المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
طائرة "أورون". (صحف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1426
  • عبد القادر بدوي

في مساهمات سابقة حول الأسلحة والتقنيات العسكرية والأمنية الإسرائيلية، أشرنا إلى أن الحروب الإسرائيلية المتعاقبة على الفلسطينيين وعلى الدول العربية قد وفّرت لإسرائيل مساحة كبرى لابتكار وتطوير الأسلحة والتقنيات العسكرية والأمنية، بشكلٍ مكّنها من أن تصبح رائدة في هذا المجال. ومنذ بداية حرب الإبادة الحالية على قطاع غزة، تسعى الشركات الإسرائيلية ذات الصلة بمجال التطوير الأمني والعسكري إلى تحويل قطاع غزة إلى مختبر تجارب للأسلحة والتقنيات لما تُشكّله استمرارية الحرب من فرص لتطوير وتحسين قدرات هذه التقنيات والأسلحة والوسائل وما يترتب على ذلك من ميزة عسكرية، بالإضافة إلى الأرباح الطائلة، وهو ما بات يُعرف في الأدبيات بالاقتصاد السياسي للأسلحة والتقنيات الإسرائيلية.

في هذه المساهمة، نسلّط الضوء على طائرة التجسّس الإسرائيلية الجديدة المعروفة باسم "أورون"، وهي الطائرة التي يتم تفعيلها لأول مرة في حرب الإبادة الحالية على قطاع غزة، وحالة الاشتباك منخفض الوتيرة في الجبهتين الشمالية والجنوبية كذلك، من حيث قدرات التجسّس المتطورة، التكاليف الباهظة والقدرات الجوية غير المسبوقة مقارنةً بطائرات التجسّس الإسرائيلية وغير الإسرائيلية التي تمتلكها الدول حول العالم.

بدايةً، تُصنّف الطائرة "أورون" كطائرة تجسّس استخبارية، وهي تتبع لسرب الطائرات الإسرائيلية ونتاج مشروع تطوير مشترك لكل من "مافات" في وزارة الدفاع، سلاح الجو، قسم الاستخبارات، سلاح البحرية والصناعات الجوية الإسرائيلية، وقد استمرّ تطوير هذا المشروع مدّة عشر سنوات تقريباً.

في منتصف حرب الإبادة الدائرة حالياً في قطاع غزة، وبعد قرابة نصف عام على الإعلان عنها في معرض لطائرات التجسّس في باريس، أُدخلت "أورون" للعمل أول مرة ضمن سلاح الجو الإسرائيلي، وقد مكّنت القدرات التجسّسية الهائلة للطائرة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من خفض المدة الزمنية اللازمة لمعالجة كميات كبيرة من البيانات تحتاج أشهرا طويلة إلى أيام معدودة، وهو ما دفع إلى اعتماد الطائرة ضمن الأسلحة الإسرائيلية المهمة في هذه الحرب، وهي طائرة لا تمتلك أي من الدول مثيلاً لها من حيث القدرات باستثناء بعض طائرات التجسّس التي تمتلكها القوى العظمى مثل الولايات المتحدة وروسيا.

خلال الأسابيع المعدودة التي بدأت فيها الطائرة بالعمل، نفّذت "أورون" قرابة 100 طلعة جوية، وفي كل طلعة جوية تستطيع أن تقوم بالعديد من المهام وفي أماكن مختلفة في الوقت نفسه. مثلاً، يُشير تقرير أعدّه موقع "واينت"- الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت"- إلى أن الطائرة "أورون" تستطيع خلال الطلعة الجوية الواحدة أن تقوم بالعديد من المهام التجسّسية الاستخبارية في الوقت نفسه: مرافقة عمليات الاعتقال والاجتياحات التي يُنفّذها الجيش والأجهزة الأمنية في مخيمات شمال الضفة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر؛ مراقبة الأجواء كاملة في قطاع غزة وحركة القيادات العسكرية الفلسطينية حتى رفح؛ الكشف عن عملية إطلاق صواريخ بالستية من اليمن في اتجاه إسرائيل وتحديد مصدر الإطلاق؛ رصد عمليات نقل الأسلحة عبر الشاحنات بين العراق وسورية؛ مراقبة وتحديد أي تحركات مشبوهة في المفاعلات النووية في إيران وكذلك رصد الشخصيات التي يتم تتبّعها في الضاحية الجنوبية لبيروت، وبالمقارنة مع طائرتي التجسّس الإسرائيليتين في سرب نحشون في قاعدة نفطيم في النقب: "إيتام" (التي تقوم بمهام المراقبة والتحكم في العمليات)، و"شافيط" (التي تقوم بمهام التنصّت) تطير الطائرة "أورون" على ارتفاعات عالية جداً وغير مسبوقة لطائرات التجسّس الإسرائيلية تصل إلى أعلى من 40 ألف قدم في غضون قرابة 25 دقيقة فقط، كما أن الطائرة مصممة للعمل في مهام مختلفة ومع الأذرع المختلفة للجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية في عمليات منفردة، أو بالتنسيق مع طائرات التجسّس في سرب نحشون "إيتام" و"شافيط".

تعمل "أورون" بواسطة آلاف أجهزة الاستشعار المتطورة المثبتة عليها على جمع ومعالجة هائلة للبيانات في ظروف الطقس المختلفة، بالإضافة إلى كاميرات المراقبة وأجهزة التنصّت، كما أنها على درجة عالية من الحماية ضد الهجمات السيبرانية وغير قابلة للكشف والرصد من قِبَل الرادارات المتطورة، حيث أن ثلث وزن الطائرة الذي يبلغ عشرات الأطنان وزن أجهزة الحاسوب والاستشعار، علاوةً على دمجها لمنظومات مختلفة للذكاء الاصطناعي وخوارزميات لمعالجة المعلومات في غضون دقائق معدودة بفعل هذه الأنظمة، وهو ما يُتيح لضباط الأجهزة الأمنية في المستويات المختلفة صورة استخبارية دقيقة تُمكّنهم من اتخاذ القرارات في اللحظات الحاسمة، سواءً من الأرض، أو من داخل الطائرة المصممة لاستيعاب 8 ضباط استخبارات في داخلها ورادارات من تصنيع شركة "ألتا" التابعة للصناعات الجوية الإسرائيلية. وقد بلغت تكلفة شراء الطائرة وتطويرها قرابة مليار دولار، وهو الأمر الذي أثار نقاشات حادة في أوساط النخب الأمنية والعسكرية للموافقة على شراء وتطوير الطائرة من الشركات الإسرائيلية المصنّعة وبحسب الاحتياجات الأمنية والاستخبارية لإسرائيل.

المصطلحات المستخدمة:

يديعوت أحرونوت

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات