المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
واقع القطاع الصحي في إسرائيل: تراجع متراكم.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 928
  • هشام نفاع

يتّضح من معطيات وتحليلات توفّرها مصادر عدة، أبرزها تقرير لوزارة الصحة الإسرائيلية، أن ​​عدد أسرّة الرقود في المستشفيات آخذ في الانخفاض باضطراد طيلة العقد الماضي، إذ انخفض عدد أسرّة المستشفيات لكل 1000 شخص في إسرائيل بنسبة 9%، وهو رقم أقلّ بفجوة كبيرة مقارنة بدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD.

عنوان التقرير "أسرّة ومحطات في المستشفيات قيد الترخيص حتى كانون الثاني 2022" ويتضمن المؤشرات في العقد الأخير لعدد الأسرّة ومعدلها في نهاية كل عام وبحسب نوع العلاج في المستشفى. ويعرض المعلومات المتوفرة حتى نهاية العام 2022 عن عدد الأسرّة في المؤسسات الصحية المختلفة، بما في ذلك أسرّة الرّقود النهاري، ومحطات الرعاية النهارية وطب الطوارئ والجراحة وغسيل الكلى والولادة وأسرّة الأطفال حديثي الولادة. بالإضافة إلى ذلك يعرض عدد المستشفيات وعدد مرافق التمريض وعدد أسرّة المستشفيات، ومقارنة دولية لمعدل الأسرّة في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وتعتمد المعلومات كما ورد في المقدّمة على شهادات الترخيص الصادرة عن قسم ترخيص المؤسسات الطبية في وزارة الصحة للمؤسسات الطبية في إسرائيل.

وتوزعت الأسرّة التي تمت إضافتها العام 2022 على النحو التالي: 54 في طب الأورام، 50 في طب الأعصاب، 49 في الطب الباطني، 49 في الجراحة العامة، 48 في العناية المكثفة للقلب، 38 في العناية المكثفة العامة، 30 في الأطفال، 22 في العناية المكثفة للأطفال، 22 في قسم النساء والبقية في الأقسام الأخرى.

فجوة كبيرة عند مقارنة إسرائيل بدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية

في نهاية العام 2022، كان هناك 16,869 سرير رقود عام يستوفي المواصفات في إسرائيل، منها 16,739 سريراً في المستشفيات العامة و130 في مستشفيات الشيخوخة. بلغ معدل عدد الأسرّة 1,746 لكل 1000 شخص، بزيادة قدرها 1% عن العام الذي سبقه، لكن بانخفاض قدره 5%، من 1,830 في العام 2015 وانخفاض بنسبة 9% من نهاية عام 2010، عندما كان المعدل 1,913 .

أما بالمقارنة مع متوسط ​​منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن متوسّط عدد أسرّة الرعاية الملحّة في إسرائيل، والتي تشمل أسرّة العلاج العام وأسرّة العلاج النفسي الحاد، فهي أقل بفجوة كبيرة ويبلغ 2.0 لكل 1000 شخص بينما يبلغ المتوسط ​​في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية 3.5.

تشدّد الجهات المهنيّة على أن معنى مصطلح "أسرّة المستشفيات" أوسع بكثير من التمثيل العددي للأسرة. حيث أن هذا هو المفتاح الأساس والمقرِّر الذي تستمد منه معايير عدد العاملين وتخصصاتهم والمعدات الطبية والبنية التحتية اللازمة للعلاج في المستشفى.

ويضيف تقرير لصحيفة "هآرتس" معطيات لم يشملها تقرير وزارة الصحة المذكور، ووفقاً لها ففي العام 2023، تمت إضافة 69 سريراً للمستشفيات، أي أقل من نصف بالمئة من عددها الذي كان في نهاية العام 16,938 سريراً. وينضم هذا الرقم إلى الاتجاه التنازلي المستمر في توفيرها للجمهور. وتظهر أرقام وزارة الصحة للعام 2023 أن معدل الأسرة في المستشفيات الإسرائيلية، بما في ذلك أقسام الطب النفسي، يبلغ 2.1 لكل ألف مواطن - مقارنة بمتوسط ​​3.4 في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

المعطى الإحصائي الجاف يكشف واقعاً مُشبع الاكتظاظ في الأقسام

تنوّه الصحيفة إلى أن المعطى الإحصائي الجاف يدلّ على واقع مُشبع الاكتظاظ في أقسام الرقود، التي يغذيها بشكل دائم تدفق المرضى القادمين من أقسام طب الطوارئ، المكتظة بحد ذاتها. حيث يضطر المرضى غير مرة إلى الانتظار لساعات طويلة حتى يتم تحويلهم إلى أقسام المستشفى المختلفة، وأحياناً لفترة تمتد أكثر من نصف يوم.

وكانت بيانات جديدة جاءت ضمن تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، الصيف الماضي، قد كشفت عن صعوبة وضع الجهاز الصحي في إسرائيل، الذي يشهد نقصا في الأطباء بحسب التقرير. ويبدو من معدلات إشغال الأسرّة في الأقسام الباطنية في المستشفيات، أنه لا يوجد عدد كافٍ من الأطباء للأقسام الأخرى؛ لذلك غالباً ما يتم وضع المرضى في الأقسام الباطنية، بسبب نقص الأسرّة، والطواقم الطبية. وأوضحت معطيات التقرير بلوغ معدلات إشغال الأسرّة في الأقسام الباطنية للمستشفيات في إسرائيل، أكثر من 100% في معظم المستشفيات.

ووفقاً لما جاء في بيانات المنظمة الدولية، فإن البنية التحتية في المرافق الصحية الإسرائيلية دون المستوى الأمثل، والاستثمار منخفض مقارنة بالمنتجات الصحية التي تعد من بين الأبرز في العالم، وأطلق على هذا الوضع تسمية "مفارقة الصحة الإسرائيلية". ويظهر التقرير أنه خلال فترة كورونا ازداد الإنفاق العام على الصحة في إسرائيل، ولكن في المقارنة الدولية، ظلّ الإنفاق على الصحة في إسرائيل أقل مما هو عليه في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. مثلا في العام 2019 كان معدل الإنفاق الوطني على الصحة 7.5% فقط مقابل معدل إنفاق وطني بلغ 9.7% في المنظمة المذكورة. وزارة الصحة تقرّ في تقاريرها بأن إسرائيل كانت مسجّلة في المرتبة 27 من 37 في ترتيب دول  OECD في 2019، والمرتبة 28 في 2020، أي أنها تراجعت.

وزارة الصحة تصرّح أنها ستعمل على تحقيق "قفزة إلى الأمام"!

يبدو جلياً، سواء من التقارير المهنية الدولية أو تلك الإسرائيلية وخصوصاً الرسمية منها، أن هناك قصورات متراكمة تعمّق أزمة جهاز الصحة من جهة، وتوسّع الفجوة بين حجم ومستوى وجودة الخدمات الصحية في إسرائيل وبين الدول التي ترغب المؤسسة الحاكمة الإسرائيلية في أن تكون "محسوبة عليها" وإحداها دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD. لكن مدير عام وزارة الصحة موشيه بار سيمان طوف يحاول تخفيف قتامة الصورة بالقول: "كجزء من الخطة الاستراتيجية للجهاز الصحي، تركز وزارة الصحة بشكل كبير على تحسين البنية التحتية الصحية بشكل عام ومعالجة النقص في الأسرّة بشكل خاص. وتحقيقاً لهذه الغاية، ستعمل وزارة الصحة في الميزانية المقبلة على تحقيق قفزة إلى الأمام في خطة زيادة عدد أسرّة المستشفيات والاستشفاء المنزلي، من أجل الاستجابة لشيخوخة السكان ونموها".

ويضيف في بيان صادر عن الوزارة: "على سبيل المثال، في العقد الماضي، تمت إضافة العديد من أسرّة المستشفيات، حيث تمت إضافة أكبر عدد من الأسرّة في المنطقة الجنوبية والمنطقة الشمالية مقارنة بالمناطق الأخرى، بطريقة تعبر عن الأولوية للأطراف. بالإضافة إلى ذلك، تعمل الوزارة في المدى القريب على تشجيع إنشاء مستشفيات إضافية من شأنها زيادة عدد الأسرّة في الشمال والجنوب، وتشجيع صناديق الصحة على تطوير نظام الاستشفاء المنزلي وإعادة التأهيل المنزلي. على المدى الطويل، هناك مخطط تفصيلي وطني، يتضمن تحصين مناطق المستشفيات حتى العام 2048، ومضاعفة عدد أسرة المستشفيات الموجودة في إسرائيل".

لكن المدير العام يقرّ بصعوبة الوضع قائلاً: "ومع ذلك، فإن عدد أسرّة الرقود في إسرائيل منخفض بكل المقاييس المقارنة وهو يتناقص بالمعدل العام لكل 1000 شخص. لذلك، ستعمل وزارة الصحة في الميزانية القادمة على زيادة عدد الأسرّة في عدة مجالات. منها خطة سنوية تستجيب لشيخوخة السكان ونموها، بما في ذلك الاستشفاء المنزلي وإضافة أسرّة ضرورية لتحسين الخدمة الطبية لسكان دولة إسرائيل وانخفاض متوسط ​​عدد أيام الرقود للشخص الواحد."

وزارة المالية تتملّص وتعزو الأزمة لرفع الحدّ الأدنى للأجور!

خلال جلسة لجنة الصحة البرلمانية أواسط آذار المنصرم، طُرح أن المستشفيات تعاني من أزمة مالية شديدة وقد تنهار اقتصاديا، لكنها عزت الأمر إلى رفع الحد الأدنى للأجور، وزعم ممثلو وزارة المالية احتمال تضرر المستشفيات العامة بنحو 200 مليون شيكل في حال رفع الحد الأدنى من الأجور، لكنها لم تقدّم علاجاً يعوّض هذا النقص المحتمل. وهنا طالب رئيس اللجنة عضو الكنيست يونتان مشرقي بتمرير التعويضات المالية للمستشفيات بأكملها وضمن جداول زمنية مقررة وأكد أن "أجوبة المالية بهذا الموضوع ليست مرضِية". ودعاها إلى التشاور مع المستشفيات وصناديق المرضى بالموضوع ورفع تقرير إلى اللجنة حول قراراتها.  

وبموازاة ذلك طلبت اللجنة الحصول على موقف وزارة المالية ووزارة الصحة حول منح التعويضات للمستشفيات كي لا تجد المستشفيات نفسها في حالة عصيبة قبل انتهاء مداولات مسألة تأثير الأجور. وقال البروفيسور يورام فايس، مدير المركز الطبي "هداسا"، في مداخلته أمام اللجنة إن رفع الأجور الأخير تسبب بعجز بقدر 100 مليون شيكل لـ "هداسا" وأن قراراً آخر برفع الأجور قد يؤدي إلى انهيار المستشفيات. وأكد فايس على وجوب تمرير كل ميزانية تتعلق بتحديث مستوى الحد الأدنى من الأجور إلى المستشفيات في غضون 30 يوما فقط وليس 60 أو 90 يوما مثلما جرت العادة حتى الآن. وشدّد على أن "القانون يلزمنا بدفع الأجور بشكل فوري إلا أن المدخولات من الدولة تتأخر إلى شهرين حتى ثلاثة أشهر. اليوم صناديق المرضى مدينة بمبلغ 700-900 مليون شيكل للمستشفيات، وهذا النقص في السيولة المالية يتسبب في تأخير قيام المستشفيات بسداد المدفوعات للمزودين".

لكن ممثلة قسم الميزانيات في وزارة المالية ادّعت في ردّها أن الأموال تحوَّل وفقاً لمؤشر يوم الرقود والذي يتم تحديثه مرة واحدة كل ثلاثة أشهر، وأن الأموال تمرر خلال 60 يوما وفق القانون. وكرّرت الزعم بأنه نتيجة رفع الحد الأدنى من الأجور المحتمل فإن المستشفيات العامة من شأنها أن تتضرر بما يعادل 200 مليون شيكل تقريبا.  

نوّاب مختلف الأحزاب يتهمون المالية باستهداف المستشفيات العامة

وفي الاتجاه نفسه لوضع مسؤولية توفير الخدمات الصحية على كاهل المواطنين بل وتحميلهم مسؤولية النقص المتواصل، جاء اقتراح من وزارة المالية لرفع ضريبة الصحة بزعم أن الأمر من شأنه أن يضيف نحو مليار شيكل لموضوع الصحة النفسية.

وقد طلبت لجنة المالية في الكنيست عقد جلسة للجنة الصحة بهذا الشأن إذ يُخطَّط لرفع ضريبة الصحة من 5% إلى 5.15%. وهذا بالإضافة إلى رفع ضريبة الصحة المخفّضة للجزء الأساس من الدخل من مقدارها اليوم، 3.1%، إلى 3.25%.

وزعم الموظف المسؤول عن الرفاه والتأمين الوطني في قسم الميزانيات بوزارة المالية أن رفع الضريبة "من شأنه أن يوفر مليار شيكل لصالح جهاز الصحة النفسية والذي يتم تخصيص 1.4 مليار شيكل له حاليا". وزعمت موظفة أخرى في الوزارة تشغل منصب مركزة الصحة في قسم الميزانيات أن رفع الضريبة "سيسمح بزيادة ميزانية الصحة النفسية في المستشفيات، صناديق المرضى والجمعيات التي تعمل بالموضوع، بما في ذلك تجنيد أخصائيين نفسيين وأطباء نفسيين وأخصائيين اجتماعيين"، على حد قولها.

في إحدى جلسات لجنة الصحة التي بحثت الإخفاقات في الجهاز، وجّه أعضاء كنيست من مختلف الأحزاب انتقادات حادّة إلى وزارة المالية واتهموها بأنها معنيّة بالتسبب في انهيار المستشفيات اقتصادياً وخصوصاً المستشفيات العامة، وبالتهرب من الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها، وأكدوا أنه حتى عندما يتم تحديث الحد الأدنى للأجور فإن المستشفيات تحصل من الدولة فقط على 80% من المبلغ وهذا أيضاً بعد تأخير كبير. وفيما أشادوا بما وصفوه "إخلاص وتفاني مدراء المستشفيات" أكدوا أن وزارة المالية تستغل ذلك من أجل ابتزاز المستشفيات.

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, هداسا, الكنيست, مدير عام وزارة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات