المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • كلمة في البداية
  • 1976
  • أنطوان شلحت

مع دخول الحرب العدوانية على قطاع غزة أسبوعها الثالث يتبيّن مما ينشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية، أو مما يُقال على لسان المسؤولين السياسيين والعسكريين، أن إسرائيل ماضية قدماً نحو تنفيذ عملية اجتياح برية للقطاع يطلق عليها اسم "مناورة عسكريّة" [وهو مصطلح ينطوي على دلالات عسكرية بالأساس]، وخلال ذلك يتم تأكيد أن الأسبوع الثاني من الحرب، والذي انتهى أمس (الأحد)، تمّ تكريسه على أفضل وجه من أجل الاستعداد لهذا الاجتياح.

كذلك فقد أكّد على حتميّة القيام بهذا الاجتياح العسكريّ البريّ كل من وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال هرتسي هليفي.

وبحسب الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، تخطّط إسرائيل لدخول المرحلة التالية من الحرب في أفضل الظروف بالنسبة إليها، وليس وفقاً لما يقوله لها آخرون. أمّا الغاية المُعلنة من هذه المرحلة فهي، كما أعلن غالانت نفسه، تحقيق عدة أهداف في مقدمها تقويض قدرات حماس العسكرية والسلطوية، وإيجاد نظام حكم أمنيّ جديد في قطاع غزّة.

ومع استمرار الحرب ضد قطاع غزة، وفي خضم التوقّع بأن تكون طويلة ومعقّدة جدّاً، إلى جانب وجود احتمال كبير بأن تتطوّر إلى حرب إقليمية قد لا تقفز تداعياتها عن أطراف كثيرة في منطقة الشرق الأوسط، من المهم أن يُشار إلى أن الشعور السائد في إسرائيل هو أنها تمتلك رصيداً دوليّاً لتنفيذ المرحلة التالية، والمقصود اجتياح غزة بهدف تفكيك حُكم حماس.

ومن بين أمور أخرى كثيرة، تؤكد جلّ التحليلات الإسرائيلية بشأن هذه الحرب أن حاملات الطائرات التي أرسلها الرئيس الأميركي جو بايدن في اتجاه إسرائيل ترمز جليّاً إلى تدخُّل أميركي في المعركة الدائرة، فضلاً عن أنه يمكنها أن تردع حزب الله عن الدخول في حرب شاملة، كما أن التعامل مع هذا الحزب سيكون أفضل إذا ما دخل. وبكلمات أُخرى ومثلما يُقال على لسان محللين إسرائيليين في الشؤون العسكرية والأمنية: تستطيع إسرائيل تفكيك الذراع الجنوبية للحلقة التي تهدّد إسرائيل وترعاها إيران [تنطوي هذه المقولة على مقاربة تقول إن عملية "طوفان الأقصى" هي جزء من استراتيجيا حصار إسرائيل الموجّهة إيرانياً] من دون أن تكون مضطرة إلى التعامل وحدها مع بقية الأذرع في الوقت نفسه. وإذا ما فوّتت إسرائيل هذه الفرصة، يمكن أن تجد نفسها، بعد عدة أعوام، أمام هجوم مباغت شبيه بهجوم 7 تشرين الأول 2023 ينفّذه حزب الله، أو حماس، وهذه المرة، في بلدات ذات كثافة عالية، على غرار نهاريا أو أشكلون أو بئر السبع. ومَن يستطيع التأكد من أنه سيكون في المرة القادمة رئيس داعم في البيت الأبيض، مثل بايدن، يمسك بأطراف الحلقة، ويمنعها من العمل بالتنسيق من أجل تدمير إسرائيل؟

ربما يتعيّن أن نتوقف قليلاً هنا كي نوضّح أن من يقومون بتحليل الاستراتيجيا الإيرانية، على النحو الذي أشرنا إليه في السطور السالفة، ينوهون بأنها استراتيجيا قد تكون مُركّبة في تفاصيلها ولكنها بسيطة من حيث الجوهر، وفحواها رغبة بإحاطة إسرائيل بما يصفونها بأنها "حلقة حصار متماسكة" على النحو التالي: حزب الله من الشمال، وحماس من الجنوب، وفي العمق أذرع إيرانية مختلفة (الميليشيات في العراق والحوثيون)، ومن الشرق إيران. وبحسب ما كتب أحد هؤلاء المحللين مؤخراً: إن أجزاء هذه الحلقة تزداد قوةً، وتقوم بتضييق الخناق على إسرائيل، بالتدريج، حتى أنها تزعجها من دون توقف. وحتى اليوم، كان التهديد من الصواريخ من الجنوب، ولكننا الآن رأينا أن حماس تستطيع اختراق إسرائيل وأن تقوم بـ"تنفيذ مذبحة". ولأنها تنوي أن تقوّي نفسها، وتحسّن ظروفها بين الجولة والأُخرى (لا نقص لديها في الأشخاص، والدمار الذي ستشهده غزة سيُعاد إعماره عبر المجتمع الدولي، وهو ما يحوّل الموارد إلى تعاظُم للقوة)، يجب الافتراض بأنه في المرة المقبلة، ستُفاجأ إسرائيل بأن النتيجة ستكون أسوأ بكثير. وفي المقابل، فإن تهديد الصواريخ من حماس وحزب الله سيُحدث اضطراباً في الاقتصاد الإسرائيلي، ففي إمكان التنظيمين إغلاق مرفأيْ حيفا وأسدود، وفي ظروف معينة إغلاق مطار بن غوريون الدوليّ أيضاً؛ بما معناه أن الحلقة تضيق حول إسرائيل، كخطوة تتواصل فيها الإزعاجات، وكل جزء منها يدافع عن الأجزاء الأُخرى. وإذا حاولت إسرائيل تفكيك حماس، ستخاطر بالدخول في مواجهة مع صواريخ أذرع إيرانية أخرى واجتياح "قوة الرضوان" - وحدة النخبة التابعة لحزب الله- من منطقة الحدود الشمالية.

بالتوازي مع ذلك يلفت الكثير من المحللين الإسرائيليين إلى أن ما يسمونه بـ "الأزمة الغزية الدوريّة" تثبت مرة أُخرى أن إسرائيل بحاجة إلى دعم دبلوماسي (شرعية)، وإلى دعم لوجستي، وأيضاً على صعيد الوعي، وحتى إلى دعم عملياتي من طرف الولايات المتحدة (اعتراض صواريخ وقذائف). وهذه الظاهرة لن تختفي، بل ستزداد، على الأقل ما دامت إيران تدير معركة مستمرة الهدف منها "محو إسرائيل عن الخريطة"، كما يزعمون. ولذلك، من الجيد أن تعترف إسرائيل بهذه الحقيقة وأن يقوم الأميركيون بمساعدتها، مع التشديد على وجوب عدم فقدان حرية القرار والعمل الأمني والدبلوماسي المستقل بها.

وفي انتظار ما ستحمله الأيام القليلة المقبلة من تطورات تزيد من تبديد ضبابية الصورة العامة لتداعيات هذه الحرب، ينبغي أن نورد ما يلي:

أولاً، ثمة من يشكّك في قدرة إسرائيل على تحقيق الأهداف المعلنة من الحرب كما أعلنها وزير الدفاع غالانت. وهؤلاء المشككون، وهم قلّة، يشيرون إلى أن سمة التبجح التي تسيطر على تصريحات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والوزير غالانت ووزراء إسرائيليين آخرين، وبحسبها فإن الهدف هو محو حماس عن وجه الأرض، تهدف بالأساس إلى إرضاء غرور الرأي العام في إسرائيل، وإشباع غرائز الانتقام التي تفجرت بسبب النقمة على عملية "طوفان الأقصى". ومن الواضح أن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه نظراً إلى حجم عناصر هذه الحركة الذي يصل إلى عشرات ألوف المقاتلين بالإضافة إلى جمهور الموظفين والعاملين تحت سلطتها في القطاع، وكذلك نظراً إلى ترسانة الصواريخ والأسلحة التي بحيازتها، والتي تثبت أن بإمكانها أن تصمد مدة شهرين على الأقل، والسؤال الذي يطرح حيال ذلك هو فيما إذا كانت إسرائيل يمكنها أن تجيز لنفسها أن تحتفظ بهذا العدد الكبير من تشكيلات جنود الاحتياط لفترة طويلة؟ وما هي الأثمان التي ستترتب على ذلك بالنسبة للاقتصاد وسوق العمل الإسرائيليين؟   

ثانياً، بالرغم مما قيل أعلاه هناك من يؤكد في المقابل أنه في حال نجاح الهدف المذكور فمن شأن هذا أن يشكّل نموذجاً في التعامل مع باقي حركات المقاومة في منطقة الشرق الأوسط. ولا شك في أن هذه الحركات مدركة تماماً لهذا الأمر، وتبدر عنها إشارات تنبئ بكونها واعية إلى حقيقة أنها قد تكون الهدف التالي في هذه الحرب التي تشنها إسرائيل وتدعمها الولايات المتحدة سياسياً ولوجستياً. كذلك ليس من العسير على من يتابع تحليلات المعلقين الإسرائيليين وتصريحات المسؤولين أن يستشف منها توقعات بأن تكون الجبهة الشمالية وتحديداً حزب الله الهدف التالي لهذه الحرب بعد انتهاء الحرب في قطاع غزة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات