة التي كتبها أخيرًا أحد كبار الدبلوماسيين الإسرائيليين السابقين، والمتخصص في "الشؤون العربية والإسلامية"، تسفي مزائيل، ووبّخ من خلالها أوروبا لكونها "تتنكّر لما يشكله الإسلام من تهديد حاليّ لمستقبلها".

 

وجاءت مقالة مزائيل هذه، التي نُشرت في الموقع الإلكتروني لـ"المركز المقدسي للشؤون العامة وشؤون الدولة" (يمينيّ)، موسومة بالعنوان التالي: "تغاضي أوروبا عن احتلالات الإسلام وتهديداته الراهنة- عودة إلى التاريخ".

وتجنّب الكاتب أن يلحق أي نعت بكلمة الإسلام، بما يمكن أن يُحيل إلى إمكان تنائيه عن تبنّي نظرة أحادية الجانب بهذا الشأن، من قبيل "المتطرّف" أو "المتوحّش"، كما يدأب في المعتاد- وإن من باب الضريبة الكلاميّة- غيره من الساسة الإسرائيليين اليمينيين والناطقين المُفوهين بلسان اليمين الحاكم، وفي مقدمهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي عاد، خلال استقباله وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس في ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية يوم الجمعة الفائت، وكرّر أن إسرائيل والولايات المتحدة تواجهان مخاطر مشتركة مصدرها التهديدات المزدوجة التي يشكلها الإسلام المتطرف الشيعي بقيادة إيران والسنيّ بقيادة تنظيم "داعش".

وقصد بهذا التجنّب أن يؤكد بإطلاقية تامّة أن الإسلام دينًا هو التهديد الحقيقي والأكبر والأخطر. ووفقًا لما كتب: "يرى الأوروبيون في الإسلام بأنه أحد الديانات الثلاث التوحيدية المرتكزة على التناخ. وهم يعتقدون، أو يتظاهرون، بأنهم إذا ما عملوا بطريقة ناعمة على تخفيف حدّة العناصر المتطرفة في الإسلام، سيكون من الممكن التوصل إلى تفاهم وتعايش بسلام مع الإسلام والمسلمين. ويرفض الأوروبيون في هذا السياق رؤية المشكلة بأنها أعمق بكثير، وأن جذورها تمتد إلى الدين الإسلامي ذاته، وأن هناك تناقضات ثيولوجية جذرية بين الإسلام والمسيحية". وأضاف أن جوهر الإسلام قائم على الانصياع التام للشريعة الإلهية، الأمر الذي يتنافى تمامًا مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.

ولدى الانتقال إلى الشرق الأوسط، ادعى الكاتب أن الاحتلال الموجود في هذه المنطقة ليس إسرائيليًا وإنما هو احتلال عربي- إسلامي مستمر، يُمارس القمع والاضطهاد منذ القرن السابع الميلادي. في المقابل، فإن إسرائيل هي التي انبرت لمحاربة هذا الاحتلال وتمكنت من الانتصار عليه والتحرر من نيره بعد 1308 سنوات، لتجدّد بذلك استقلالها. وبرأيه، لم ينجح في الانعتاق من هذا الاحتلال العربي - الإسلامي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في العصر الحالي سوى إسرائيل وجنوب السودان.
كذلك يستعيد الكاتب الكذبة الممجوجة بأنه لم يكن هناك أبدًا شعب عربي فلسطيني. وفي قراءته "العرب وصلوا إلى البلد في نطاق الاحتلالات الإسلامية، ولم يقيموا أيضًا دولة فيه، كما أن تواجدهم كان هزيلًا جدًا، وقد ازداد هذا التواجد مع بداية (مشروع) الحركة الصهيونية في منتصف القرن التاسع عشر، والتي شرعت في عملية تطوير حثيثة للدولة (العتيدة)، وكانت بالتالي بحاجة إلى أيدٍ عاملة، وفي هذا الإطار وصل عشرات آلاف العرب إلى إسرائيل - "فلستينا" في ذلك الوقت - وقدِمُوا من المغرب ومصر وشبه الجزيرة العربية وسورية، سعيًا وراء العمل وكسب لقمة العيش".

ويخلص من ذلك كله إلى استنتاج فحواه أنه في مقابل "التاريخ المُوثّق المدعوم بالقرائن" فيما يخصّ اليهود وعلاقتهم بفلسطين، ثمة "انعدام تاريخ" في كل ما يتعلّق بالشعب الفلسطينيّ ووطنه الأصليّ.

بطبيعة الحال لا تعتبر مُقاربة مزائيل هذه المقاربة الإسرائيلية الأولى التي "تخاطب" أوروبا من وجهة النظر التغريضية هذه، ولا سيما في مجال بثّ سموم ترتبط بالإسلام كدين. ومثلما أشرنا في السابق، مرّات من الصعب حصرها، فإن الصهيونية لم تتخلّ يومًا عن ادعائها القائل بأنها "رسول الحضارة الأوروبية إلى الشرق المتخلّف"، الذي سكّـه هرتسل، ويكاد يكون حاضرًا في أي خطاب أو تصريح يدلي به نتنياهو هنا وفي الخارج.

تبقى القضية أن مثل هذه المقاربات تُستخدم في نطاق "معركة على الوعي" حيال الكثير من وقائع التاريخ وخصوصًا وقائع القضية الفلسطينية، وليس المقصود وعي الفلسطينيّ وإنما الوعي الإسرائيلي.

وهي في الوقت الحالي معركة تتقاطع من جهة أولى مع تفاقم مظاهر التديّـن والتطرّف القومي في المجتمع الإسرائيلي الذي يخضع لتغيّرات ديمغرافية تؤشر إلى ارتفاع مضطرد في نسبة ووزن اليهود الحريديم (المتشددين دينيًا) والمتدينين عمومًا، طبقًا لما أكده بحث أكاديمي إسرائيلي جديد.

ومن جهة أخرى تتقاطع مع اشتداد قبضة التيار القومي الصهيوني الديني على الجيش الإسرائيلي وعلى مناهج التعليم الإسرائيلية الرسمية.

ومن جهة ثالثة وأخيرة تتقاطع هذه المعركة على "الوعي الإسرائيلي" مع تصعيد الهجوم الذي يشنّه اليمين الإسرائيلي على كل من يخالفه الرأي إلى درجة التخوين. ولا تقف في وجه هذا الهجوم قوى بوسعها درء العاصفة. ولعل أسطع مثال على ذلك هو مسارعة أكبر تحالف "مُعارض" لليمين إلى خوض آخر انتخابات عامة في إسرائيل (2015) تحت مُسمّى "المعسكر الصهيوني" ردًّا على اتهام نتنياهو "اليسار" الإسرائيلي بأنه "نسي ما معنى أن تكون صهيونيًا ويهوديًا الآن وهنا"!.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات