علّمت التجربة السياسية الإسرائيلية أن إقرار الكنيست قانون حل نفسه بالقراءة التمهيدية، أو حتى الأولى، ليس نهاية المطاف، فقد حصل وتم توقيف مسار التشريع لإطالة عمر الحكومة، أو حتى تغيير الائتلاف، في اللحظة الأخيرة، كما جرى في ربيع العام 2012. وهذا قد يحدث الآن أيضا، ولكن سيكون على الحكومة أن تقر ميزانية واحدة على الأقل، حتى يوم 23 الشهر الجاري، وإلا فإن الكنيست سيحل نفسه تلقائيا، بفعل عدم إقرار ميزانية، وتكون إسرائيل لأول مرّة في تاريخها تدير شؤون ماليتها من دون ميزانية لعامين، ولهذا انعكاسات سلبية على الاقتصاد الإسرائيلي، بحسب كل التحليلات؛ خاصة وأن المانع هو حسابات بنيامين نتنياهو الشخصية.
وكان الكنيست أقر بالقراءة التمهيدية (الأولية) مشروع قانون حل الكنيست، يوم الأربعاء الماضي، 2 كانون الأول الجاري، وعلى القانون الذي عارضه الليكود وحلفاؤه، وأيدته كتلة "أزرق أبيض"، أن يمر بالقراءات الثلاث، حتى يصبح نافذا، وهذه عملية ممكن أن تتم في غضون يوم واحد، ولكن قد تمتد أياما، وستكون أيام مد وجزر بين الشريكين الأكبرين في الحكومة: الليكود و"أزرق أبيض". ولا يدور أي خلاف سياسي بين الفريقين، بل إن كل المسألة تدور حول انقلاب نتنياهو على الاتفاق المبرم مع "أزرق أبيض" ويتضمن نقل رئاسة الحكومة لبيني غانتس، في خريف 2021، ولا يريد نتنياهو الوصول إلى ذلك التاريخ. كما أن نتنياهو شعر بأن الاتفاق يفرض عليه قيودا في التعيينات الكبرى، خاصة في كل ما يتعلق بجهاز القضاء والشرطة والنيابة العامة، وكلها تعيينات على علاقة بمحاكمته بقضايا الفساد.
ضمن مسلسل الحرائق التي يشعلها رئيس الحكومة اليمينية الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لا تزال مسألة تعيين الضابط الكبير السابق، صاحب الممارسات والمواقف العنيفة والفاشية، إيفي إيتام، لترؤس مؤسسة "ياد فشيم" مشتعلة.
وتحمل "ياد فشيم" خصوصية وحساسية، إسرائيلياً، لكونها مؤسسة إسرائيلية رسمية أقيمت العام 1953 بموجب قرار الكنيست كمركز أبحاث للهولوكوست، لذلك فإن القضيّة تشغل شرائح جديّة، سياسياً وإعلامياً وأكاديمياً. وتعود لتُبرز، سطحاً وعُمقاً، الأزمة
قد يكون في التطورات السياسية الأخيرة التي شهدتها المنطقة، وفي مقدمتها اتفاقيات السلام التي جرى التوقيع عليها بين دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، من جهة، ثم التسريبات الإسرائيلية عن زيارة سرية خاطفة قام بها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مصطحباً معه رئيس جهاز الموساد، يوسي كوهين، إلى المملكة العربية السعودية، نهاية الأسبوع قبل الأخير، واجتماعه خلالها مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إضافة إلى التقدم الذي حصل
يروي الصحافي الإسرائيلي باراك رافيد واحدة من القصص التي تلخص بإيجاز مكثف طبيعة العلاقة المعقدة بين إسرائيل وحكوماتها المتعاقبة وقضية الجاسوس اليهودي الأميركي جونثان بولارد، ومحاولات المزاوجة في الخطاب والسلوك بين كونه بطلا في عين جزء كبير من الجمهور الإسرائيلي، وبين التنصل منه ومن أفعاله أمام الإدارات الأميركية في ذات الوقت.
تشكل الأعوام الأربعة الأخيرة أطول فترة حكم لرئيس أميركي من الحزب الجمهوري يكون مقابله في إسرائيل رئيس حكومة يميني من حزب الليكود. فمنذ انطلاق عملية السلام عام 1991، إذا اعتبرناها نقطة انطلاق تاريخية، انتخب في الولايات المتحدة رئيسان ديمقراطيان هما بيل كلينتون 1992 -2000، وباراك أوباما 2008-2016، ورئيسان جمهوريان هما جورج دبليو بوش 2000-2008، ودونالد ترامب 2016-2020.
لم يعد أمام ولاية الكنيست الحالي سوى 23 يوما، فإما أن تقر الحكومة ميزانية سريعة للعام الجاري المنتهي، وتمررها في الكنيست في غضون أيام قليلة، قبل انتهاء يوم 23 كانون الأول، أو أن يتم حل الكنيست تلقائيا، والتوجه إلى انتخابات بعد 90 يوما من يوم حل الكنيست. وهذا ما جعل رياح الانتخابات تشتد؛ وفي موازاتها، أحاديث عن اتفاقيات مؤقتة، تطيل عمر حكومة نتنياهو- غانتس بضعة أسابيع أو أشهراً قليلة، فالانتخابات التالية لن تخدم سوى قائمة واحدة، تضم أحزاب المستوطنين، فيما الأحزاب الباقية إما ستراوح مكانها أو تخسر من مقاعدها.
الصفحة 148 من 337