انعكس التراجع في الاستهلاك الفردي والعائلي في السوق الإسرائيلية، في شهر تشرين الثاني الماضي، على وتيرة التضخم المالي، بلجمه أكثر من كل التوقعات، التي ارتكزت أساسا على تراجع أسعار موسمي، لكن الشلل في فروع استهلاك عديدة قلّص التضخم الذي كان يضرب الاقتصاد الإسرائيلي حتى نهاية تشرين الأول. في المقابل، يتسع الجدل حول ميزانية العام المقبل 2024، التي أقرها الكنيست في شهر أيار العام الجاري، إلا أنها تحتاج لتعديلات عميقة، بفعل الحرب وكلفتها في الاتجاهات المختلفة، فعلى الرغم من الصخب القائم في الصحافة الاقتصادية وأوساط في الرأي العام، فإن الائتلاف الحاكم أثبت أنه موحّد، ولا مؤشرات إلى تصدعات فيه، لأن الخلاف القائم يدور حول الصرف على جمهور أحزاب الائتلاف.
لا تهدأ، إطلاقاً، ولا تنتهي موجات الغضب والنقد والمعارضة التي لا ينفكّ يثيرها "وزير الأمن القومي" الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، وحزبه ونواب ووزراء هذا الحزب (عوتسما يهوديت) بتصريحاتهم وممارساتهم المختلفة منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية التي يشكل فيها هذا الحزب ركناً ائتلافياً مركزياً، وبصورة أكثر حدة وخطورة منذ اندلاع الحرب التدميرية على قطاع غزة بدءاً بحملة التسليح الشخصية الواسعة لأعداد هائلة من المواطنين اليهود في شتى المدن والبلدات الإسرائيلية التي أطلقها ونفذها هذا الوزير على وجه السرعة في الأسابيع الأولى من الحرب في استغلال سريع واضح لهذه "الفرصة الذهبية"، رغم أن مشروع هذه الحملة قديم نسبياً وسابق لأحداث يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، مروراً بدعوات صدرت من نواب ووزراء داخل حزبه "لإلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة" (الوزير عميحاي إلياهو) وانتهاء بدعوات أخرى من هؤلاء النواب والوزراء أنفسهم، الأسبوع الأخير، لاحتلال قطاع غزة بالكامل وإقامة مستوطنات يهودية هناك (الوزير إلياهو نفسه).
دلّت سلسلة من التقارير الصادرة في الأيام القليلة الأخيرة، على أن كلفة الحرب قد تتجاوز بشكل كبير التقديرات الإسرائيلية الرسمية، بشأن وضعية الموازنة العامة التي تجاوز العجز فيها آخر التقديرات في ظل الحرب، وهذا ناجم عن ارتفاع أكبر في الصرف على الحرب باتجاهات عدّة، وعن تراجع كبير في مداخيل الضرائب، خاصة من قطاع البناء الذي باتت حالته تهدد أكثر النمو الاقتصادي، الذي يشهد تراجعاً أصلاً؛ في المقابل، فإن تقارير أخرى تحدثت عن نقص حاد في الإنتاج الزراعي والغذائي بسبب نقص الأيدي العاملة، كما الحال في قطاع البناء. في ظل هذا كلّه، قال تقرير جديد إن الفجوات الاجتماعية بين الشرائح الميسورة والشرائح الأشد فقراً هي الأكبر مقارنة مع واقعها في دول الاتحاد الأوروبي.
للشهر الثاني على التوالي، تشير نتائج استطلاع "مؤشر الصوت الإسرائيلي" إلى ارتفاع ملحوظ في مستوى التفاؤل لدى الجمهور الإسرائيلي تجاه مستقبل الأمن ومستقبل الديمقراطية في إسرائيل. وبالإمكان ملاحظة ما يمكن وصفه باتحاد هذين المتغيرين، تحديداً، وهو ما يجسد ظاهرة معروفة من أماكن أخرى في العالم أيضاً في أوقات الحروب، ثمة من يسميها ظاهرة "الالتفاف حول العَلَم"، تسمح للدولة المعنية بعرض ما تعتبره نجاحات وإنجازات في ساحة القتال، في مقابل عدد قليل، نسبياً، من الضحايا في صفوف جنودها. ويصح هذا الكلام، بصورة خاصة، عن الفترة التي أجري فيها استطلاعا الشهرين الأخيرين؛ أي، قبل أن يبدأ الجيش الإسرائيلي بدفع أثمان يومية بأرواح جنوده وضباطه الذين يسقطون في معارك قطاع غزة، وخاصة خلال الأسبوعين الأخيرين اللذين أعقبا إجراء الاستطلاع الأخير، في الفترة الواقعة بين 27 و30 من تشرين الثاني الأخير ونشرت نتائجه يوم 5 كانون الأول الجاري.
على الرغم من فشل مجلس الأمن الدولي في اعتماد مشروع القرار المطالب بوقف إطلاق النار الفوري والإنساني في غزة، بعد استخدام الولايات المتحدة حق النقض "الفيتو"، فإن التحركات الشعبية والاحتجاجات في عدة عواصم خلال الفترة الأخيرة ألحقت أضراراً بصورة إسرائيل في المجتمع الدولي سيما في المجال الفني والثقافي العالمي، الذي أثارت فيه الحرب تساؤلات حول مدى التزام الاسرائيليين في هذا المجال بقيم حرية التعبير والمساواة والعدالة.
وتخشى إسرائيل أن تواجه مشاركتها في المهرجانات الدولية وضعاً مماثلاً للذي تواجهه روسيا حالياً، وذلك إذا استمرت الضغوط الشعبية في التأثير سلباً على مشاركة الإسرائيليين في هذه الفعاليات ذات الأهمية الدولية.
تعيد الحرب الإسرائيلية الحالية على قطاع غزة إلى الصدارة قضية "معاقي الجيش الإسرائيلي"، والامتيازات الممنوحة لهم، ودور الدولة في رعايتهم مدى الحياة، والقوانين المتعلقة بهذه القضية. قبل اندلاع الحرب بأشهر، كانت الحكومة الإسرائيلية قد رصدت ميزانية قيمتها حوالى 150 مليون شيكل لتغطية الامتيازات التي يحصل عليها معاقو الجيش، وهي امتيازات مفضلة على من تم تصنيفهم كمعاقين لأسباب مدنية أخرى. ونجم عن الحرب الحالية (التي لم تنته بعد)، وصول إصابات عديدة إلى المستشفيات الإسرائيلية، وبالتالي ستشهد إسرائيل في السنوات القادمة صراعات قانونية واقتصادية، ستحدد من يحق له الحصول على تصنيف "جندي معاق" وبالتالي الحصول على هذه الامتيازات.
الصفحة 33 من 324