إلى ماذا تشير آخر التقديرات في إسرائيل فيما يتعلق بمخططاتها حيال الحرب التي استأنفتها ضد قطاع غزة منذ يوم 18 آذار الماضي؟ وما الذي تخبئه الأيام المقبلة بهذا الشأن؟ وهل تنفرد إسرائيل في اعتماد المخططات التي بحيازتها والدفع بها قدماً أم أنها تحظى بموافقة الإدارة الأميركية والرئيس دونالد ترامب؟ وما هو موقف الرئيس الأميركي الذي يدرك الجميع أنه الآمر الناهي في هذا الصدد؟
تحاول أبواق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ربط استمرار الحرب على غزة وفي جبهات أخرى بعوامل تحيل إلى فوائد جمّة على المستوى البعيد، كي تبعد عنها بالأساس شبهة المصالح السياسية والشخصية لنتنياهو خصوصاً واليمين الإسرائيلي المتطرّف عموماً. وفي هذا السياق يمكن مصادفة أمور يتم تداولها باعتبارها حقائق لا يمكن الخروج عن سلطتها. وهو ما حاول أن يسوّقه وزير الطاقة والبنى التحتية إيلي كوهين ضمن مقال بعنوان "خط الطاقة الجديد: كيف تعزّز الحرب مكانة إسرائيل في المنطقة" ("معاريف"، 27/3/2025).
مع استئناف الحرب على غزة لوحظ أن أكثر ما يسكن تقديرات جلّ المحللين السياسيين والعسكريين في إسرائيل، ناهيك عن عدد كبير من القادة العسكريين السابقين، هي قناعة تامة بأن الحرب تخدم أولاً وقبل أي شيء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي يسعى للبقاء، ويعتمد بقاؤه على حلفائه المسيانيين الإشكاليين. ويسكن هذه التقديرات ثانياً نقطة انطلاق تنوّه بأن نتنياهو ما كان ليقدم على خطوة استئناف القتال، التي لا تحظى بإجماع إسرائيلي، من دون دعم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي بدأ ولايته الرئاسية الثانية بالكشف عن أنيابه الحادّة.
لا بُد من القول إن ما يجري تداوله في إسرائيل بشأن مستقبل الحرب ضد قطاع غزة وما آلت إليه من نتائج حتى الآن، في ظل عدم الوضوح الذي يحيط بسير مفاوضات الهدنة أو وقف إطلاق النار، يشي بما يلي من استنتاجات، والتي بوسعها أن تُحيل إلى الصورة العامة باعتبارها، بكيفية ما، تحصيل حاصل تجميع الجزيئات المتفرقة:
أولاً، حسم المعركة مع حركة حماس ما زال بعيد المنال، بل ثمة من يؤكد أنه غير ممكن. وهذا الاستنتاج غير مقتصر على اللواء في الاحتياط إسحق بريك، الذي التصق به نعت "نبيّ الغضب" في إبان هذه الحرب، وكرّر مؤخراً تأكيد أن الجيش الإسرائيلي لا يستطيع بوضعه الحالي البقاء وقتاً طويلاً في المناطق التي احتلها من قطاع غزة، ولا يمتلك القوة الكافية من أجل تفجير مئات الكيلومترات من الأنفاق (موقع قناة التلفزة الإسرائيلية 12، 12/3/2025)، بل يتعدّاه إلى مسؤولين عسكريين وأمنيين سابقين ناهيك عن محللين في الشؤون الأمنية والعسكرية من الصعب حصرهم.
يُعرّف البروفسور آسا كاشير (84 عاماً) بأنه "الفيلسوف" و"المؤدلج الأكبر" لـ"المنظومة القيمية والسلوكية للجيش الإسرائيلي"، وقد عمل أستاذاً للفلسفة في جامعة تل أبيب، وحصل على عدد من الجوائز الإسرائيلية الكبرى تقديراً لجهوده ومساهماته في مجالات تخصصه، ومنها "جائزة إسرائيل" في بحث الفلسفة العامة. كما يعد أحد الألسنيين المعروفين عالمياً، وله العديد من المؤلفات في الألسنيات والفلسفة والمنطق والأخلاق وغيرها. كذلك ترأس العديد من اللجان العامة المهمة وأشغل وما زال يشغل عضوية عدة لجان عامة أخرى، ويوصف بأنه "مفتي الأخلاق" الأعلى في إسرائيل.
وفقاً لبيانات الناطق العسكري الإسرائيلي، صعّد الجيش الإسرائيلي منذ أكثر من أسبوع عملياته العسكرية في مناطق شمال الضفة الغربية ضمن ما توصف بأنها "حملة السور الحديدي" التي بدأت في يوم 21 كانون الثاني الماضي، حيث دخلت دبابات إلى ساحة القتال في الضفة الغربية لأول مرة منذ أكثر من 20 عاماً وتحديداً منذ عملية عملية "السور الواقي" العام 2002. وتشارك في هذه الحملة قوات من لواء "ناحال" ومن وحدة "دوفدفان" إلى جانب وحدة مدرعة تضم دبابات. وأتى هذا التصعيد العسكري في أعقاب محاولة تفجير استهدفت حافلات باص في منطقة تل أبيب الكبرى لم تسفر عن وقوع إصابات بشريّة.
الصفحة 1 من 48