يعتبر الإعلام في إسرائيل أداة من الأدوات الأيديولوجية المركزية التي تتصدر عملية بناء الروح الجماعية وتوجيه التصورات والرؤى والمواقف القومية. ويلعب هذا الإعلام بمختلف أشكاله المرئية والمسموعة وبمختلف قنواته دوراً في بناء وتصليب الإجماع حول الحرب على قطاع غزة. ويتحاشى بمعظمه الخوض في قضايا أو طرح أسئلة تتحدى الخطاب الأمني والعسكري ويتبنى ما يصدر عنه ويعيد نشره بشكل شبه كامل من دون أن يقوم بأي عملية نقد ومساءلة حقيقية.
بلغ عدد المواطنين الإسرائيليين الذين تم إخلاؤهم منذ بدء الحرب ضد قطاع غزة وعلى خلفية هذه الحرب، وفقاً لمعطيات "الجبهة الداخلية"، 231 ألفاً وهو ما يعادل 2.4% من مجمل السكان. وتقول هذه السلطة على موقعها: "حتى الآن، تم إخلاء البلدات التي تقع على بعد 0-7 كيلومترات من الحدود الجنوبية. بالإضافة إلى ذلك، تم إخلاء البلدات الواقعة على بعد 0-2 كم من الحدود الشمالية، بما في ذلك كريات شمونه". ولاحقاً، تم إخلاء بلدات على مسافة أكبر في مناطق محددة.
"الهسبراه" هي الجهود التي تبذلها إسرائيل لنشر "معلومات إيجابية" عنها، وتسويق نفسها للعالم الخارجي، وإعادة إنتاج الروايات التي تدعم موقفها و"تبيّض" صورتها أمام العالم. وكنا في مركز "مدار" قد تناولنا جهود "الهسبراه" على مدار سنوات سابقة، لكن سياق الحرب الحالية يستدعي إعادة فتح هذا الملف. هذه المقالة تلقي الضوء على منظومة "الهسبراه" خلال الحرب على قطاع غزة.
أظهرت نتائج استطلاع جديد للرأي العام في إسرائيل أن نسبة متساوية، تقريباً، من الجمهورين اليهودي والعربي في داخل إسرائيل تؤكد حصول تغيير إلى الأسوأ في العلاقات بينهما منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (حرب "السيوف الحديدية") في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي عقب الاجتياح المباغت الذي نفذته حركة حماس في عمق الأراضي الإسرائيلية صبيحة اليوم نفسه (عملية "طوفان الأقصى")، كما تدّعي نسبة متساوية من الجمهورين بأن العلاقات لم تشهد أي تغيير يُذكر خلال الفترة المذكورة، في الوقت الذي ترى نسبة أخرى من الجمهورين (بفارق كبير) أن تغييراً حصل في هذه العلاقات حقاً، لكنه كان في الاتجاه الإيجابي.
مع استمرار الحرب الإسرائيلية الضارية على قطاع غزة التي جرى شنّها في إثر الهجوم المباغت لحركة حماس على مواقع عسكرية في منطقة الحدود مع القطاع، وعلى ما يعرف باسم "بلدات غلاف غزة"، يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تزداد اتساعاً يوماً بعد يوم حملة الهجوم الحادّ على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو التي تتهمه بالمسؤولية المباشرة عن الحرب الحالية. وهي حملة تتشابك في الوقت عينه مع مواصلة تآكل شعبيته وتراجع قوة حزبه الليكود في استطلاعات الرأي العام، فضلاً عن انخفاض نسبة الإسرائيليين الذين يرون بأنه الشخص الأكثر ملاءمة لتولي منصب رئيس الحكومة.
منذ بداية الحرب على قطاع غزة تحوّل الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، العقيد دانيال هغاري، إلى المصدر شبه الوحيد للمعلومات الإسرائيلية حول مجريات الحرب وأهدافها. ومنه يعرف المجتمع الإسرائيلي ما تم إنجازه وما لم يتم، ومن خلاله يستمد المجتمع الإسرائيلي معنوياته وأمله بالانتصار. لكن هذا لا يمنع من طرح سؤال أساس: متى يقوم الناطق باسم الجيش بتضليل الإسرائيليين، إخفاء معلومات، أو البوح بمعلومات مغلوطة (fake news)؟
الصفحة 36 من 324