مع توقيع الإمارات على اتفاق السلام أو التطبيع، والبحرين على إعلان السلام مع إسرائيل ستترتب -غالبا- على هاتين الخطوتين وما قد تليهما من خطوات متوقعة مشابهة من قبل دول عربية وإسلامية، وقائع على الأرض ووقائع سياسية سيكون من الصعب، وربما من شبه المستحيل، الرجوع بها إلى الوراء أو التراجع عنها، وتثير هذه الوقائع تحديات أمام المقاربة الفلسطينية للصراع مع الاحتلال وتحالفاته. يمكن وضع هذه الوقائع في أربعة سياقات: أميركي، وإسرائيلي، وعربي- إسلامي، وفلسطيني، لكن جوهرها قد يكون تثبيت خطة ترامب للسلام أو "صفقة القرن" سقفا لأية مفاوضات سلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير.
الزوبعة التي ثارت حول حزب "يوجد مستقبل" قبل نحو أسبوعين، حينما أعلن الشخص الثاني في الحزب النائب عوفر شيلح عزمه التنافس على رئاسة الحزب مقابل مؤسسه يائير لبيد، سرعان مع هدأت؛ إلا أن الأخير أعلن أن انتخابات داخلية في الحزب ليست واردة حاليا، ما يؤكد أنه "المالك وصاحب القرار في حزبه"؛ لكن القضية تبقى أبعد من هذا المشهد، فهذا الحزب لا يطرح البديل المقنع لقيادة بنيامين نتنياهو في الشارع الإسرائيلي، لا بل إنه يتساوق مع سياسات نتنياهو اليمينية الاستيطانية المتطرفة.
مرّ نحو 188 أسبوعاً على جريمة القتل البوليسية، الجريمة الإسرائيلية الرسمية، التي سقط فيها المربّي الفلسطيني يعقوب أبو القيعان في قريته أم الحيران؛ القرية التي هُجّر أهلها العام 1948 من أراضيهم التي عاشوا فيها وزرعوها لأجيال تلت أجيالاً، وأمرهم الحاكم العسكريّ بعد التهجير بالانتقال من مكانٍ إلى آخر مرة تلو المرّة إلى أن أقاموا في الخمسينيّات قريتهم غير المعترف بها، عتير أم الحيران؛ وهي القرية نفسها التي سيمرّ 55 عاماً آخر، حتى تصدر الدولة التي هجّرت أوامر بهدم ضد جميع مباني القرية، العام 2003، بموازاة تخطيط معلن، حتى دون قناع منسوج من خجل أو تضليل، عن إقامة بلدة لليهود فقط، على أنقاض قرية أم الحيران وباسمها: "حيران". ليس فقط أن قناع الخجل قد سقط، بل تسفر الوجوه عن أشدّ الملامح وقاحة وقسوة: نهجّركم، ننهب أرضكم وبيوتكم، واسمكم أيضاً.
من الصعب الادعاء بأن الأمر كان في حاجة إلى دراسة علمية معمقة وشاملة كهذه. ورغم ذلك، تقدم هذه الدراسة الجديدة ـ الأولى من نوعها في إسرائيل ـ مساهمة جدية في سبر أغوار الحقيقة المعروفة عن مدى تأثير صحيفة "يسرائيل هيوم" ("إسرائيل اليوم") التي تُوزَّع مجاناً على أنماط التصويت في انتخابات الكنيست الإسرائيلي وعلى صورة الحكم في إسرائيل والتشكيلات السلطوية المسيطرة على مقاليد السلطة فيها خلال العقد الأخير، على الأقل، أو كما يقول يوتام مرغليت، أحد الباحثين الذين أعدوا هذه الدراسة: "لا يمكنني القول إن صحيفة "يسرائيل هيوم" هي التي أبقت بنيامين نتنياهو على سدة الحكم خلال العقد الأخير، لكنها قدمت له مساعدة كبيرة في ذلك، على أقل تقدير"، بينما يجمع مراقبون ومحللون سياسيون إسرائيليون كثيرون على أن تأثير هذه الصحيفة على المنظومة السياسية ـ الحزبية في إسرائيل هو "تأثير دراماتيكي".
قدمت مجموعة من الضباط السابقين في أجهزة الأمن الإسرائيلية تحمل اسم "الأمنيون"، تأسست في العام الحالي من قبل ضباط كبار من خريجي أجهزة الأمن المختلفة ذوي التوجهات اليمينية، بهدف "فرض السيادة الإسرائيلية على المناطق المحتلة وتعزيز السيطرة الأمنية الإسرائيلية فيها"، تقريرا مفصّلا إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو حول السيناريوهات التي ستواجهها إسرائيل في ما أسمتها "مرحلة ما بعد انهيار السلطة الفلسطينية".
ضمن بنيامين نتنياهو لنفسه هذا الأسبوع مشهدا في البيت الأبيض، سيكون إحدى الخلفيات الدعائية في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية المقبلة، التي ما تزال مسألة وقت، وذلك بتوقيعه على اتفاقيتي التطبيع مع دولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين. وليس من المؤكد أن هذا سيزيد إلى رصيده الانتخابي، في ظل الأزمتين الصحية والاقتصادية المتفاقمتين. ولكن هذا كما يبدو يؤجل قراره الاتجاه نحو انتخابات مبكرة؛ في حين أن البلبلة الواضحة في استطلاعات الرأي، تطرح علامات سؤال حول دقتها.
الصفحة 144 من 324