تلخص هذه المقالة المناخ العام في الشارع الإسرائيلي حيال قضايا أساسية تتعلق بالحرب ضد قطاع غزة. وبغض النظر عن موقف الحكومة الإسرائيلية الحالية وكابينيت الحرب وأعضاء الكنيست، أو المواقف التي تسود في الخطاب الإعلامي، فإن الشارع الإسرائيلي يشكل هو أيضا مواقف معينة من اللوحة الشاملة للحرب التي يعيش أتونها.
في نهاية العام 2023، أجرى مركز إسرائيلي استطلاعاً عاماً حول رأي الشارع الإسرائيلي من قضايا أساسية تتعلق بالحرب، وهو ما سوف نستعرضه أدناه: 1) ما هو موقف الشارع الإسرائيلي من قضية الأسرى الإسرائيليين وصفقة تبادل شاملة تنهي الحرب؟ 2) ما هو موقف الشارع من الدخول في حرب مفتوحة مع حزب الله؟ وهل الشارع الإسرائيلي راض عن أداء رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو؟ 4) هل يدعو الشارع الإسرائيلي إلى عودة المستوطنات اليهودية إلى قطاع غزة؟ 5) هل أصبح الشارع الإسرائيلي أكثر يمينية أم أكثر يسارية خلال الحرب الحالية؟
في هذه المقالة (السابعة والأخيرة في هذه السلسلة)، نختتم هذا العرض التفصيلي الذي قدمناه لما توصل إليه مشروع مشترك للرصد والتوثيق أطلقته مؤسستان إسرائيليتان بارزتان في أعقاب الهجوم المباغت الذي شنته المقاومة الفلسطينية على القواعد العسكرية والبلدات المدنية في منطقة ما يسمى "غلاف غزة" في عمق الأراضي الإسرائيلية يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وقد خلص المشروع المذكور إلى وضع ما يمكن تسميته "وثيقة المفاهيم المركزية" الأبرز التي شكلت قاعدة الرؤية الأمنية ـ السياسية الإسرائيلية التي يُجمع المجتمع الإسرائيلي، بشكل شبه تام، على حقيقة أنها مُنيت بالفشل الذريع، بل بالانهيار التام، في "يوم السبت الأسود" وعلى أنّ مسيرة إعادة ترميم ما ينبغي ترميمه في العقيدة السياسية والأمنية الإسرائيلية يتطلب، أولاً وكشرط ضروري لا مهرب منه، تحديد تلك المفاهيم التي حكمت العقيدتين السياسية والأمنية في إسرائيل عقوداً من الزمن، وأنه بدون ذلك لن يكون بالإمكان، من ثم، إعادة هيكلة الأجهزة، المنظومات والأذرع المكلفة بتطبيق هذه العقيدة في المستقبل. وقد رسمت مؤسستا "بيرل كتسنلسون" (شعارها المركزي: "نبني أسساً طويلة الأمد لمعسكر المساواة في إسرائيل") و"مركز مولاد" (لتجديد الديمقراطية في إسرائيل)، في "وثيقة المفاهيم" هذه خارطة تفصيلية لعشرة مفاهيم هي "المفاهيم المركزية التي انهارت، فقادت بنفسها وبانهيارها إلى الإخفاق". وكنا قد عرضنا في الحلقات الست السابقة لتسعة من هذه المفاهيم المركزية، كان آخرها العرض الذي قدمته الحلقة السابقة (السادسة) للمفهومين الثامن والتاسع، تحت العنوانين التاليين: "إسرائيل تتقوى بتقليص القطاع العام" و"تعيين المقربين يساهم في تقوية الدولة وتعزيزها".
بعد ثلاثة أشهر على موجة ترخيص السلاح للأفراد بتسهيلات غير عادية، بدأت جهات مختلفة تنتبه إلى الخطورة الملموسة الكامنة في هذه الحالة. وحالياً، ينتظر أن تبحث المحكمة العليا في التماس قدمته "الحركة من أجل جودة الحكم" تطالب فيه بالعودة عن كل السياسة التي أقرّت بموازاة الحرب وإبطال تراخيص أسلحة كثيرة موجودة بأيدي مواطنين.
وتقول المنظمة في بيان صحافي: لقد قدمنا التماسا إلى المحكمة العليا مطالبين بإلغاء رخص السلاح غير القانونية التي أصدرها إيتمار بن غفير وأمير أوحانا. فبحسب ما نُشر، قام وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بتعيين أشخاص ليس لديهم تفويض قانوني للموافقة على تراخيص الأسلحة النارية. ومن بين المسؤولين الذين عينهم للمصادقة على التراخيص هناك موظفون في الكنيست، وعاملون في مناصب الثقة (وظائف يخصصها الوزراء لمن يعتبرونهم موضع ثقتهم، أو بكلمات أخرى تعيينات سياسية – هـ. ن.) وكذلك مجندات شابات في الخدمة الوطنية (بديل الخدمة العسكرية) يؤدين الخدمة في وزارة الأمن القومي.
كثر الحديث خلال الأسابيع الأخيرة في وسائل الإعلام وفي النقاشات الرسمية الإسرائيلية (على مستوى الكابينت الأمني السياسي، وكابينت الحرب) عن المرحلة الثالثة من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. هذا الانتقال يتم تقديمه أحياناً كاستجابة لضغط الولايات المتحدة، وأحياناً أخرى كاستجابة للضرورات العسكرية الميدانية. وبصرف النظر عن دوافع هذا الانتقال، فإنه أثار خلافات وأحدث تباينات بين أقطاب "كابينت الحرب" و"الكابينت الموسّع" في إسرائيل لأسباب عديدة ليس أقلّها التشكيك في كون هذا الانتقال يٌعد إعلاناً ضمنياً عن انتهاء الحرب من ناحية، ناهيك عن التصريحات حول صلاحية "كابينت الحرب" في اتخاذ مثل هذا القرار.
خلال أول أسبوعين من الحرب على قطاع غزة (وبالتحديد بين 7-23 تشرين الأول)، تحول التيك توك (TikTok) إلى ساحة حرب يحقق فيها الفلسطينيون والمناصرون لهم انتصارا يوصف بأنه كاسح. في هذه الفترة، تم نشر حوالى 8 ملايين فيديو مناصر لإسرائيل فقط مقابل حوالي 114 مليار فيديو مناصر للفلسطينيين. من جهة، يمكن النظر بصورة تبسيطية للأمر والادعاء بأن إسرائيل فشلت في السيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا التيك توك الذي يعتبر منصة صينية خارج إطار هيمنة إسرائيل- الغرب. من جهة ثانية، وعند التعمق في الأمر، فإن وراء هذا الفشل تحولات عالمية في الرأي بحيث أن الشباب العالمي ما دون عمر 35 عاما (وهو الأنشط على تيك توك) يعتبر أكثر مناصرة للفلسطينيين، ومناهضا للاستعمار، وناقدا لسياسات إسرائيل العدوانية، ولديه فهم تاريخي لأصل الصراع، وهو الجيل الذي يروج لـ هاشتاغ "الحرية من النهر إلى البحر". هذه المقالة تستعرض حرب إسرائيل- حماس على منصة التيك توك.
عرضت وزارة المالية الإسرائيلية، في نهاية الأسبوع الماضي، مسودّة اقتراح لتعديل ميزانية العام الجاري 2024، التي كان الكنيست قد أقرها في شهر أيار الماضي، وهي تحتاج لتعديل واسع، نظرا لكلفة الحرب على قطاع غزة، التي بات يتفق الجميع على أنها قد تتجاوز 240 مليار شيكل. ومن المفترض أن تقر الحكومة هذا الاقتراح تمهيدا لعرضه على الكنيست. وفي حين أن الحكومة اتفقت على تقليص بنسبة 5% من ميزانية الصرف الجاري، في جميع الوزارات، فإنها تتفق على زيادة أساسية في ميزانية الجيش، عدا كلفة العدوان. وفي ظل هذا، يدور جدل حول الصرف على حقائب وزارية تُعد "هامشية لا حاجة لها"، إلا أن غالبيتها في واقع الحال أقيمت لغرض الصرف على الاستيطان والجمهور الاستيطاني، والتيار الديني الصهيوني، وتعميق الفكر اليميني الاستيطاني، تحت تسمية "تعميق الهوية اليهودية" وغيرها.
الصفحة 30 من 324