لربما كان رفع أسعار الكهرباء والبنزين في يوم واحد في إسرائيل، بنسبة 5.7% و5.3% على التوالي، بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، إن جاز التعبير، وبشكل محدود، ما رفع الصرخة أعلى بشأن موجة الغلاء المتنامية في السوق الإسرائيلية منذ عام ونصف العام، ولكنها في الأشهر الأخيرة تستفحل أكثر، وهذا انعكس في التضخم المالي الذي سجل أعلى نسبة 2.8% في العام الماضي، وهي الأعلى منذ نحو عشر سنوات. إلا أنه حتى الآن، فإن الضجة قائمة في وسائل الإعلام، ولا تبدو هناك مؤشرات لاندلاع حملة احتجاجات شعبية ضد ارتفاع كلفة المعيشة.
وفي اليوم الأول من الشهر الجاري، أعلنت شركة الكهرباء الحكومية عن رفع سعر الكهرباء بنسبة 5.7%، في حين أعلنت وزارة الطاقة عن رفع سعر البنزين بنسبة 5.3%. وكانت شركة الكهرباء قد أعلمت الجمهور في الشهر الأخير من العام الماضي، بأنها تلقت توصية برفع سعر الكهرباء بنسبة 4.9%، إلا أنه بعد المداولات في اللجنة ذات الشأن، تقرر رفع سعر الكهرباء بنسبة 5.7%، بزعم استمرار ارتفاع أسعار الفحم، رغم تراجع استخدامه في إنتاج الكهرباء في البلاد. أما سعر ليتر البنزين الأكثر استخداما "95 أوكتان"، فقد سجل في مطلع الشهر الجاري، سعره الأعلى منذ نهاية العام 2014، إذ بلغ سعر الليتر 6.71 شيكل. وتذرعت وزارة الطاقة بارتفاع أسعار النفط ومشتقاته عالميا، إذ سجل سعر برميل النفط من صنف برنت الأميركي، في الشهر الماضي، ارتفاعا بنسبة 12%، وقفز عن حاجز 90 دولارا، في الأيام الأخيرة للشهر الماضي، وهي المقررة لتحديد سعر البنزين في الشهر التالي. مقابل هذا، سجل سعر صرف الدولار أمام الشيكل، في الشهر الماضي، ارتفاعا بحدود 3%، وعلى أساس هذين البندين تم تحديد سعر البنزين لشهر شباط الجاري.
إلا أن موجة الغلاء الأساسية التي تُثقل على الجمهور، وخاصة على الشرائح الفقيرة، تضرب المواد الغذائية والبضائع الحياتية الأساسية، ويتم تسليط الضوء بشكل خاص على قطاع الأغذية. وكما يبدو، في محاولة لامتصاص الغضب الجماهيري، بعث وزير المالية أفيغدور ليبرمان، ووزيرة الاقتصاد أورنا بربيباي، برسالة مشتركة إلى كبار منتجي ومستوردي المواد الغذائية، يهددان فيها باتخاذ خطوات من شأنها أن تهدد احتكاراتهم، بهدف خفض الأسعار.
وحسب تقديرات خبراء، فإن موجة غلاء جديدة قادمة، في إثر ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء، وأيضا عودة سعر صرف الدولار أمام الشيكل إلى محيط ما كان عليه في مطلع العام الماضي 2021، في حدود 3.2 شيكل للدولار، إلا أن سوق الصرف تبقى خارج التقديرات، لأنها خارج سيطرة المؤسسات المالية الرسمية.
وقال الوزيران ليبرمان وبربيباي إنه لا يوجد منطق في ذرائع رفع الأسعار، فالارتفاع الكبير في أرباح شركات إنتاج وتسويق المواد الغذائية، وتراجع سعر صرف الدولار في الربع الأخير من العام الماضي، لم ينعكسا على الأسعار التي استمرت في الارتفاع.
وحسب مصادر في وزارتي المالية والاقتصاد، فإن الوسائل التي بيدهما لتهديد المنتجين والمستوردين هي زيادة التنافسية في الإنتاج والتسويق، وإجراءات إدارية أخرى.
وبعد هذه الرسالة، بادرت وزارة المالية إلى إصدار تقرير لها، في نهاية الأسبوع الماضي، قال إن الشركات العشر الكبرى في سوق الأغذية الإسرائيلية، سجلت أرباحها الصافية في العام 2019، نسبة 12.5% من إجمالي مداخيلها، وهذه نسبة تعادل 2.3 ضعف نسبة الأرباح القائمة في القطاعات الأخرى بالمعدل، بحسب التقرير. وبلغ إجمالي الأرباح الصافية كليا للشركات العشر الكبرى 600 مليون شيكل في العام 2019، أي العام الأخير قبل اندلاع كورونا.
ويشار إلى أنه في ظل جائحة كورونا، فإن قطاع الأغذية بالتحديد زادت مبيعاته على وجه خاص، وبالتالي زادت أرباح الشركات، إلا أنه لا توجد معطيات بشأن العامين الماضيين، خاصة وأن موجة رفع الأسعار في قطاع الأغذية وباقي القطاعات، بدأت في صيف العام 2020، ولذا من المتوقع أن تكون هذه الشركات التي تواصل رفع أسعارها، بذرائع ارتفاع أسعار المواد الخام المستوردة، وغيرها من الذرائع، قد تكون سجلت في العامين 2020 و2021 أرباحا بنسب أكبر.
ونقلت الإذاعة العامة عن مسؤولين في وزارة المالية قولهم إن الوزارة ليس بقدرتها اتخاذ إجراءات من شأنها خفض الأسعار في المدى القصير، وأن الوزارة تعمل على صياغة برنامج لخفض وإلغاء جمارك على سلسلة طويلة من المنتوجات الغذائية المستوردة، في محاولة لزيادة المنافسة، التي بحسب اعتقاد الوزارة ستؤدي إلى خفض الأسعار. ورغم هذا فإن تأثير إجراءات كهذه في حال تطبيقها سيأخذ وقتا حتى تنعكس نتائجها على السوق.
ارتفاع أسعار عالية أصلاً
يقول المحلل نداف إيال، في مقال له في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إنه صحيح أن الأسعار ترتفع في جميع أنحاء العالم، كإحدى تبعات جائحة كورونا، إلا أن الأسعار في إسرائيل هي أصلا الأعلى مقارنة مع الأسواق العالمية. وكتب أن "الأسعار ترتفع في جميع أنحاء العالم. ويرتبط هذا بارتفاع أسعار النفط والطاقة، وتدهور شبكة النقليات العالمية في فترة كورونا، وارتفاع أسعار المواد الخام، والنقص المتزايد في الأيدي العاملة. إن تكلفة المعيشة هي دائما عبء، أولا وقبل كل شيء، على أبناء الطبقتين الوسطى والضعيفة، وهم بدورهم ينتقمون من السياسيين المعنيين".
ويتابع نداف: "إن وصول موجة الارتفاع في الأسعار إلى إسرائيل هو أمر متوقع وطبيعي. إلا أن ما هو مطلوب أيضا أنه في الاقتصاد الاحتكاري الصغير، والواقع تحت سيطرة لاعبين كبار، مع سلطة ضعيفة لمراقبة المنافسة في السوق، يتم فرض قيود على شبكات التسويق والمستوردين للجم استغلالهم لمسألة ارتفاع كلفة المواد الخام والإنتاج مع ارتفاع كلفة لأسباب محلية"، لرفع الأسعار إلى أكثر من اللازم.
ويرى الكاتب أن وزير المالية، أفيغدور ليبرمان، أخطأ حينما ادعى أن التضخم المالي الحاصل في إسرائيل في العام الماضي بنسبة 2.8%، هو من الأقل عالميا، ويقول إن هذا الغلاء يأتي على أسعار هي أصلا مرتفعة عن أسواق العالم، ويعدد الفارق في الأسعار بين إسرائيل وبريطانيا، التي فيها مستويات الرواتب أعلى من الرواتب الإسرائيلية. ويقدم إيال أمثلة عينية: خذوا على سبيل المثال علبة من ليتر الحليب في عبوة كرتون، فسعرها الخاضع للرقابة في دولة إسرائيل هو 5.94 شيكل. بينما يبلغ سعر ليتر الحليب في بريطانيا حوالي 3.4 شيكل. وفي الحقيقة يمكنك شراء أكثر من ليترين اثنين بـ 5 شواكل. وهذا يسري أيضا على رقائق الذرة الصباحية، التي تملكها شركة كيلوغز، وتستوردها شركة ديبلومات، إذ يتبين من المقارنة أن سعرها في السوق الإسرائيلية أعلى بنسبة 25% من سعرها في بريطانيا. كذلك دزينة بيض سعرها حوالي 7.5 شيكل في بريطانيا وأكثر من 10 شواكل في إسرائيل رغم أن البيض أيضا خاضع للرقابة. وفي سوق العقارات، فإن متوسط تكلفة الشقة في بريطانيا حوالي 1.15 مليون شيكل، أما في إسرائيل فحوالي 1.68 مليون.
على الحكومة اتخاذ إجراءات
في تقرير مشترك، لعدد من محللين في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، جاء أن الرسالة المشتركة لوزير المالية ليبرمان ووزيرة الاقتصادي بربيباي، التي هددت المنتجين والمسوقين باتخاذ إجراءات، هي رسالة استثنائية و"السؤال هو ما إذا كان لدى الحكومة أي إمكانية للقيام بمثل هذه التحركات، أم أن تهديد الوزيرين في الواقع باهت؟".
ويرى المحللون أن للحكومة أدوات للجم الأسعار، ومنع ارتفاعها، بشكل استثنائي؛ ويعددون سلسلة من الخطوات، التي من شأنها خفض كلفة المعيشة، بحسب رؤيتهم. وفي البند الأول يؤكدون على وجود بند في قانون الاحتكارات، يمنع فرض أسعار باهظة على المنتوجات، وهذا ما يجب تطبيقه. كذلك على وزارة الاقتصاد أن تفتح أمام الجمهور إمكانية الوصول لتفاصيل قيود الأسعار في شبكة الإنترنت، التي تفرضها الوزارة، بغية متابعة الأسعار وقانونيتها.
ويدعو التقرير إلى تفكيك الاحتكارات، وجاء أن "إسرائيل أصبحت جنّة للاحتكارات. إذ لم يتم الإعلان عن احتكارات جديدة منذ سبع سنوات. كما أن المسؤول عن قيود الاحتكارات في وزارة الاقتصاد، ميخائيل هالبرين، الذي ينهي ولايته في هذه الأيام، انتهج سياسة مخففة بشأن هذا الموضوع. واتضح أن الاحتكارات رفعت الأسعار بدون أن يكون لها في كثير من الأحيان، مبرر حقيقي. ومن أجل خفض الأسعار، يجب معاملة الشركات بقسوة وتفكيك بعض الاحتكارات التي تسيطر على السوق الإسرائيلية المركزية. وفي المقابل، فتح الأبواب أمام شركات عالمية لتدخل إلى السوق المحلية، ولتشكل تحديا للشركات الاحتكارية، وتدفعها لخفض الأسعار".
ويدعو المحللون إلى زيادة نطاق فرض الرقابة على الأسعار، وقالوا "إن الخطوة التي لا تحظى بحماسة لدى الحكومة، هي إخضاع منتوج بالغت الشركات في سعره لرقابة الدولة. فاليوم، تتم مراقبة المواد الغذائية بشكل أساس، مثل الخبز، والملح، والبيض، والحليب الطازج، والجبن الأبيض، وملح الطعام، والقشدة الحامضة، وبعض أصناف الألبان. ووزارة الاقتصاد والصناعة، ووزارة الزراعة، مسؤولتان عن التأكد من عدم بيع هذه المنتجات بسعر أعلى مما تحدده الحكومة كأقصى سعر. الحكومة الحالية لا تحب المنتوجات الخاضعة للرقابة، وقد قررت حتى إخراج عدد من المنتوجات من الرقابة. لذا فمن غير المحتمل أن يتم الآن إخضاع منتوجات جديدة للرقابة، ما لم تكن الزيادة في سعر منتج معين كارثية حقا".
كما يدعو التقرير ذاته إلى خفض الضرائب، وكتبوا أنه "من أجل مكافحة بلاء ارتفاع الأسعار، لا يكفي التعامل مع شركات المواد الغذائية، كما أن الحكومة لديها ما يكفي لتقوم به بنفسها. على سبيل المثال، يمكن للدولة أن تضع يدها عميقا في خزائن الدولة، وتتنازل عن بعض الإيرادات الضريبية. وبالتالي، فإن تخفيض 10% من الضريبة الضخمة على كل ليتر من الوقود، والتي تصل حاليا إلى حوالي 70%، سيؤدي إلى تخفيض سعر ليتر واحد من بنزين 95 أوكتان، من 6.71 شيكل اليوم إلى 6.02 شيكل. هناك خيار آخر يتمثل في خفض الضرائب على الشركات التي ترفع الأسعار وذلك بنية تحويلها إلى المستهلكين".
وعود ليبرمان لم تنفذ
قالت صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، في تقرير لها، إن وزير المالية ليبرمان يلقي بكامل مسؤولية رفع الأسعار على الشركات، بينما حكومته تتحمل مسؤولية جزئية عما يجري.
وجاء في تقرير الصحيفة: نسي ليبرمان ما كان يتحدث به للجمهور، والوعود التي قطعها هو ووزير الزراعة (من حزبه) عوديد فورر، من أجل تنفيذ إجراءات توسيع نطاق المنافسة، بهدف خفض الأسعار، وقالا إن الإجراءات ستدخل حيز التنفيذ في اليوم الأول من العام الجاري.
وقد أعلن ليبرمان وفورر مرارا وتكرارا أنه سيتم رفع الرسوم الجمركية على الواردات مع أو بدون اتفاق مع المزارعين، الذين يواصلون بدورهم المماطلة في المفاوضات التي أجبرت ليبرمان، بضغط من مجموعات الضغط التابعة لاتحاد المزارعين في الكنيست، على تأخير تنفيذ ما وعد به. ويواصل المزارعون طرح المطالب، رغم مخطط التعويض السخي الذي تم تقديمه لهم بالفعل ومضاعفة الدعم المباشر الذي سيحصلون عليه إلى مليار شيكل، إضافة إلى ضمانات اجتماعية لهم، مقابل فتح الأسواق للمنافسة أكثر.
وأشارت الصحيفة إلى تقرير مراقب الدولة الإسرائيلية الصادر في شهر أيار الماضي 2021، الذي قال إن الرسوم الجمركية هي من المؤثرات الكبيرة على الأسعار، وتساهم في موجة الغلاء، مع التركيز على الخضار والفواكه والأسماك. والإيرادات الجمركية على المواد الغذائية تشكل 17% من إجمالي الإيرادات الجمركية على جميع المنتجات المستوردة، وبلغ متوسط المعدل الجمركي الفعلي لهذه المنتوجات في العام 2018 ما نسبته 115% من السعر الأصلي، وبسبب الضريبة المرتفعة فإن أسعار المنتوجات المحلية تبقى مرتفعة.
المصطلحات المستخدمة:
مراقب الدولة, يديعوت أحرونوت, الشيكل, الكنيست, أفيغدور ليبرمان