المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
أثر الصاروخ اليمني الذي سقط في منطقة يافا السبت الماضي، وخلف عددًا من  الإصابات.  (شينخوا)
  • كلمة في البداية
  • 56
  • أنطوان شلحت

منذ فترة طويلة يسود لدى معظم المحللين الإسرائيليين الاعتقاد بأن ما يوصف بأنه "التهديد الحوثي لإسرائيل" يستحق اهتمامًا خاصًا، ناهيك عن أنه يشكل تهديدًا ليس فقط لإسرائيل بل أيضًا لاستقرار الإقليم وحتى للاقتصاد العالمي، وأنه يزداد تفاقمًا بمرور الوقت.

ووفقًا لبعض التحليلات الإسرائيلية، فإن الحرب بين الحوثيين والمملكة العربيّة السعودية، والدعم الكبير الذي تلقاه الحوثيون من إيران وبالأساس على شكل أسلحة ومعرفة، ساعدتهم على إنتاج أسلحة مستقلة في اليمن، وعلى جعلهم ليس فقط منظمة ذات قدرات عسكرية دولتية (خاصة في مجال الصواريخ البالستية)، بل ساعدتهم كثيرًا على تطوير مناعة ضد الهجمات الخارجية. وهذا الأمر يساعد أعضاء التنظيم على الاستمرار في إطلاق النار على إسرائيل، وعلى السفن المارة في مضيق باب المندب، وعلى تهديد الوجود البحري الأميركي في المنطقة من دون أن تتضرر استمرارية عملياتهم بشكل كبير، على الرغم من سلسلة الهجمات التي شنتها القوات الأميركية على المنشآت الاستراتيجية التي يستخدمها الحوثيون خلال الفترة الماضية.

وقد ازداد الاهتمام الإسرائيلي بـ "التهديد الحوثي" خلال الأيام القليلة الفائتة في ضوء استئناف إطلاق الصواريخ من جانبهم في اتجاه إسرائيل، والضربة التي وجهها الجيش الإسرائيلي إلى اليمن في معرض ردّه على إطلاق الصواريخ في نهاية الأسبوع الماضي. 

وما تراكم حتى الآن في هذا الصدد يشي بما يلي:

أولًا، يبدو أن المؤسسة الأمنيّة في إسرائيل تتبنى المقاربة الذاهبة إلى أن تغيير الواقع القائم المرتبط بـ "التهديد الحوثي" لا يمكن أن يتم إلا بواسطة توجيه ضربة موجعة إلى المُرسل؛ أي إلحاق ضرر بإيران التي، بحسب ما يؤكد رئيس "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، تامير هايمن، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية ("أمان")، تموّل وتؤدي دور "الروح الحيّة" التي تقف وراء الصواريخ من اليمن. وهو ينوّه في الوقت عينه بأن الائتلاف الدولي، وأيضًا إسرائيل، يردان مباشرة ضد الذراع، وليس ضد اليد التي تحرّك كل شيء، في إشارة إلى طهران (موقع قناة التلفزة الإسرائيلية 12، 19/12/2024). 

كما يشدّد هايمن، وغيره من المحللين العسكريين الإسرائيليين، على أن هناك أمرًا ثانيًا ما زال غائبًا عن مواجهة "التهديد الحوثي" ولا سيما من طرف إسرائيل، وهو عدم تدمير القيادة والسيطرة وضرب القدرات العسكرية بصورة كبيرة، ويقصد على وجه التحديد، مثلما يشير بنفسه، أنه لا توجد عمليًا"معركة واسعة ومستمرة لإضعاف الحوثيين بصورة تفرض عليهم ضغوطًا متصاعدة كما حدث مع بقية أعداء إسرائيل في الحرب الحالية". والاستنتاج الذي يخلص إليه أن ما ينبغي القيام به هو معركة مستمرة وليس حملة منفردة، وأنه من أجل معركة كهذه يجب أن تكون هناك قدرات استخباراتية ودقيقة جدًا، وهذه القدرات، وإلى مسافات كهذه، تتطلّب تجهيزات متعددة. وبكلمات أُخرى عند الاختيار بين سلاح الجو وسلاح البحر، هناك أفضلية أكبر في هذه المجالات لسلاح البحر.

ثانيًا، في المقابل ثمة من يعتقد في أوساط المحللين الإسرائيليين بأن الغاية التي يجب على إسرائيل أن تضعها نصب عينيها، في ضوء حقيقة أنها مُنيت بالفشل في إحداث تغيير يؤدي إلى وقف إطلاق النار من اليمن، هي توظيف كل الموارد المطلوبة في العمل على إسقاط حُكم الحوثيين في اليمن بالتعاون مع كل أذرع الائتلاف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

ويؤكد داني سيترنوفيتش، وهو زميل باحث في برنامج إيران في "معهد أبحاث الأمن القومي"، ومسؤول سابق في وحدة جمع المعلومات والبحث في شعبة "أمان"، ما يلي: أ- حتى لو توقفت الحرب في قطاع غزة، فإن الحوثيين لن يوقفوا استخدام القوة التي لديهم من أجل ابتزاز النظام الدولي أو الإقليمي وإخضاعهما إلى إرادتهم. وهذا الواقع يفرض التخطيط وخوض معركة مستمرة ضد التنظيم من دون أن تكون لذلك علاقة بالحرب على قطاع غزة. ب- بالنسبة إلى إيران، من المهم التشديد على أنها هي التي حولت تنظيم الحوثيين إلى قوة تملك قدرات سلاح استراتيجية، ولكن قدرتها على التأثير في عملية اتخاذ القرارات لهذا التنظيم محدودة جدًا. ج- يمكن مهاجمة إيران بسبب أفعال الحوثيين الذين يخدمون ما تريده هي، لكن من المؤكد أن خطوة كهذه ستؤدي إلى ردّ كبير من جانبها، ومن جهة أُخرى ثمة شك في أن هذا سيؤدي إلى تغيير في سياسة إطلاق النار من جانب الحوثيين. د- على خلفية وقف إطلاق النار في لبنان والانتهاء الممكن للحرب في غزة، يجب التركيز على التهديد اليمني مع الإدارة الأميركية وبالتعاون مع دول المنطقة والدفع قُدُمًا بمعركة متواصلة تؤدي في نهاية المطاف إلى سقوط سلطة الحوثيين ("معاريف"، 21/12/2024).

ثالثًا، في غضون ذلك كله ما زالت الأنظار موجهة إلى ما قد تبيته إسرائيل حيال إيران، وذلك في ظل حقيقة أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تتبنى مقاربة تذهب إلى أن جباية ثمن "التهديد الحوثي" يجب أن تتم من إيران قبل أي شيء. يُضاف إلى ذلك أيضًا أن التقديرات السائدة في إيران ترجّح احتمال إقدام إسرائيل على توجيه ضربة مباشرة إليها. وثمة عدة أسباب مترابطة تقف وراء مثل هذا الترجيح يتم التركيز على ثلاثة أسباب منها هي: أولًا، قيام إسرائيل بتدمير منظومات الدفاع الجوي في سورية وإيران بما يمهد لطائرات سلاح الجوّ الإسرائيلي إمكان شن هجوم في الأراضي الإيرانية؛ ثانيًا، اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان الذي يسمح للجيش الإسرائيلي بأن يعدّ العدة لمثل هذا الهجوم، ثالثًا، قرب دخول إدارة أميركية جديدة برئاسة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وتوقعات متطابقة من الجانبين بأن تكون أكثر وديّة تجاه إسرائيل وسياستها الإقليمية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات