تتوالى في الأيام الأخيرة التقارير، التي تعرض الأعباء الاقتصادية للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والجديد الآن هو الميزانية الضخمة التي يحتاجها علاج وإعادة تأهيل آلاف الجنود المصابين جسديا ونفسانيا، وبحسب أحد التقارير فإن عددهم تجاوز حتى قبل أيام 5600 مصاب، لكن الجيش يتوقع تلقي 20 ألف طلب علاج جسدي ونفسي هذا العام؛ لهذا فإن ميزانية هذه العلاجات ستتجاوز ملياري دولار هذا العام، هذا عدا المخصصات الاجتماعية المالية، التي يتلقاها المصابون، ومنهم من يتلقاها طوال حياتهم. في الوقت نفسه يطلب الجيش ميزانية خاصة تتجاوز 27 مليار دولار لسد النقص في الأسلحة والعتاد. إلا أن تقديرات باحثين مختصين تشير إلى حاجة الجيش إلى 150 مليار دولار خلال 4 أعوام. وبالتوازي، وكأحد أبرز مخلّفات الحرب، فإن السوق الإسرائيلية بدأت تغوص في موجة غلاء جديدة، قد تقلب التقديرات السابقة بشأن التضخم في العام الجاري.
في صبيحة 23 كانون الثاني الماضي، أعلن الجيش الإسرائيلي عن مقتل 21 جندياً وضابطاً من قوات الاحتياط بعد استهدافهم من قِبَل المقاومة بصواريخ قرب المنطقة الحدودية (على بُعد 600 متر من كيسوفيم). وبحسب البيان الرسمي للجيش الإسرائيلي، فإن هذه القوة كانت تعمل في المنطقة على تفخيخ وتفجير المنازل الفلسطينية القريبة من الجدار العازل. هذه الحادثة، كشفت- من ضمن حوادث أخرى كثيرة على طول الحدود مع القطاع- عن بدء الجيش الإسرائيلي بإقامة "المنطقة العازلة" أو "الحزام الأمني" داخل حدود القطاع، والذي بات من الواضح أنه يندرج في إطار ترتيبات إسرائيل لما بات يُعرف بـ"اليوم التالي" في قطاع غزة.
الرد الإسرائيلي الرسمي، حتى الآن، على قرار المحكمة العدل الدولية في لاهاي من يوم 26 كانون الثاني الحالي بشأن الدعوى التي عرضتها أمامها جمهورية جنوب أفريقيا يوم 29 كانون الأول 2023، هو "التعبير عن الارتياح" من هذا القرار، بل الاحتفاء به وكأنه يشكل انتصاراً بشكل ما، من جهة، ولكن ممزوجاً بقلق خفيّ جدّي من عواقب وتداعيات لن يكون بالإمكان منعها أو تجنب تأثيراتها، من جهة أخرى؛ وهو ما عكسه هجوم رئيس الحكومة وعدد من وزرائها ضد المحكمة الدولية حدّ اتهامها بمعاداة الساميّة ثم إصدار مكتب رئاسة الحكومة الإسرائيلية تعليمات إلى جميع الوزراء والمسؤولين الحكوميين الآخرين بالامتناع عن إصدار أية بيانات أو إطلاق أية تصريحات علنية في التعقيب على قرار المحكمة.
"موضوع الأمان على الطرق يحمل أخباراً غير جيدة"- هذا ما قاله رئيس "لجنة الاقتصاد للنهوض بالأمان على الطرق" في الكنيست، خلال جلسة عقدتها بتاريخ 24/1/2024. وقد لا يكون الوصف كافياً لتصوير خطورة المعطيات من زاوية نظر الأطفال العرب؛ إذ تبيّن من المعطيات التي وُضعت أمام اللجنة أن 62% من الأطفال حتى جيل 14 عاما الذين قتلوا في حوادث طرق العام 2023 كانوا من المجتمع العربي.
يتصاعد الجدل، في الشارع الإسرائيلي، حول مجريات الحرب من عدة جوانب، وفي اتجاهين مركزيين: أصوات التطرف الداعية لاستمرار الحرب، وتعزيز الضربات، وتشديدها أكثر على قطاع غزة، وهي الأقوى، وثانيا حملة عائلات الرهائن في قطاع غزة، المتصاعدة هي أيضا، وممكن الافتراض أن جمهور مؤيدي هذه الحملة في الأساس، هم من معارضي حكومة بنيامين نتنياهو، بمعنى الجمهور الذي يرتكز عليه أيضا التحالف الانتخابي الذي يقوده بيني غانتس، "المعسكر الرسمي"، واختار الانضمام إلى حكومة الحرب، التي طال عمرها، مع إطالة الحرب، التي لا يلوح في الأفق أي سيناريو لوقفها، ما يعني استمرار "حالة الحرب"؛ وبموجب الاتفاقية مع كتلة غانتس فإن حكومة الحرب تستمر طالما استمرت حالة الحرب.
في مساء يوم الأحد 28 كانون الثاني الحالي، انعقد مؤتمر استيطاني حضره وزراء إسرائيليون، وآلاف الناشطين اليمينيين، وعشرات المنظمات المدنية، ومجالس المستوطنات. وبينما أن التيار الاستيطاني في إسرائيل بدا في العقود الأخيرة تياراً توراتياً (أي: توراة إسرائيل تدعو إلى الاستيطان)، فإن هذا المؤتمر يشير إلى تحول نحو الخطاب القديم- الجديد الذي يعرفه الشارع الإسرائيلي منذ العام 1967 (أي: أمن دولة إسرائيل داخل 1948 يتحقق من خلال الاستيطان المدني).
الصفحة 28 من 324