(*) تمثلت أول ردة فعل إسرائيلية على إسقاط نظام الأسد في سورية في التباهي بأن ما ألحقته إسرائيل بـ "محور المقاومة" من ضربات عسكرية ماحقة يُعدّ بمثابة المساهم الرئيس في التأدية إلى هذا السقوط، وهو ما عبّر عنه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في التصريحات التي أدلى بها في منطقة الحدود مع سورية أمس الأحد، والتي اعتبر في سياقها أن هذا السقوط هو "بمثابة نتيجة مباشرة للضربات التي أنزلتها إسرائيل بكل من إيران وحزب الله، باعتبارهما الداعمين الأساسيين لنظام الأسد. وهذا أحدث ردة فعل متسلسلة في أنحاء منطقة الشرق الأوسط من طرف الذين يريدون التحرّر من هذا النظام".
وتوالت بعد ذلك ردات فعل أخرى من المتوقع لها أن تتواتر أكثر فأكثر. وأول ما يلفت النظر هو أن هناك قاسماً مشتركاً بينها جميعاً فحواه أن هذه اللحظة مهمة للغاية في تاريخ الشرق الأوسط، ويتعيّن على إسرائيل أن تستغلها بالحدّ الأقصى من أجل الدفع قدماً بسياستها الإقليمية.
ولدى الإنصات إلى ما بدر من ردات الفعل هذه لا بُدّ من أن نشير إلى ما يلي من أمور قد تندرج ضمن العموميات، ولكن الأمر الأكيد أنها ليست عموميات غير معقولة:
أولاً، يجدر أن نشير إلى أنه حتى قبل سقوط نظام الأسد أجمعت ردات الفعل في إسرائيل، سواء من جانب القوى السياسية في الائتلاف الحكوميّ والمعارضة أو من طرف المحللين العسكريين والسياسيين، على أن من واجب إسرائيل أن تنشر ما وصف بأنه "وجود عسكري رادع" في منطقة الحدود مع سورية في هضبة الجولان. وفي ضوء ذلك، فإنه مع سقوط نظام الأسد أعلن الجيش الإسرائيلي أنه سيطر على الموقع العسكري السوري في قمة جبل الشيخ، بعد انسحاب الجيش السوري منه. كما دخلت قوات مشاة ومدرعات إلى المنطقة العازلة عند الحدود مع سورية وذلك بحجة "منع منظمات إرهابية من استغلال الوضع". وهذه هي المرة الأولى منذ توقيع اتفاقية فك الارتباط بين إسرائيل وسورية، التي أنهت حرب أكتوبر 1973، التي تنتشر فيها قوات عسكرية إسرائيلية في مواقع داخل المنطقة العازلة بين إسرائيل وسورية، بالرغم من أنه سبق لقوات الجيش الإسرائيلي أن دخلت إلى هذه المنطقة في عدة مناسبات في الماضي لفترات وجيزة.
ثانياً، كان هناك تشديد خاص على ضرورة مواصلة إسرائيل الجهود التي تقوم ببذلها من أجل احتواء الوجود الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، واستهداف مواقع عسكرية تحتوي على أسلحة استراتيجية بما في ذلك أسلحة كيميائية ومنظومات دفاع جوية متطورة من شأنها أن تقع في أيدي جهات تُنعت في إسرائيل بأنها "متطرفة". وبحسب ورقة تقدير موقف صادرة عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب فإن سياسة "المعركة بين الحروب" التي دأبت إسرائيل على انتهاجها والرامية بالأساس إلى الحؤول دون وقوع هذه الأسلحة الاستراتيجية في أيدي تلك الجهات وكذلك في أيدي حزب الله في لبنان، باتت تتطلب تحديثاً وإعادة تقييم. بالإضافة إلى ذلك، يتعيّن على إسرائيل- وفقاً للورقة- أن تتابع التطورات بشكل مستمر وممنهج، في ضوء أهداف رئيسة تضعها نصب عينيها، وعلى رأسها: تقليص النفوذ الإيراني في سورية بشكل كبير، ومنع إعادة بناء قدرات حزب الله في لبنان، واحتواء أيّ تهديد على حدودها الشمالية سواء من عناصر في المحور الموالي لإيران، أو من جهات إسلامية متطرفة. ويجب أن يتم ذلك مع محاولة تجنّب التورط المباشر في أي نزاعات عسكرية قد تندلع في سورية، إلى جانب استمرار تنسيق إسرائيل مع حلفائها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية.
ثالثاً، بحسب أغلب التقديرات الإسرائيلية السائدة، فإنه منذ سقوط نظام الأسد وربما على أعتاب هذا السقوط بدأت إسرائيل تعتبر نفسها أنها تخوض قتالاً في أربع جبهات. ومثلما أشار رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الاسرائيلي الجنرال هرتسي هليفي في سياق خطاب وجهه إلى المجندين الجدد في صفوف "لواء غولاني"، فإنه "اعتباراً من هذا الوقت نحن نقاتل في أربع ساحات، حيث تخوض القوات البرية القتال في كل من الضفة الغربية، وقطاع غزة، ولبنان، وقبل أيام أدخلنا القوات إلى الأراضي السورية أيضاً".
رابعاً، يتم تسليط الأضواء حالياً على ما الذي سوف يسعى إليه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في ضوء آخر التطورات الحاصلة في سورية من جهة، وفي ظل قرب تسلم الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب مهمات منصبها يوم 20 كانون الثاني 2025 من جهة أخرى. وفي هذا الخصوص تنوّه معظم التقديرات في إسرائيل بأن نتنياهو يرى في هذه التطوّرات الدراماتيكية فرصة من أجل توجيه ضربة قاضية إلى إيران. وبموجب ما أكدت تقارير إسرائيلية متقاربة خلال الفترة القليلة الماضية، فإن نتنياهو حثّ إدارة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن مراراً وتكراراً ويقوم الآن بحثّ إدارة الرئيس المقبل ترامب، على تبني مقاربة تعتبر أن الفرصة أمست سانحة في سبيل توجيه ضربات مباشرة إلى إيران تؤدي إلى القضاء نهائياً على برنامجها النووي. وبموازاة ذلك تشدّد هذه التقديرات على أنه في النقطة الزمنية الراهنة لا توجد طريق مضمونة لتوقع ما الذي سيكون عليه موقف ترامب من هذه المسألة.
خامساً، انطوت التحليلات الإسرائيلية، في معظمها، على التقييم الذي يذهب إلى أن نظام الأسد كان عنصراً مركزياً في المحور الذي "يشكل التهديد الاستراتيجي الأكبر لإسرائيل". كما جرى التنويه بما يلي: تمكّن حزب الله من بناء مقدراته انطلاقاً من الأراضي السورية، وعلى الرغم من ضبط النفس الذي أبداه نظام الأسد خلال العام الماضي على خلفية الحرب المتعددة الجبهات التي انخرطت فيها إسرائيل فإنه لم يتخل عن تحالفه مع إيران. وبناء على ذلك فإن الوضع الحالي في إثر سقوط النظام قد يشكّل فرصة فريدة للدفع بتغيير الحكم في سورية بما يقطع الترابط بين مكونات المحور الذي تقوده إيران.
سادساً وأخيراً، إن المتابع لردات الفعل الإسرائيلية على سقوط نظام الأسد- ولا سيما خلال اليومين الماضيين- يمكنه أن يستنتج أن جلّها يعتبر أنها تحمل الكثير من البشائر وأهمها: 1- توجيه المزيد من الضربات القاسية إلى إيران ومحورها؛ 2- وضع مزيد من الأثقال على كل مساعي حزب الله من أجل إعادة بناء قدراته ومقدراته بعد الضربة الموجعة التي تلقاها في خضم الحرب الإسرائيلية على لبنان؛ 3- المتمردون على نظام الأسد في الجولان هم من المعتدلين على ما يبدو ولذا فإن خطرهم في منطقة الحدود مع إسرائيل ليس داهماً. ولكن على الرغم من ذلك لا تنكر ردات الفعل في الوقت عينه أن هناك بعض المخاطر التي ما زالت معالمها غير واضحة على الإطلاق، وبرأي الأستاذ في قسم الدراسات الشرق أوسطية والإسلامية في جامعة حيفا د. يارون فريدمان فإن الأبرز منها هو ما يلي: لعلّ الأمر الأكيد منذ الآن هو أن سقوط النظام السوري سوف يحوّل سورية إلى دولة إسلامية سنيّة، فهل ستكون دولة معتدلة، أو متطرفة على صورة تركيا أو أفغانستان؟ الأيام المقبلة هي التي ستخبرنا.