المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
سموتريتش: يد ثقيلة على المعلمين. (فلاش 90)

تتواصل المواجهة بين نقابة المعلمين في إسرائيل وبين وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذي يقود سياسة تمس بالحقوق النقابية الأساسية، وتتمثّل أخيراً في مسعاه للخصم من رواتب المعلمين الذين يشاركون في إضرابات تعلنها النقابة. واحتجاجاً على هذا المساس بالرواتب أعلنت نقابة المعلمين الإضراب ووقف الدراسة مدة ساعتين يوم الأحد الأخير، 19 أيار. وتفسّر نقابة المعلمين على لسان رئيسها ران إيرز هذه الخطوة على أنها جزء من مخطط لخصخصة نظام التعليم وتحويل المعلمين إلى موظفين متعاقدين بعقود فردية، وبالتالي ضرب الحق الأساس في تنظمهم النقابي الجماعي، مما يضعهم منفردين أمام كل محاولة حكومية قادمة للنيل من حقوق عمّالية إضافية لهم.

نقابة المعلمين أعلنت يوم الخميس 16 أيار تعطيل الدراسة مطلع الدوام، بين الساعة 8:00 والساعة 10:00 في مدن تل أبيب وحيفا والقدس وأكدت: "هذه ليست الخطوة الأخيرة، الخطوات ستتفاقم. الإضرابات والإجراءات التنظيمية ستستمر وسنعلن عنها عند إعلانها". وهذا الإضراب هو الثاني خلال الأسبوعين الماضيين، بعد إضراب النقابة يوم الأربعاء الأسبوع الفائت ساعتين صباحيّتين في كافة أنحاء البلاد. بالتزامن، توجه المعلمون إلى محكمة العمل بالتماس ضد وزارة المالية في هذا الخصوص.

للتذكير، فإن الإضرابات مطلع كل عام دراسي هي أزمة يصح اعتبارها أزمة سنويّة دائمة، وتتمثّل بتحذيرات مجدّدة لنقابة المعلمين من تعطيل الدراسة غالباً لأسباب ومشاكل تنتقل من عام دراسي إلى آخر، ولا تجد لها حلولاً جذرية بل تسويات مؤقتة تتيح افتتاح العام الدراسي مع قطع تعهدات حكومية يشكك المعلمون في تطبيقها الكامل.

من يدرّس ثمانية صفوف يمكن أن يصل إلى خصم 40%

لقد وضعت وزارة المالية برنامجاً مفصلاً، فالاقتطاع من الراتب مؤلّف من خصم 5% لعدم إعطاء العلامات، وهذا على الرغم من أن المعلمين يقومون بجميع المهام المتعلقة بإعطاء العلامات للطلاب، باستثناء إعطاء العلامات لمنظومات مدرسية وجهاز التعليم. وبحسب نقابة المعلمين وبما أنه خصم 5% من الراتب لكل صف تعليمي، فإن من يقوم بتدريس ثمانية صفوف يمكن أن يصل إلى خصم 40% من راتبه.

وزارة المالية تسعى لفرض خصم إضافي على الراتب بنسبة 2.5% متعلق بالمشاركة في الأنشطة اللامنهجية، وهذا على الرغم من أن مشاركة المعلمين في هذه الأنشطة هي مسألة اختيارية، والدفع مقابلها منفصل عن الراتب الأساسي. أما الخصم الثالث من الراتب فهو 800 شيكل من الزيادة التي أقرّت على الرواتب في الاتفاق الذي تم التوصل إليه في شهر أيلول الماضي.

في تشرين الأول الماضي كان موقع "ذي ماركر" قد كشف في تقرير له أن وزارة المالية تخطط لإجراء تخفيض كبير في رواتب المعلمين في المرحلة الثانوية. وقدّر تقرير الصحيفة الاقتصادية في حينه أنه من المحتمل أن يكون الهدف من الخطوة هو إلزام المعلمين بتعويض أيام الدراسة خلال الإجازات– مقابل التنازل عن اقتطاع الرواتب. لكن مصادر في جهاز التعليم نقلت أن وزارة المالية أعلنت عزمها خفض رواتب المعلمين حتى قبل أن تقرر مع وزارة التعليم ما إذا كانت ستطالب المعلمين بتعويض أيام الدراسة خلال العطلات.

قبل أسبوعين، وفي الوقت نفسه الذي تم فيه تقديم الالتماس، نشرت النقابة المبادئ التوجيهية للخطوات الاحتجاجية ووزعتها على أعضائها. التوجيه الجديد هو قطع الاتصال مع وزارة التربية والتعليم: التغيّب عن دورات الاستكمال التي تعقدها وزارة التربية والتعليم، وكذلك قطع الاتصال مع المفتشين في جميع المواد الدراسية، وخصوصاً فيما يتعلق بخطة الوزارة لتوسيع حلقة تلقي الدورات الأكاديمية في المدارس والتي تم نشرها مؤخراً. كذلك، أصدرت النقابة تعليماتها بمواصلة الخطوات الاحتجاجية التي تم اتخاذها في الأشهر الأخيرة: عدم المشاركة في الأنشطة اللامنهجية، وإنهاء يوم العمل الساعة 15:30، أي عدم تدريس حصص إضافية. ومما جاء في التوجيه الجديد أنه يجب الامتناع عن إعطاء العلامات لجهات في المدارس او جهاز التعليم، ومواصلة المعلمين إعطاء العلامات للطلاب.

عقود فرديّة تتيح للحكومة فصل المعلّمين خلال عام واحد

في الشهر الفائت، على خلفية القضية نفسها المتفاعلة منذ فترة أشهر، عقدت لجنة رقابة الدولة في الكنيست جلسة لتتابع من خلالها أزمة المعلمين في المدارس فوق الابتدائية. وأكدت فيها المحامية سيغال بعيل من نقابة المعلمين على أن: "وزارة المالية تريد عقداً شخصياً لا يسمح بموجبه للمعلم بالإضراب، وبحيث يمكن فصله خلال عام".

وجاء في بيان للجنة رقابة الدولة في حينه أن الطرفين (وزارة المالية ونقابة المعلمين) لم يجتمعا على الإطلاق ولم يتم إحراز أي تقدم حتى الآن. وعبر رئيس اللجنة عن استيائه العميق من ذلك وقال: "​من المعيب أنه لم يتم عقد اجتماع ولو مرة واحدة مدة أسبوعين. يجب أن تدخلوا إلى غرفة وأن تتوصلوا إلى اتفاق. الطلاب لا يحصلون على علامات، ولا توجد هناك أي رحلات ولا ما يحزنون. الأمر عار على الدولة بأكملها. أنا أتابع الموضوع أمام كل الجهات المعنية ولم يتم عقد ولو اجتماع واحد. وأنا أوصل صرخة الطلاب. من المخزي لدولة إسرائيل أ​ن وزير المالية يتصرف على هذا النحو. كيف لم تجلسوا ولم تناقشوا أي شيء؟ إنه لمن ​العار للدولة أن مستقبل الجيل القادم لا يعنيها. المالية تمس في الجيل القادم".

 وقد رد ّنائب مفوض الأجور بوزارة المالية مدافعاً عن الخصخصة بالقول: "نحن نجتهد لصالح الجهاز التعليمي. الأدوات على شكل العقود الفردية هي أدوات من شأنها التسبب في تنجيع الجهاز. وسوف تجلب المعلمين الذين لا يمكن استيعابهم اليوم. هذه الأداة هي أداة مستخدمة في جميع المنظمات العمالية وهدفها ليس تفكيك العمل المنظم، وهي لم تتسبب بإلحاق أي ضرر بالعمل المنظم في أي مكان. كان هناك أيضاً اتفاق مع نقابة المعلمين يسمح بالتوظيف ضمن العقود الفردية والذي من شأنه توظيف أشخاص في أنواع عمل مختلفة. هذا الأمر ليس له أي علاقة بجوانب فصل العمال".

 لكن رئيس النقابة إيرز واجهه بالقول إنه: "يجب الحيلولة دون السيرورة التي تمر بها الدولة. إذ إنه لم يتم التخلي عن المخطوفين في الدولة فقط وإنما أيضا عن المعلمين والطلاب. لا يوجد تكافل متبادل في دولة إسرائيل وهناك موافقة ضمنية على ابتزاز المعلمين. العقود الفردية التي تطالب بها وزارة المالية هي خصخصة لجهاز التعليم، فهم لا يبحثون عن طريقة لحل المشكلة، بل يريدون إنتاج شيء آخر".

المحامية سيغال بعيل من نقابة المعلمين كشفت بوضوح أن: "وزارة المالية تريد عقداً شخصياً لا يسمح بموجبه للمعلم بالإضراب، ويمكن فصله خلال عام دون آلية للحماية، وهو لن يخرج في إجازة حسب جدول العطلات المدرسية وأخرى. وبدلا من الجلوس معنا للتفاوض، أصدر مفوض الأجور في وزارة المالية تعليمات بخصم السلفة التي تصل قيمتها إلى 2400 شيكل، وبالإضافة إلى ذلك، أضيفت عقوبة تتجسد بخصم 5% من رواتب المعلمين بزعم عدم إعطاء العلامات".

"الجميع يتخوفون ولكن إذا أغلقت المدرسة فإن المالية لا تبالي"

مدرّس في موضوع الفيزياء قال في الجلسة: "كانت والدتي معلمة لمدة 35 عاماً في جهاز التعليم. ومع ذلك، توجهتُ أنا إلى جهاز التعليم بدافع الشعور بأداء مهمة وأنا أؤمن بالوظيفة. ولكن لماذا يريد المعلم أن يعمل بالعقود الفردية؟ إذا كان الهدف هو تحقيق الأرباح ضمن العقد الشخصي فيمكن للجميع الالتحاق أصلا بالعمل في مجال الهايتك. عندما أجلس في الصف الدراسي أمام الطلاب، لا يُسمح لي بمنحهم العلامات، وهذا الأمر يجعلني أشعر بحزن شديد. لماذا لا يحضر وزير التربية والتعليم إلى هنا؟ لقد جلست وزيرة التربية والتعليم السابقة مع نقابة المعلمين في غرفة المفاوضات. للأسف الشديد فإنه في الإضرابات التي تعلن عنها نقابة المعلمين فإن الجميع يتخوفون، ونحن نرى أن أياً من الوالدين لا يذهبان إلى العمل إذا كانت هناك إضرابات، ولكن إذا أغلقت المدرسة فإن المالية لا تبالي بذلك. بالنسبة لها يمكن للجميع البقاء في البيت. أنا أتوسل أن يصحو أحد".

 وقال مارتين مينكوف وهو طالب: "إن 300 ألف من طلاب الثانويات محتجزون كرهائن، ويتم التخاذل والاستخفاف بهم، دون السماح لهم بالتقدم لامتحانات شهادة البجروت (التوجيهي) وبدون ضمانهم مستقبلا". أما د. مردخاي بنيتا من جامعة بن غوريون فقد قال إن "هناك أسئلة أساسية يجب بحثها: ما هي الوسائل التي من خلالها نمكِّن طلابنا من اكتساب المهارات؟ هل العقود الفردية ستجعل من الممكن تحقيق الهدف؟ وفقاً لدراسة من إعدادي، فإن المعلمين الناجحين هم معلمون يرغبون في تطوير معرفتهم ومهاراتهم. هل أصبح دور الجهاز اليوم هو إنتاج طلاب فضوليين أم طلاب يعملون للحصول على علامات؟ هنا يجري الحديث حول وجهة نظر تتناقض مع القرن الحادي والعشرين. يجب التفكير بصورة إبداعية، والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية وأخرى".

حق العمال في الإضراب دستوريّ مُستمد من مبدأ كرامة الإنسان

وفقاً للقانون الإسرائيلي نفسه، وبموجب المعاهدات الدولية ذات الصلة، فإن حق العمال في الانتظام نقابياً هو حق دستوري مُستمد من مبدأ المساواة ويتضمن أيضاً حق المنظمة العمالية في إدارة مفاوضات جماعية مع المشغّل. حق العامل في الإضراب مُستمد من مبدأ كرامة الإنسان، وانتهاك هذا الحق يسلب من المنظمة العمالية الأداة الرئيسة التي تمكّنها من ممارسة الضغط على المشغّل. (المعلومات هنا من موقع "كل الحق" التابع لوزارة العدل الإسرائيلية).

في المادة 19 من قانون الاتفاقيات الجماعية للعام 1957 يوفّر الكنيست للعامل الحماية من الإقالة في إثر مشاركته في إضراب. تنص المادة على أنّ مشاركة العامل في إضراب لا تُعتبر خرقاً للالتزام الفردي تجاه العمل، ولذلك، فإن عقد العمل يعتبر معلّقاً أثناء الإضراب.

بالإضافة إلى ذلك، فإن إيذاء العمال، بما في ذلك إقالتهم بسبب ممارستهم الحق في الانتظام نقابياً أو المشاركة في إضراب، محظورٌ في ميثاق منظمة العمل الدولية وفي مواثيق الأمم المتحدة. لكونها عضوة في منظمة العمل العالمية وفي الأمم المتحدة، وبحكم قيامها بتشريع بعض المواثيق، تبنت دولة إسرائيل مبادئ هذه المواثيق.

كذلك، فقد أقرت منظمة العمل الدولية حق العمال في الإضراب؛ حيث أنه في العام 1994 ذكرت لجنة الخبراء المعنية بتطبيق الاتفاقيات والتوصيات، التابعة لمنظمة العمل الدولية، أن الحق في الإضراب هو لازمة جوهرية تترتب على الحق في التنظيم. والمواثيق الدولية الرئيسة تكفل حق العمال في الحرية النقابية والمفاوضة الجماعية، فضلاً عن حقهم في الإضراب؛ فالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يقر بـ"حق كل شخص في تكوين النقابات بالاشتراك مع آخرين وفى الانضمام إلى النقابة التي يختارها، دونما قيد سوى قواعد المنظمة المعنية، وذلك بقصد تعزيز مصالحه الاقتصادية والاجتماعية وحمايتها"، و"حق الإضراب".

المصطلحات المستخدمة:

بتسلئيل, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات